بعد الزلازل الكبرى، كزلزال جنوب تركيا وشمال سوريا صباح الاثنين 6 فبراير/ شباط عام 2023، والذي بلغت قوته 7.8 على مقياس ريختر، وأسفر عما يزيد عن 35 ألف ضحية وآلاف والجرحى، قد يلازم البعض ممن شعر بالزلزال إحساسٌ بالدوار، وأن الأرض تهتز تحتهم رغم أنها ثابتة، وقد يحدث الدوار كلما جلسوا أو تذكروا الكارثة، وقد يظن كل شخص منهم أنه يختبر هذا الشعور وحيداً. لكن في الواقع، إن الدوار بعد الزلزال حالة وثّقها الأطباء، وإليك أسبابها وكيفية التعامل معها.
مَن يعاني من الدوار بعد الزلزال؟
اطمئن لست وحدك. في الواقع، يعاني نحو 80-90 % من البالغين ونحو 50% من الأطفال من الشعور بالدوار أو الدوخة بعد حدوث زلزال كبير، وهي حالة يُطلق عليها اسم 'متلازمة الدوار بعد الزلزال" (post-earthquake dizziness)، وتُوصف بأنها معاناة الأشخاص الأصحاء الذين ليست لديهم أمراض دهليزية سابقة من تأرجح وهمي في الجسم، قد تستمر من عدة ثوانٍ إلى دقيقة في كل مرة، وغالباً ما يحدث الدوار عندما يكون الأشخاص في داخل المنزل أو عند الجلوس، ويكون أكثر شيوعاً عند الإناث.
اقرأ أيضاً: ما أبرز مخاطر ارتداء سماعات الأذن؟ وكيف تحافظ على سلامة أذنك؟
أسباب الدوار بعد الزلزال
يفترض العلماء أن الاهتزاز الجسدي المتكرر الناتج عن التعرض المستمر للهزات الأرضية الارتدادية المتكررة التي تحدث بعد الزلزال يمكن أن يثير خللاً وظيفياً في التوازن، وذلك بسبب عدم التطابق الحسي بين الأحاسيس البصرية والإحساس العميق (حاسة إدراك الحركة) والوظيفية الدهليزية.
فحتى يحافظ الجسم على توازنه، هو لا يستخدم عضواً حسياً واحداً فقط، وإنما يجمع المعلومات من العينين والجلد والعضلات مع المعلومات من عضو التوازن الموجود في الأذن الداخلية، وهو ما يساعد نظام التوازن في تحديد مكان الجسم بالضبط، فإذا كانت المعلومات الواردة من العيون والآذان الداخلية وحواس اللمس والضغط لا تتطابق، سوف نشعر بعدم التوازن أو عدم الاستقرار. وفي حالة الهزات الارتدادية الكثيرة، تخبرنا آذاننا الداخلية أننا نتحرك، في حين أن المعلومات التي يتلقاها الدماغ من العيون والأعضاء الحسية الأخرى تخبرنا أننا لا نتحرك، وهنا يرتبك الدماغ ونشعر بالدوار.
اقرأ أيضاً: تخلص منها: إليك كيف تتجمع السوائل خلف طبلة الأذن
بالإضافة إلى ذلك، فإن أحد التفسيرات المحتملة لمعاناة الناس من الدوار بعد حدوث الزلازل الكبيرة هو الإجهاد النفسي؛ إذ يتسبب القلق في حدوث اضطراب في التوازن، وذلك لأنه يؤثر على الشبكات العصبية الدهليزية عند المستويات العليا من القشرة المخية، وهو ما يجعل الناس يختبرون نمطاً مشابهاً للتأرجح والدوخة التي يعاني منها مرضى الاضطرابات العصبية المركزية، مثل متلازمة منيير (Meniere syndrome)، ودوار الوضعة الانتيابي الحميد (Benign paroxysmal positional vertigo) وغيرها.
وقد يكون الدوار بعد الزلزال ناتجاً عن السببين السابقين معاً، كما يمكن لذكرى الزلزال أن تثير الشعور بالتوتر والقلق وتسبب في حدوث الدوار، وقد يسهم بعض العوامل الأخرى في حدوث الدوار بعد الزلزال مثل الرهاب من الزلزال، والاضطرابات العاطفية كاضطراب ما بعد الصدمة، والتغيرات في الظروف المعيشية وغيرها.
اقرأ أيضاً: الصدمات الكهربائية قد تساعد في علاج اضطراب ما بعد الصدمة
علاج الدوار بعد الزلزال
قد يستمر الشعور بالدوار بعد الزلزال عدة أشهر، لكن يمكن التخفيف من هذا الشعور من خلال اتباع بعض النصائح مثل:
- تركيز النظر إلى شيء بعيد غير متحرك عند الإحساس بالدوار.
- الحصول على قسط كافٍ من النوم.
- الاستلقاء مع رفع القدمين قليلاً عن مستوى الرأس من أجل زيادة التروية الدموية إلى الدماغ.
- الإكثار من شرب السوائل الباردة أو الساخنة وتجنب المشروبات المنبهة التي تحتوي على الكافيين.
- ممارسة الرياضة بانتظام في الهواء الطلق، لأن احتمالية الشعور بالدوار تقل عندما يكون الشخص في الخارج، كما أن ممارسة الرياضة في الهواء الطلق تساعد في تخفيف القلق المرتبط بذكرى الزلزال.
- تجنب القلق الناجم عن قراءة التقارير الإخبارية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
- قد يُنصح في بعض الحالات الشديدة بتناول مضادات الهيستامين التي لا تستلزم وصفة طبية مثل حبوب دوار الحركة، مع ضرورة استشارة الطبيب المختص.
ختاماً، لا يمكن القول سوى إن الزلزال لا يهز القشرة الأرضية بعنف شديد فقط، بل يهز قلوبنا وعقولنا، ويحطم فينا أكثر مما يحطم حولنا. والزلزال وكما يؤثر على الحالة النفسية عند الناس، فهو قد يؤثر أيضاً على عمل الأذن الداخلية وجهاز التوازن. لذلك، في حال عانيت من أي مشكلة وشعرت بأنها خارج نطاق سيطرتك، فعليك طلب المساعدة من المختصين مباشرةً، وتذكر دائماً أن الجزء الأصعب قد مضى.