نجح فريق جراحي في مستشفى الملك عبد الله التخصصي للأطفال في الرياض بالمملكة العربية السعودية في فصل التوأم الملتصق الفلبيني "أكيزا وعائشة" بعد عملية معقدة استغرقت 5 ساعات، تمكن خلالها الفريق من التغلب على تحدي مشاركة التوأم الكبد. شارك في العملية 25 متخصصاً طبياً بقيادة المستشار بالديوان الملكي والمشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ورئيس الفريق الطبي والجراحي في عمليات فصل التوائم الملتصقة، عبد الله بن عبد العزيز الربيعة.
ومن المقرر أن ينظّم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، مؤتمراً دولياً في مدينة الرياض يومي 24 و25 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بمناسبة مرور 30 عاماً على بدء البرنامج السعودي لفصل التوائم الملتصقة. سيشارك في المؤتمر عددٌ من الوزارات الحكومية منها وزارة الحرس الوطني، والدفاع، والخارجية، والصحة، والتعليم، والإعلام، إضافة إلى مشاركة عددٍ من الجهات ذات العلاقة بالمجال الطبي والإنساني، مثل المنظمات والهيئات الدولية الإنسانية والصحية، والجمعيات والمؤسسات، والمختصين والباحثين من مختلف دول العالم. وسيشهد المؤتمر حضوراً مميزاً لمجموعة من التوائم الذين سبق أن خضعوا لعمليات فصل، برفقة ذويهم من عدة دول.
اقرأ أيضاً: هل ظاهرة التوائم الحقيقية شائعة بين الحيوانات؟
تُعدّ التوائم الملتصقة ظاهرة نادرة، وفي هذا المقال سنتعرف إليها، ومسبباتها المحتملة، وأساليب التشخيص وطرق العلاج.
ما التوائم الملتصقة؟ وما أسباب حدوث الالتصاق؟
تُعرف التوائم الملتصقة (Conjoined twins) أيضاً بالتوائم السيامية (Siamese Twins)؛ نسبة إلى سيام، وهو الاسم القديم لتايلاند، حيث عاش التوأم إنج وتشانغ بنكر (Chang & Eng Bunker) خلال القرن التاسع عشر، وهاجرا إلى الولايات المتحدة واشتهرا هناك. وتحدث هذه الظاهرة عند ولادة طفلين متصلين جسدياً، غالباً عن طريق البطن أو الصدر أو الرأس، حيث يوجد نحو 15 نوعاً مختلفاً من التوائم الملتصقة، بناءً على مواضع التصاق أجسادها.
وتُعدّ التوائم الملتصقة جميعها متطابقة، فهي تنشأ من بويضة ومشيمة واحدة، لكن كشفت التحليلات الجينية الحديثة وجود اختلافات جينية بين التوائم الملتصقة، بما في ذلك الجينات المرتبطة بالنمو والتطور.
يُطمئن عبد الله بن عبد العزيز الربيعة في كتابه "تجربتي مع التوائم السيامية" الأمهات، ويدعوهن لعدم الخوف أو القلق عندما يحملن بتوأم؛ فنسبة التصاق التوائم نادرة جداً، حيث تُقدّر بنحو حالة واحدة لكل 200 ألف ولادة في الغرب، وحالة واحدة من كل 14 ألف ولادة في إفريقيا، ويُعدّ ثلثا هذه الحالات من الإناث. ويشير الربيعة إلى أن نحو 60% من التوائم الملتصقة يولدون ميتين، ويموت 40% من المتبقين خلال الأسابيع الأربعة الأولى بعد الولادة. وبصفة عامة، نسبة الذين يعيشون منهم لا تتجاوز الخُمس، أغلبهم من الإناث مثلما يؤكد الربيعة؛ فهن أكثر عرضة للبقاء على قيد الحياة بنحو ثلاثة أضعاف من الذكور.
ولا يُعرف السبب الدقيق لهذه الظاهرة، لكن توجد نظريتان محتملتان تفسّران حدوثها:
- الانشطار: ويحدث ذلك عندما لا تنقسم البويضة المخصبة بشكلٍ كامل في أثناء تكوين التوأم المُتماثل.
- الاندماج: حيث يندمج الجنينان المنفصلان بعد فترة قصيرة من حدوث الإخصاب.
ولا يوجد ما يفسّر سبب وقوع سلسلة الأحداث السابقة. لذلك، لا توجد طريقة حتى الآن لمنع التصاق التوائم.
التشخيص المبكر ضرورة لإدارة المضاعفات المحتملة
يمكن اكتشاف التوائم الملتصقة عادةً من خلال فحوصات الموجات فوق الصوتية الروتينية في وقتٍ مبكر بعد مضي 7 إلى 12 أسبوعاً من الحمل. في حالة وجود توأم ملتصق، تُجرى بعد ذلك فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لتوفير معلومات أكثر تفصيلاً عن نوع الاندماج والأعضاء المُشتركة، وكيفية اتصالها مع بعضها لتحديد ما إذا كانت أنظمة مثل الكبد والأمعاء والجهاز البولي. لكل توأم إمدادات دم خاصة به إن وُجدت، ما يمكّنه من العمل بطريقة مستقلة بعد فصله.
يساعد التشخيص المتخصصين في الرعاية الصحية على إدارة المضاعفات المحتملة في أثناء الحمل والولادة، ويقدّم معلومات قيمة حول إمكانية الفصل الجراحي في المستقبل، ويمكن أن يُحدد الحاجة إلى إنهاء الحمل في بعض الحالات. عادة، تُنجب التوائم الملتصقة مبكراً عن طريق العملية القيصرية غالباً، لكن مع الكشف المبكر يمكن إدارة الحمل لمنع الولادة المبكرة.
اقرأ أيضاً: باحثون يكتشفون الأسباب المحتملة للتسمم الحملي تمهيداً لتطوير علاج مناسب
فصل التوائم الملتصقة: رحلة معقدة مليئة بالتحديات
جدير بالذكر أن أول عملية جراحية ناجحة لفصل التوائم الملتصقة أُجريت عام 1689، وتُعدّ عملية فصل التوائم الملتصقة أمراً معقداً يتطلب تخطيطاً مكثّفاً من قِبل فريق من الجراحين ذوي الخبرة العالية.
وتُجرى هذه العمليات في عددٍ قليلٍ فقط من المراكز المتخصصة حول العالم، ومنها في المنطقة العربية مستشفيات في المملكة العربية السعودية، حيث أجرى جراح الديوان الملكي عبد الله بن عبد العزيز الربيعة، ما لا يقل عن 60 عملية. تستغرق هذه العمليات وقتاً طويلاً جداً قد يتجاوز 24 ساعة، فقد استغرقت أطول عملية فصل للتوائم الملتصقة كانت متصلة عند الجمجمة أكثر من 100 ساعة. وتُجرى الجراحة في البداية كعملية واحدة، لكنها تُصبح عمليتين منفصلتين مع تقدمها وفصل التوأمين.
على الجانب الآخر، تُثير عملية فصل التوائم المُلتصقة تساؤلات أخلاقية حول الضرر المحتمل، أو حتى التضحية بأحد التوأمين لإنقاذ حياة الآخر. وتُناقَش هذه المشكلة قبل أي تدخل جراحي محتمل بدقة بين الوالدين والفريق الطبي، وغالباً ما يشمل الأمر رجال الدين وأخصائيي الأخلاقيات الطبية.
ويُؤخذ في الاعتبار عدة عوامل قبل اتخاذ قرار إجراء جراحة الفصل، مثل:
- ما إذا كان التوأمان يتشاركان في الأعضاء الحيوية، مثل القلب.
- ما إذا كان التوأمان أصحاء بما يكفي لتحمل جراحة الفصل.
- احتمالات نجاح الفصل.
- نوع ومدى الجراحة الترميمية اللازمة لكل توأم بعد الفصل.
- نوع ومدى الدعم الوظيفي المطلوب بعد الفصل.
وبصفة عامة، يُفضّل العديد من مقدمي الرعاية الصحية إجراء الفصل الجراحي عندما يبلغ عمر التوائم من 9 إلى 12 شهراً، لإتاحة الوقت للتخطيط والتحضير، وإعطاء فرصة للتوائم كي يصبحوا أكثر قوة لتحمل العملية. وفي بعض الحالات، يُجرى الفصل الجراحي على الفور في حالة وفاة أحد التوأمين، أو تطور حالة مرضية تهدد حياة أحدهما.
وتعتمد معدلات البقاء على قيد الحياة وجودة حياة التوائم الملتصقة بصفة كبيرة على موقع الالتصاق بينهما، فنسب نجاح عمليات فصل التوائم الملتصقة عند منطقة البطن تبلغ 82%، والأرداف 68%، والحوض في مواجهة بعضهما بعضاً 63%، بينما تبلغ نسب نجاح عمليات فصل الحالات الملتصقة عند منطقة الصدر أو الجمجمة أو الحوض جنباً إلى جنب أو من أعلى الرأس إلى السرة ضعيفة، في حين لا يمكن فصل التوائم الملتصقة عن طريق العمود الفقري.
اقرأ أيضاً: هل من الطبيعي أن يتأخر سماع نبض الجنين للشهر الثالث من الحمل؟
التحديات في حالة عدم إجراء الجراحة
تستطيع التوائم الملتصقة التي لا يمكن فصلها أن تعيش حياة جيدة مع المراقبة الدقيقة، وفي هذا الصدد، يُعدّ لوري وجورج شابيل (Lori & George Schappell)، أكبر توأمين ملتصقين في العالم، فقد توفيا مؤخراً عن عمر يناهز 62 عاماً. كان التوأمان، اللذان كانا ملتصقين عند الجمجمة ويتقاسمان 30% من الدماغ، قد تحدّيا التوقعات التي كانت تُشير إلى أنهما لن يعيشا بعد سن الثلاثين. لكنهما عاشا حياة طويلة وناجحة وأصبحا رمزاً للصمود والإصرار.
ويمكن لفريق الرعاية الصحية أن يساعد على تلبية احتياجات الرعاية الطبية للتوائم، مثل التغذية والسوائل وتخفيف الألم، إن لم تكن جراحة الفصل ممكنة، أو إذا قررت العائلة عدم إجراء الجراحة.