هل سيدشن مفاعل «جيت» عصر الحصول على الطاقة من الاندماج النووي؟

3 دقائق
هل سنحصل على الطاقة قريباً من الاندماج النووي؟
داخل المفاعل فائق القوة ذو الشكل الشبيه بالدونَت. حقوق الصورة: هيئة الطاقة الذرية في المملكة المتحدة.

ماذا لو استطعنا تزويد منزل كامل بالطاقة ليوم واحد بواسطة تفاعل مدته 5 ثوانٍ فقط؟ يمكن أن يخبرنا الفيزيائيون البريطانيون عن كيفية تحقيق ذلك، ففي 21 ديسمبر/كانون الأول 2021، شهدت مجموعة من الباحثين حدوث تفاعل اندماج نووي أدى إلى توليد كمية من الطاقة حطّمت الأرقام القياسية التي سبقتها، إذ بلغت 59 ميغا جول في غضون 5 ثوانٍ فقط، من خلال استخدام طاقة الاندماج النووي المستقر.

يعد هذا الاختراق أحد التطورات الرئيسية العديدة التي حدثت خلال العام الماضي أو نحو ذلك، والتي تجعل تكنولوجيا الاندماج النووي مرشحاً معقولاً أكثر لتوليد الطاقة غير المعتمدة على الوقود الأحفوري. هذا التفاعل، والذي أجراه باحثون في ائتلاف «يورو فيوجن»، ضاعف الرقم القياسي الأخير لطاقة الاندماج بأكثر من ضعف، والذي تجاوز 21.7 ميغا جول في عام 1997. استخدم الباحثون جهاز «مفاعل الطاقة الأوروبي المشترك» لتوليد كمية كبيرة من الطاقة.  

نحو استخدام تفاعلات الاندماج النووي لتوليد الطاقة عالميّاً

قال «توني دونيه»، مدير برنامج يورو فيوجن، في بيان صحفي: «هذا الإنجاز هو نتيجة سنوات طويلة من التحضير من قبل فريق الباحثين في المشروع من جميع أنحاء أوروبا»، وأضاف: «الرقم القياسي الجديد، والأهم من ذلك، إن الأشياء التي تعلمناها عن الاندماج النووي في ظل هذه الظروف والطريقة التي يؤكّد فيها توقعاتنا تماماً، تُظهر أننا على الطريق الصحيح نحو استخدام تفاعلات الاندماج لتوليد الطاقة على مستوى العالم. إذا تمكنا من الحفاظ على تفاعل الاندماج لمدة 5 ثوان، فيمكننا القيام بذلك لمدة 5 دقائق ثم 5 ساعات بينما نقوم بتوسيع نطاق عملياتنا في الآلات المستقبلية».  

مفاعل الطاقة الأوروبية المشترك، أو «جيت» اختصاراً، هو أكبر وأقوى مفاعلات الـ «توكاماك» العاملة في العالم، وهو يشبه كعكة «دونَت» معدنية عملاقة. تقوم مفاعلات توكاماك بحصر البلازما في الفراغ ذو شكل الطارة، مع وجود حقول مغناطيسية تزود التفاعل بالكميات الهائلة من الحرارة اللازمة لبدئه. داخل جيت، يمكن أن تصل درجات الحرارة إلى 150 مليون درجة مئوية، وهذا أعلى بـ 10 مرات من درجة حرارة مركز الشمس.  

اقرأ أيضاً: انظر إلى السماء: إنه انفجار نووي!

المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي (إيتر)

هذه التجربة ضرورية للتحضير لـ «المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي»، أو «إيتر» اختصاراً، وهي خطة قيد الإنشاء، اكتملت بنسبة 80% تهدف لبناء نسخة أكبر من مفاعل جيت. هذه المرة، لا يرغب العلماء في توليد الطاقة فقط، إذ أن هدف مشروع إيتر هو إنتاج طاقة صافية، أي الحصول على كمية من الطاقة أكبر من المستخدمة للتشغيل. هذا المشروع، والذي يقع في جنوب فرنسا، قيد التنفيذ منذ عام 1985، وهو يجمع بعضاً من ألمع علماء الطاقة من جميع أنحاء الصين، والاتحاد الأوروبي، والهند، واليابان، وكوريا، وروسيا، والولايات المتحدة. كما يجري العمل على خطط لتصميم مفاعلات «إي يو - ديمو»، وهي الجيل التالي من مفاعلات التوكاماك، والتي ستتصل بالفعل بشبكة الكهرباء.   

اقرأ أيضاً: الطريقتان الأفضل وفقاً للفيزيائيين لتوليد الطاقة عبر الاندماج النووي على غرار النجوم 

كيف يعمل مفاعل جيت؟

الطريقة التي يعمل بها مفاعل جيت هي باستخدام مكونين: الديوتيريوم والتريتيوم. الديوتيريوم هو أحد النظائر المستقرة للهيدروجين، ولحسن الحظ فهو وفير جداً في مياه البحر، من المحتمل أن تكون واحدةً من كل 5000 ذرة من الهيدروجين في مياه البحر هي ذرة ديوتيريوم، وذلك وفقاً لوزارة الطاقة الأميركية. عندما تصبح مشاريع الاندماج النووي حقيقة واقعة، تقدر وزارة الطاقة أن كل 1.2 ليتراً من مياه البحر قد ينتج طاقة تعادل تلك التي ينتجها 1,363 ليتراً من البنزين.  

أما التريتيوم، فهو نادر في الطبيعة. يتم إنتاج هذه النظائر المشعة في المفاعلات النووية عن طريق تعريض الليثيوم للنيوترونات النشطة. يتوقع خبراء مشروع آي تي إي آر أن هناك ما يكفي من الليثيوم القابل للاستخراج لتشغيل مفاعلات الاندماج لـ 1000 عام على الأقل.   

يتم بعد ذلك إطلاق هذين المكونين في البلازما فائقة السخونة داخل المفاعل، حيث يتم دمجهما معاً لتشكيل الهيليوم، والنيوترونات، وبالطبع الطاقة. هذا التفاعل ينتج طاقة كبيرة جداً من كميات قليلة من المواد المتفاعلة.  

قال «توني رولستون»، من قسم الهندسة في جامعة كامبريدج، لشبكة «سي إن إن» الإخبارية: «الطاقة التي يمكننا الحصول عليها من وقود الديوتيريوم والتريتيوم هائلة»، وأضاف: «على سبيل المثال، يتطلب تزويد المملكة المتحدة بكل الكهرباء التي تحتاجها ليوم واحد 0.5 طناً من الديوتيريوم، والذي يمكن استخراجه من مياه البحر». 

بالطبع، لا يزال هناك الكثير من الإنجازات التي يجب على الباحثين تحقيقها قبل الوصول لمرحلة نستطيع فيها الاعتماد على الاندماج النووي كمصدر للطاقة النظيفة. يمكن لمفاعل جيت تحمّل الحرارة الهائلة لمدة 5 ثوانٍ فقط، وهناك حاجة إلى تشغيل المفاعلات لمدة أطول من ذلك بكثير للوصول إلى مستقبل الطاقة النظيفة اللازم لتجنب أسوأ عواقب التغير المناخي.  

قال «إيان تشابمان»، الرئيس التنفيذي لمشروع جيت التابع لهيئة الطاقة الذرية البريطانية، في بيان صحفي: «من الواضح أننا يجب أن نجري تغييرات كبيرة لمعالجة آثار تغير المناخ، والاندماج النووي يوفر الكثير من الإمكانات»، وأضاف: «نحن نبني المعرفة ونطور التكنولوجيا الجديدة المطلوبة لتوفير مصدر مستدام منخفض الكربون للطاقة التي تساعد على حماية كوكب الأرض للأجيال القادمة. يحتاج عالمنا إلى طاقة الاندماج النووي».  

المحتوى محمي