تمكنت أسيل الرواشدة ذات الـ 17 عاماً من ابتكار طريقة صديقة للبيئة ومنخفضة التكاليف لمكافحة البعوض، إذ صنعت مبيداً مغلفاً بالخميرة لخلق تأثير حصان طروادة. على إثر هذا الإنجاز حصدت الرواشدة المرتبة السادسة في مسابقة العلوم الوطنية لعام 2022 في الولايات المتحدة الأميركية، والتي يعدها برنامج ريجينيرون للبحث عن المواهب العلمية (Regeneron STS).
اقرأ أيضاً: أسرار البعوض 1: أراق دماء البشر أكثر من أية كائن آخر
مكافحة البعوض بين الوسائل التقليدية والحديثة
يموت سنوياً ما لا يقل عن مليون شخص حول العالم بتأثير لدغات البعوض وما تُحدِثه من أمراض فيروسية بمختلف أنواعها، مثل حمى غرب النيل والضنك والحمى الصفراء والملاريا وداء الفيلاريات اللمفاوي، ونظراً إلى أنه ليس هنالك لقاحات أو علاجات للأمراض التي ينقلها البعوض حتى الآن، استهدفت أسيل في ابتكارها يرقات البعوض كناقل لهذه الأمراض قبل أن تتحول إلى حشرة بالغة.
اقرأ أيضاً: أسرار البعوض 2: أضرار البعوض وطرق التخلص منه
تنتشر المبيدات الاصطناعية حول العالم، إلا أنه يمكن لبعض مجموعات البعوض أن تكتسب مقاومة لها بمرور الوقت، أو قد تتسبب بسمية بيئية للكائنات غير المستهدفة. كما استُخدمت تقنيات المكافحة الحيوية للبعوض مثل البكتيريا العصوية التورنجية Bacillus thuringiensis (Bti) السامة لليرقات، أو البعوض المعدل وراثياً، إلا أنها تعد طرقاً مكلفة لا يمكن لدول البلدان النامية، حيث يكثر انتشار البعوض والأمراض، تحمل تكلفتها الباهظة. لذا ولعقود من الزمن، تحولت أنظار العلماء نحو مبيد حشري يستهدف البعوض الناقل للأمراض ويحافظ على الأنواع المفيدة، مع انخفاض تكلفته في الوقت ذاته.
استلهمت رواشدة فكرة المبيد الجديد من الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة لويزيانا الأميركية ونُشرت في دورية "بلوس ون" (PLOS One)، حيث صنع الباحثون طُعماً مغلفاً بالخميرة على شكل كبسولات للقضاء على الأوالي الهاضمة للسليلوز في أمعاء النمل الأبيض ما يؤدي إلى موته. حاولت الشابة استخدام التجربة ذاتها ولكنها استهدفت يرقات البعوض الضارة لأنها تتغذى على الخميرة. علاوة على ذلك استنتجت أسيل من خلال قراءتها، أنه يمكن للزيوت العطرية أن تقتل اليرقات وتحمي البعوض المفيد مثل "بعوضة الفيل" (Toxorhynchites rutilus) الذي يتغذى على حشرة "الزاعجة" (Aedes).
مبيد الزيوت العطرية المغلفة بالخميرة: ابتكار أسيل الرواشدة
لإعداد المبيد الجديد حولت أسيل غرفة نومها إلى مختبر، حيث استأجرت المعدات من جامعة تكساس، وراسلت الجامعات للحصول على بيض البعوض، فتلقت عام 2020 من مختبر مايكل رييل للحشرات في جامعة أريزونا سلالة من بيض بعوض "الزاعجة المصرية" (Aedes aegypti).
بدأت أسيل بإعداد المبيد بتغليف ثلاثة أنواع من الزيوت العطرية بالخميرة، فاختارت زيوت القرفة والثوم والبرتقال؛ والتي تعد من أرخص الأنواع، وخلطتها بخلايا "خميرة البيرة" (Saccharomyces cerevisiae) مع الماء في حاضنة هزازة، ثم تركتها للنقع على درجة حرارة 45 درجة مئوية لمدة 10 ساعات. ساعد جدار خميرة البيرة ذو القوة الميكانيكية العالية على حماية الزيوت العطرية من التطاير، بالإضافة إلى الإبقاء على تفضيلها من قبل يرقات بعوض الزاعجة. قامت أسيل بتجميد الكبسولات وتجفيفها لحفظها، ثم طبقتها على عينات من مياه المستنقعات والبرك حيث يتكاثر عادة البعوض. اختبرت فعالية كل منها وسميتها على اليرقات، وعلى بعض لافقاريات المياه العذبة مثل برغوث الماء وبعض الطحالب الدقيقة، وبعوض الفيل الذي يتغذى على يرقات الزاعجة، وقارنت بينها وبين المبيد التجاري المحتوي على بكتيريا العصوية التورنجية (Bti) التي تقتل اليرقات أيضاً، وتوصلت إلى النتائج التالية:
- أثبتت كبسولات الخميرة المحملة بالزيوت العطرية فعالية أكبر كمبيد لليرقات بالمقارنة مع الزيوت العطرية لوحدها.
- تمكن المبيد من قتل نسبة كبيرة من اليرقات، في حين لم تتحول اليرقات المتبقية إلى شرنقات، وهي اليرقات المعالجة بمبيد زيت القرفة عند تركيز 20 جزءاً في المليون.
- تراوحت الجرعة المميتة (LD50) ما بين 20-35 جزءاً في المليون لكل العينات الثلاثة.
- لاحظت أسيل باستخدام المجهر الضوئي البسيط تغييرات مورفولوجية وسلوكية في اليرقات، بما في ذلك تأثر الميلانين والإثارة العصبية والتثبيط العصبي، وتلف الأمعاء الوسطى والقصبة الهوائية ونزيف البشرة.
- لم تظهر أية آثار سمية بيئية على الطحالب الدقيقة المختبرة خلال اختبار التباين الإحصائي ANOVA، أي لم يستهدفها المبيد الجديد، حيث لا تستطيع الكائنات اللافقارية هضم جلوكان بيتا في جدار خلية الخميرة.
- لم تؤثر أنواع المبيد الثلاثة على يرقات بعوضة الفيل المفيدة، ويُعتقد أن السبب في ذلك أنها لا تتغذى على الخميرة، حيث تم تأكيد رؤية المعي المتوسط فارغاً. في المقابل قامت بكتيريا (Bti) بقتل جميع يرقات بعوضة الفيل، وبذلك تكون الزيوت العطرية المغلفة في كبسولات خميرة البيرة أول مبيد لا يظهر آثاراً مميتة على يرقات بعوضة الفيل، ما يوضح أهميته وإمكانياته في مكافحة البعوض من ناقلات الأمراض.
اقرأ أيضاً: ولاية أميركية تعلن الحرب على نوع ضخم من البعوض
أسيل الرواشدة: عمر صغير وحلم كبير
أسيل الرواشدة هي فتاة في الـ 17 من عمرها، تنحدر من أصل أردني وفلسطيني، تعيش في مدينة أوستن في ولاية تكساس في الولايات المتحدة الأميركية، ودرست في ثانوية أوستن حيث تقود فريق المناظرة، وكونت صداقات حقيقة بالإضافة إلى متعة النقاش والحوار. خارج المدرسة تفضل أوستن نشاط محاكاة التسلق في الصالة الرياضية ورفع الأثقال، لكنها لا تفكر في الدخول في مسابقات تنافسية. ساعد تنوع خلفيتها الثقافية في تعدد مواهبها وقدراتها، إذ تتقن اللغة العربية بشكل جيد بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية والقليل من الإسبانية، وتمارس هواية الطبخ الشرقي للوصفات الفلسطينية مع أمها. تحاول أسيل نشر ثقافتها الأم من خلال تعريف أصدقائها في المدرسة بها، فهي تعتز بها وتحمل مكانة مميزة في قلبها.
نالت أسيل جائزة مالية عن مشروع المبيد المغلف بالخميرة من برنامج ريجينيرون للبحث عن المواهب العلمية وقيمتها 80 ألف دولار، حيث ستستعين بها لتغطية تكاليف الدراسات العليا. اليوم، تخرجت أسيل من مدرسة أندرسون الثانوية، وتم قبولها في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلا أنها ما زالت تحاول اتخاذ قرارها ما بينه وجامعة هارفارد الأميركية.
تشكل أسيل نموذجاً مثالياً للفتاة الطموحة، حيث تقول أنيتا شيلر، وهي مديرة مبادرة التحكم البيولوجي: "من الرائع رؤية فتاة شابة تحقق تقدماً في مكافحة البعوض، من خلال مشروعها الممنهج. أعتقد أننا سنجد العديد من الشابات اللواتي يترقَّين في مجال مكافحة ناقلات الأمراض، وآمل أن تكون واحدة منهن يومًا ما".