ابتكر علماء من جامعة كاليفورنيا ريفرسايد وجامعة ديلاوير الأميركيَتين طريقةً للتمثيل الضوئي الاصطناعي، لزراعة النباتات دون وجود أشعة الشمس، ما قد يؤدي إلى إيجاد طرق جديدة لزراعة الغذاء على الأرض، وربما يوماً ما على المريخ.
عملية التمثيل الضوئي وأهميتها للكائنات الحية
إن عملية التمثيل الضوئي في النباتات هي طريقة يتحول فيها الماء وثاني أوكسيد الكربون بوجود الطاقة من أشعة الشمس، إلى كربوهيدرات «سكريات» يستخدمها النبات لبناء كتلته الحيوية، ومن ثم تستفيد منها الكائنات بنفس الغرض مع تناولها النباتات.
تعتبر هذه العملية من أهم العمليات الحيوية على وجه الأرض، فلولاها لما استطاعت الكائنات الحية، ومن بينها الإنسان، الاستفادة من الشمس للحصول على غذائها. على الرغم من ذلك، إن 1% فقط من طاقة الشمس ينتهي بها الأمر في النباتات.
عملية التمثيل الضوئي الاصطناعي وتنمية النباتات في الظلام
كشفت دراسة جديدة نُشرت في دورية "نيتشر فوود" (Nature Food) كيف وجد العلماء طريقة لتنمية النباتات، دون الحاجة لوجود ضوء الشمس عبر التمثيل الضوئي الاصطناعي.
استخدم الباحثون عملية كيميائية مؤلفة من خطوتين هما:
- تحويل ثاني أكسيد الكربون والكهرباء والماء إلى أسيتات (خلات)، وهو أحد المكونات الرئيسية للخل.
- استهلاك الكائنات الحية المنتجة للغذاء مادة الأسيتات هذه لتنمو في الظلام.
تتم عملية التمثيل الضوئي الاصطناعي بتفاعل كيميائي يجري ضمن محلل كهربائي، يتم فيه تحويل المواد الخام مثل ثاني أوكسيد الكربون إلى جزيئات ومنتجات مفيدة. ومع تحسين إنتاج المحلل الكهربائي يتم دعم نمو الكائنات المنتجة للغذاء، وذلك بدمج جميع مكونات النظام معاً.
بهذه الطريقة، يمكن زيادة كمية الأسيتات مع تقليل كمية الملح، ما يؤدي إلى الوصول إلى أعلى مستويات الأسيتات التي تم إنتاجها في محلل كهربائي حتى الآن. وقد وضّح ذلك المؤلف المشارك في الدراسة من جامعة ديلاوير "فنغ جياو" بقوله: "باستخدام أحدث إعداد للتحليل الكهربائي لثاني أوكسيد الكربون من خطوتين تم تطويره في مختبرنا، تمكّنّا من تحقيق انتقائية عالية تجاه الأسيتات التي لا يمكن الوصول إليها من خلال طرق التحليل الكهربائي التقليدية لثاني أوكسيد الكربون".
وكما ذكرنا، تتطلب العملية تفاعلاً كيميائياً، وإطلاق هذا التفاعل يحتاج طاقة كهربائية، ولتوليد الكهرباء استخدم الباحثون ألواحاً شمسية. بهذه الطريقة ازدادت كفاءة تحويل ضوء الشمس إلى طعام، لدرجة أنه أصبح أكثر كفاءة بـ 18 مرة بالنسبة لبعض المواد الغذائية. على الرغم من ذلك، يقول الباحثون إن أي مصدر كهربائي آخر يمكنه تشغيل التفاعل، لكن الطاقة الشمسية هي الأكثر فعالية، ناهيك عن أنها متجددة وصديقة للبيئة.
إن اقتران هذا النهج بالأنظمة الحالية لإنتاج الطاقة من ضوء الشمس يمكن أن يزيد من كفاءة تحويل الطاقة من الطاقة الشمسية إلى الغذاء بنحو أربعة أضعاف مقارنة بالتمثيل الضوئي الطبيعي، كما أن التقنية تسمح بإعادة تصور كيفية إنتاج الطعام في بيئات مُتحَكم بها.
قال مؤلف الدراسة الدكتور "روبرت جينكرسون"، وهو أستاذ مساعد في الهندسة الكيميائية والبيئية في جامعة كاليفورنيا: "سعينا من خلال نهجنا إلى تحديد طريقة جديدة لإنتاج الطعام يمكن أن تتخطى الحدود التي تفرضها عادة عملية التمثيل الضوئي البيولوجي".
اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستفادة من الطاقة الشمسية ليلاً؟
النباتات والكائنات الحية الأخرى التي يمكن إنتاجها باستخدام التمثيل الضوئي الاصطناعي
أما عن النباتات التي يعمل الباحثون على تقييم إنتاجيتها بهذه الطريقة، فهي متمثلة بمجموعة واسعة من المحاصيل التي يمكنها الاستفادة من الأسيتات كلبنات أساسية للنمو والازدهار. تشمل هذه المحاصيل اللوبياء والطماطم والتبغ والأرز والكانولا والبازلاء الخضراء التي تستخدم الكربون من الأسيتات عند زراعتها في الظلام.
بالإضافة إلى المحاصيل، يمكن زراعة مجموعة واسعة من الكائنات الحية المنتجة للغذاء، بما في ذلك الطحالب الخضراء والخميرة والفطر، في الظلام مباشرة على منتجات التحليل الكهربائي الغنية بالأسيتات.
قالت طالبة الدكتوراه في مختبر "جينكرسون" والمؤلفة الرئيسية المشاركة في الدراسة "إليزابيث هان": "كنا قادرين على زراعة الكائنات الحية المنتجة للغذاء دون أي مساهمات من التمثيل الضوئي البيولوجي. تُزرع هذه الكائنات عادةً على السكريات المشتقة من النباتات أو المدخلات المشتقة من البترول، الذي هو نتاج عملية التمثيل الضوئي البيولوجي التي حدثت منذ ملايين السنين".
وجد الباحثون أن استخدام هذه التقنية في الزراعة يزيد من كفاءة إنتاج الطحالب حتى 4 أضعاف من زراعتها بالطريقة التقليدية التي تعتمد على التمثيل الضوئي الطبيعي، وتزيد من كفاءة الخميرة أكثر بنحو 18 مرة من طريقة إنتاجها التقليدية عن طريق استخراج السكر من الذرة. فقد أضافت الدكتورة "هان": "هذه التكنولوجيا هي طريقة أكثر فعالية لتحويل الطاقة الشمسية إلى طعام، مقارنة بإنتاج الغذاء الذي يعتمد على التمثيل الضوئي البيولوجي".
ما الفائدة من التمثيل الضوئي الاصطناعي؟
من أهم الفوائد المرجوّة من التمثيل الضوئي الاصطناعي زيادة الإنتاجية، وخاصة إنتاج الغذاء في الظروف متزايدة الصعوبة التي تفرضها أزمة المناخ التي يسببها الإنسان وتحديات الأمن الغذائي الناتجة عنها، بما في ذلك الجفاف والفيضانات وانخفاض توافر الأراضي الزراعية. ولتوضيح ذلك قال الدكتور جينكرسون": "يمكن أن يكون استخدام منهج التمثيل الضوئي الاصطناعي لإنتاج الغذاء نقلة نوعية لكيفية إطعام الناس. من خلال زيادة كفاءة إنتاج الغذاء، هناك حاجة إلى مساحة أقل من الأراضي، وتقليل تأثير الزراعة على البيئة".
للباحثين أيضاً نظرة مستقبلية للاستفادة من هذه التقنية في زراعة المحاصيل خارج كوكب الأرض، وخصوصاً في رحلات الإنسان القادمة إلى المريخ، فبالتأكيد لن يتمكن رواد الفضاء من أخذ طعامهم معهم إلى هناك، بل عليهم زراعة المحاصيل في بيئات غير تقليدية، بأقل المواد الأولية وفرةً.
اقرأ أيضاً: ما أهمية نجاح أول زراعة نباتات في تربة القمر للبعثات الفضائية المستقبلية؟
تقول مديرة مركز أبحاث تحويل النباتات في جامعة كاليفورنيا "مارثا أوروزكو كارديناس": "تخيل يوماً ما سفناً عملاقة تزرع نباتات الطماطم في الظلام وعلى سطح المريخ، ما مدى سهولة ذلك على المريخ في المستقبل؟"
في الواقع، كان فريق جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد من الفائزين في المرحلة الأولى في تحدي الغذاء في الفضاء السحيق التابع لوكالة ناسا. وهذا التحدي عبارة عن مسابقة دولية تُمنح فيها الجوائز للفريق الذي يبتكر تقنيات إنتاج غذاء جديدة تتطلب الحد الأدنى من المدخلات، وتعظيم مخرجات الغذاء الآمنة والمغذية والمقبولة للمهام الفضائية طويلة الأمد.