ما هي ذاكرة العضلات؟ وكيف يمكنك الاستفادة منها في الحفاظ على لياقتك البدنية؟

على عكس الأخطبوط، نحن البشر لا نملك أدمغة في أطرافنا، ولكن كيف تصبح التمارين الرياضية التي تقوم بها أذرعنا وسيقاننا أسهل مع مرور الوقت؟ هل يعني هذا "التعوّد" والتكيُّف؟

يتذكر الجسم كيف يقوم بذلك دون أي مجهود في التفكير، والمصطلح الذي نبحث عنه لتفسير ذلك هو "الذاكرة العضلية". وعندما يتم الحديث عن الذاكرة العضلية، سيبدو ذلك شبيهاً بذاكرة الدماغ، إلّا أن العلماء ممن بحثوا في هذا الخصوص أكدوا أن الذاكرة العضلية لها مُركّبان الأول عضلي والثاني عصبي.

الذاكرة الموجودة في الألياف العضلية

عند حمل الأثقال لأول مرة في حياتنا من المحتمل أن نشعر بالثقل والحرج، وسوف نحتاج إلى العمل لفترة معينة حتى نعتاد التمرين ولبدء بناء كتلة عضلية. ولكن إذا أخذنا استراحة من التمرين -لمدة شهر على سبيل المثال- وعدنا للتمرين بعدها، سيكون الأمر أسهل بكثير من البداية، بمعنى آخر من الأسهل استعادة العضلات المفقودة بدلاً من تضخيمها لأول مرة، ولكن ما تفسير ذلك؟

عند تمرين العضلات، تنمو الخلايا العضلية لتصبح أقوى كما تنمو خلايا عضلية جديدة، وبالشكل نفسه عند التوقف عن التمرين تتراجع هذه الخلايا، ولكن ليست بسرعة نموها نفسها، إذ يكون النمو أسرع من التراجع، وللذاكرة العضلية دورٌ في تفسير ذلك.

المؤشرات الرئيسية لنمو العضلات على المستوى الخلوي هي "النوى العضلية"، والتي توجد داخل ألياف العضلات. وعلى الرغم من صعوبة تتبع هذه العضيات الصغيرة، فإن عالم الأحياء من جامعة ماساتشوستس "لورانس شوارتز" نشر ورقة بحثية حول ذلك مفادها: "أن العضلات عبارة عن نسيج معقد يحتوي على العديد من أنواع الخلايا المختلفة، وإحدى المشكلات في هذا المجال هي كيفية تحديد النوى العضلية للدراسة على وجه التحديد". وأضاف: "ربما تكون التجارب السابقة قد خلطت بين موت الخلايا بشكلٍ عام وموت النوى العضلية ما دفع علماء الأحياء إلى الاعتقاد خطأً بأن النوى العضلية هي التي كانت تختفي".

ما دور النوى العضلية في الذاكرة العضلية؟

عند تتبع النوى العضلية للخلايا العضلية الآخذة بالاضمحلال، نجد أن النوى العضلية تتقلص دون أن تختفي بشكلٍ مطلق، الأمر الذي يفسّر كيف تحتفظ الألياف العضلية بانطباعٍ عن حجمها الذي كانت عليه من قبل، فالنوى العضلية تقوم ببعض عمليات التذكر على الأقل.

وهذا يعني أن العضلات التي نبنيها خلال سنوات شبابنا تساعدنا لاحقاً في الحياة. فحسب شوارتز، فإن ممارسة التمارين العضلية مبكراً تساعد وظيفياً الأفراد في الحفاظ على النوى العضلية التي يمكن الاعتماد عليها لاحقاً في الحياة لإبطاء آثار الشيخوخة.

الذاكرة العضلية بمركبها العصبي

لا شك أن ركوب الدراجة تمرين عضلي بالدرجة الأولى، وعندما نُتقن هذه الرياضة سنجد أنفسنا نقود الدراجة دون أي تفكير وكأن طرفينا السفليين يتحركان وحدهما. بمعنى آخر، قد يبدو الأمر لنا كما لو أن تلك الذاكرة مخزنة في عضلاتنا، حيث تتذكر كيفية القيام بعمل ما دون أن تدرك ذلك حقاً، إلّا أن الحقيقة هي أن هذا التذكر يحدث في "الدماغ".

فعلى الرغم من أن بعض المهارات مثل ركوب الدراجات أو إتقان إرسال كرة التنس يتطلب تمرين العضلات في البداية، فإن العمليات الأساسية لتعلم وتذكر المهارات الجديدة تحدث بشكلٍ رئيسي في الدماغ، وليس في العضلات. إذ تعمل أجزاء الدماغ المسؤولة عن الحركة -أي القشرة الحركية- على تطوير روابط أقوى بين الخلايا العصبية التي تعمل كممثل، ما يُعزز الاتصال بينها وهذا الاتصال هو الذي يجعل الذاكرة أفضل وأسهل للوصول إليها.

وبالشكل نفسه، يمتلك الأفراد الذين يعزفون على الآلات الوترية ذاكرة عضلية مخزنة في أيديهم وأصابعهم التي تضغط على أوتار معينة بأنماطٍ معينة لعزف نغمات معينة، قشرة حركية ذات مناطق تمثيلية كبيرة لأيديهم بشكل غير اعتيادي.

إذاً، الذاكرة العضلية حقيقة تساعد في الحفاظ على عضلاتنا لتبطئ اضمحلالها عند توقف النشاط البدني، كما تساعدنا على استعادة مهارات سابقة توقفنا عن ممارستها بسرعة أكبر، وكلما بدأنا بتمرين العضلات بسن أصغر خدمتنا الذاكرة العضلية مستقبلاً بشكلٍ أكبر، كما لا يمكن إهمال الدور الذي تؤديه الخلايا العصبية الموجودة داخل العضلات وداخل الدماغ، فالنشاط الذي نؤديه مراراً وتكراراً هو شيء لا تفعله العضلات بمفردها، وإنما يشاركها الدماغ.