يتغير شكل الأرض باستمرار، إذ تندفع الجبال نحو الأعلى بفعل حركات الصفائح التكتونية، وتتسبب الانهيارات الأرضية والتعرية بحتّ سطحها. تعيد الأحداث المناخية توزيع كتل مائية كبيرة بين محيطات الأرض وغلافها الجوي ويابستها. لكن كل ذلك لا يضيف ولا يغير شيئاً من كتلة الأرض، لأن ذرات الأرض نفسها تنتقل من مكان إلى آخر. فما الذي يفعله ذلك إذاً؟ أتتمدد الأرض أم تتقلص؟ الإجابة في السطور أدناه.
كيف تشكل كوكب الأرض؟
من المهم معرفة كيف تشكلت الأرض بدايةً لنعرف إن كانت تتمدد أم تتقلص.
تتكون الكواكب حول نجم ما من الغبار الذي يدور حوله. ويحوي الغبار عناصر مهمة لتكوين الكواكب مثل الحديد والكربون. تصطدم جزيئات الغبار ببعضها، وتتجمع بشكل حصى بدايةً، ومن ثم بهيئة صخور تكبر تدريجياً.
إذا تجمعت هذه الصخور في مكانٍ بارد وبعيد بما يكفي عن النجم، تتراكم أجزاء صغيرة من الجليد مع الغبار، وتتجمع الكرات الثلجية هذه في نوى كوكبية عملاقة. تسمح هذه المناطق الأكثر برودة أيضاً لجزيئات الغاز بالتباطؤ بدرجة كافية ليتم سحبها نحو الكوكب. هذه هي طريقة تشكل الكواكب الغازية العملاقة؛ كالمشتري وزحل وأورانوس ونبتون. ويُعتقد أن كوكب المشتري وزحل قد تشكلا أولاً وبسرعة خلال الملايين العشرة الأولى من عمر النظام الشمسي.
أما بالقرب من النجم، حيث درجات الحرارة الأعلى، فتتشكل الكواكب الصخرية التي لم يتبقَ لها الكثير من الغاز. قد تستغرق الكواكب الصخرية مثل عطارد والزهرة والأرض والمريخ عشرات الملايين من السنين لتتشكل بعد ولادة النجم.
اقرأ أيضاً: الصور تشير إلى أن عطارد يتقلص بشكل فعال
أتتمدد الأرض أم تتقلص؟
نأتي الآن إلى سؤالنا الأوّل. على الرغم من تشكل الأرض منذ مليارات السنين، إلّا أنها ما زالت تتلقى المزيد من الغبار الكوني من الفضاء، وتقدم مواداً أخرى إلى النظام الشمسي أيضاً، مثل الغازات المتسربة من الغلاف الجوي، فعملية تبادل المواد مستمرة. ونتيجة لهذه العملية، يناقش «غيوم غرونوف»؛ وهو عالم يدرس تسرّب الغلاف الجوي" (Atmospheric Escape) في مركز أبحاث لانغلي التابع لناسا في فيرجينيا، احتمالية تمدد الأرض أو تقلصها (حجماً).
بحسب غرونوف، تستمر الأرض في مراكمة الغبار الكوني من النيازك وحطام الكويكبات ومسارات المذنبات والجسيمات المتأينة التي تتدفق بعيداً عن الشمس، والتي تلتقطها جاذبية الأرض، وتُضاف إلى كتلتها. بينما ينكمش الغلاف الجوي لكوكب الأرض بعملية تسمى تسرّب الغلاف الجوي بدأت منذ تشكّل الكوكب، حيث تحصل ذرات الأكسجين والهيدروجين والهيليوم على طاقة من الشمس تكفيها للهروب من الغلاف الجوي.
إذاً، الأرض تتقلص عندما تخسر غازاتها نحو الفضاء، وتتمدد عندما تتلقى المزيد من الغبار الكوني. لكن ما هي العملية ذات النصيب الأكبر؟
تصعب الإجابة عن هذا السؤال لأن قياس كتلة الأرض صعبٌ للغاية، ولا نعرف كتلتها الحقيقية في المقام الأول لنعرف إن كانت تكتسب الكتلة أم تفقدها.
كل ما يمكن فعله للإجابة عن هذا السؤال هو مراقبة كمية النيازك التي تؤثر على الكوكب، ويُقدّر بأنها 16,500 طناً سنوياً -45 طناً يومياً- فكتلة الأرض تزداد كل عام بمقدار 16,500 طناً. من ناحية أخرى، يقول غرونوف إن بيانات الأقمار الصناعية تشير إلى أن كمية الغازات المتسربة الخفيفة مثل الهيدروجين والهليوم وحتى الأكسجين من الغلاف الجوي تُقدر بـ 82,700 طنّاً سنوياً. بإجراء عملية الطرح، يتبين أن الأرض تخسر نحو 66,200 طنّاً سنوياً من كتلتها.
قد ترى هذا رقماً ضخماً، لكن حتى لو خسرت الأرض هذا المقدار من الغلاف الجوي سنوياً، ستحتاج 5 مليارات سنة حتى تفقد الغلاف الجوي بالكامل على فرض أن الأرض غير قادرة على تجديده. لكن في حقيقة الأمر، يتجدد الغلاف الجوي باستمرار بسبب الانفجارات البركانية ونشاط المحيطات وغيرها من العمليات الأرضية.
بسبب العمليات الأرضية هذه، ستفقد الأرض غلافها الجوي بعد 15.4 تريليون سنة، وهذا أكبر من عمر الكون بمئة مرة، حيث يُقدر عمر الكون بـ 13.7 مليار سنة. وسيكون من المستحيل استمرار الحياة حتى ذلك الوقت، لأنه من المتوقع أن تتحول الشمس إلى عملاق أحمر بعد نحو 5 مليارات سنة، ما سيجعل الأرض غير صالحة للسكن، وهذا ما سيهدد الحياة على الكوكب، وليس حجم الأرض المتقلص أو فقدانها لغلافها الجوي.
اقرأ أيضاً: إلى أي حدّ يمكننا الاقتراب من الشمس دون أن نموت
كيف نعرف إن كانت الأرض تتمدد أم تتقلص؟
عام 2011، أجرت وكالة الفضاء الأميركية ناسا دراسة للإجابة عن هذا السؤال أيضاً، وذلك بالاعتماد على "الإطار المرجعي الأرضي الدولي"؛ وهو عبارة عن إطار مرجعي موحد لكل العالم، خاص بنظام الإحداثيات، يقيس شكل الأرض ومجال الجاذبية، وكيف يتغيّران بمرور الوقت. مركز هذا النظام هو مركز الكرة الأرضية، آخذاً بالاعتبار الأرض ككل بما فيها من الأجزاء الصلبة والغلاف المائي للمحيطات والجليد والغلاف الجوي الذي يحيط بها، بما يحمله من أقمار صناعية.
للحصول على البيانات حول ما إذا كانت الأرض تتمدد أم تتقلص، استخدم فريق الباحثين تقنيات عديدة لتقدير معدل التغير في متوسط نصف قطر الأرض الصلبة بمرور الوقت، إذ يحصل الباحثون من هذه التقنيات على بيانات حول تحركات سطح الأرض من شبكة عالمية من المواقع المختارة بعناية. وتم بعد ذلك دمج هذه البيانات مع قياسات جاذبية الأرض من مركبة فضائية تابعة لناسا سمّيت بـ "مهمة استعادة الجاذبية وتجربة المناخ- غريس" (GRACE) ونماذج ضغط قاع المحيط، والتي تساعد العلماء على تفسير بيانات تغير الجاذبية فوق المحيط.
بالاعتماد على كل تلك البيانات، قدر العلماء أن متوسط التغير في نصف قطر الأرض يبلغ نحو 0.1 ملم سنوياً، وهو معدل يعتبر غير مهم من الناحية الإحصائية نظراً لصغره. وأكد الباحثون في حينها أن الأرض الصلبة لا تتمدد، كما أن هذه النسبة الصغيرة جداً بالنسبة للأرض لا تعني أنها تتقلص أيضاً.