ملخص: صاغ العلماء نظرية النقطة المحددة لتوضيح سبب ثبات وزن الجسم عند نقطة محددة، بغض النظر عما يأكله الفرد ومدى ممارسته التمارين الرياضية. وفقاً لأنصار هذه النظرية يحافظ الجسم على وزنه الثابت من خلال عدة آليات، وهي أولاً، التغييرات الهرمونية، إذ عندما يفقد الشخص وزنه، يزيد الجسم من مستويات هرمون الجوع، ويقلل إفراز هرمون قمع الشهية. ثانياً، التغيرات الديناميكية التكيفية، حيث يقل إنفاقه من الطاقة عندما يقيد الفرد مدخوله الغذائي، ويحرق الجسم سعرات حرارية أقل. ثالثاً، العوامل الوراثية، فالأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي من السمنة هم أكثر عرضة لامتلاك نقطة ضبط أعلى. رابعاً، العوامل البيئية، بما في ذلك النظام الغذائي والنشاط البدني ومستويات التوتر، حيث يمكن أن تسهم أنماط الحياة غير المستقرة والتوتر المزمن في زيادة الوزن وتجعل من الصعب الحفاظ على وزن صحي.
للتغلب على التكيف الذي يجبرك على الاحتفاظ بالوزن الزائد، يمكنك اتباع نظام غذائي متوازن في محتواه من العناصر الغذائية، واختيار التمارين الرياضية التي تحافظ على كتلة العضلات وتزيدها، والنوم نحو 8 ساعات.
أنت تفعل ذلك! تقلل من السعرات الحرارية، وتذهب إلى صالة الألعاب الرياضية، ومع ذلك، يبدو أن الميزان عالق. أو الأسوأ من ذلك، أن وزنك يعود إلى الارتفاع على الرغم من بذل قصارى جهدك. إنها تجربة شائعة ومحبطة، لكنك لست وحدك، وليس خطأك. في الواقع إن جسمك هو الذي يعيدك إلى وزنك القديم، هذا ما يعتقده مؤيدو نظرية نقطة الضبط المحددة. تشير هذه النظرية إلى أن الجسم مبرمج للحفاظ على نطاق وزن معين، الأمر الذي يجعل من الصعب فقدان الوزن والمحافظة عليه. تتحدى هذه النظرية الحكمة التقليدية حول اتباع نظام غذائي وإدارة الوزن، فما هو التفسير العلمي لها؟ وما الذي يمكنك فعله حيال ذلك؟
اقرأ أيضاً: نصائح لتحديد الرياضة المثالية المناسبة لجسمك وسنك وصحتك
نظرية نقطة الضبط المحددة
نظرية نقطة الضبط المحددة هي إحدى النظريات التي صاغها الباحثون لتفسير سبب ثبات وزن الجسم عند نقطة محددة، حيث تشير إلى أن للجسم وزناً محدداً أو "نقطة ضبط" يعود إليها بغض النظر عما يأكله ومدى ممارسة التمارين الرياضية.
في دراسة أجراها باحثون في سبعينيات القرن الماضي، ونشرتها مجلة علم النفس المقارن والفيزيولوجي (Journal of Comparative and Physiological Psychology)، اكتشف الباحثون أن الفئران التي أفرطت في تناول طعام غني بالدهون والسكر اكتسبت وزناً، لكنها عادت إلى أوزانها الأصلية بمجرد عودتها إلى نظامها الغذائي المعتاد. كذلك، لدى اتباع الفئران نظاماً غذائياً منخفض السعرات الحرارية فقدت الوزن، لكنها عادت إلى أوزانها الأصلية بمجرد عودتها إلى نظامها الغذائي القياسي.
انطلاقاً من هذه النتائج توصل الباحثون إلى نظرية نقطة الضبط المحددة لتفسير سبب صعوبة فقدان الوزن لدى معظم الأشخاص، ولماذا يستعيد 80% من الأشخاص الوزن المفقود خلال 2-5 سنوات.
وفقاً لهذه النظرية، طوّر الجسم دفاعات تمنعه من فقدان الوزن حفاظاً على وزن محدد له، أي أن لكل شخص كتلة دهون أو نطاق وزن محدداً مسبقاً. فكيف ذلك؟
الآليات الفيزيولوجية التي يحافظ بها الجسم على وزن ثابت
وفقاً لأنصار نظرية نقطة الضبط المحددة، يمكن للجسم الحفاظ على وزنه الثابت من خلال عدة آليات، وهي:
تغيرات عصبية هرمونية
تتفاعل أجزاء الدماغ التي تتحكم في التغذية مع الهرمونات التي تنظّم الشعور بالامتلاء أو الشبع؛ إذ عندما يفقد الشخص وزنه، يزيد الجسم من مستويات هرمون الغريلين، وهو الهرمون الذي يعزز الشهية، ويجعلك تشعر بالجوع، ويقلل إفراز هرمون اللبتين الذي يقمع الشهية، ويجعلك تشعر بالشبع وتتوقف عن تناول المزيد من الطعام. بعبارة أخرى، أنت لا تفتقر لقوة الإرادة، وإنما التغيرات الهرمونية هي ما تصعّب عليك مهمة الالتزام بالنظام الغذائي.
الديناميكا الحرارية التكيفية
عندما يقلّل الفرد مدخوله من السعرات الحرارية، فإن جسمه يُجري بتغييرات تكيفية تقلل من إنفاق الطاقة في أثناء الراحة؛ حيث تتباطأ عملية التمثيل الغذائي، ويحرق الجسم سعرات حرارية أقل، حتى لو لم يتغير مستوى النشاط. والنتيجة هي أن الطعام الذي يتناوله لا يحترق بالسرعة نفسها، وقد يفقد الوزن على المدى القصير، ولكن من المرجح أن يعاود الجسم اكتساب الوزن مرة أخرى. والأمر الأكثر خطورة هو أنه لدى الحد من السعرات الحرارية، قد يفقد الجسم بعض كتلته العضلية، وهو ما يؤدي إلى نتائج عكسية، فالعضلات تحرق السعرات الحرارية بشكلٍ أسرع من الدهون.
العوامل الوراثية
بيّنت الدراسة المنشورة في مجلة نماذج وآليات المرض (Disease Models & Mechanisms)، أن الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي من السمنة هم أكثر عرضة لامتلاك نقطة ضبط أعلى؛ حيث تؤثّر الاختلافات الوراثية في كيفية تخزين الجسم للدهون وحرقها، وكذلك كيفية استجابته لإشارات الجوع والشبع.
العوامل البيئية
يمكن للعوامل البيئية، بما في ذلك النظام الغذائي والنشاط البدني ومستويات التوتر، أن تؤثّر في نقطة الضبط؛ فالنظام الغذائي الغني بالأطعمة المصنّعة والسكر والدهون غير الصحية يؤدي إلى تعطيل آليات تنظيم الوزن الطبيعية في الجسم، كما يمكن أن تسهم أنماط الحياة غير المستقرة والتوتر المزمن في زيادة الوزن وتجعل من الصعب الحفاظ على وزن صحي.
اقرأ أيضاً: 6 خرافات في التغذية عليك ألّا تصدقها
تغيير نقطة الضبط المحددة للوصول إلى وزن صحي
للتغلب على التكيف الذي يجبرك على الاحتفاظ بالوزن الزائد، عليك أن تعلم أن ممارسة التمارين الرياضية واتباع نظام غذائي صحي ومتوازن ما زالا جزءاً من الخطة وإن لم يكونا كافيين، لكن إدارة الوزن وتغيير نقطة الضبط عملية معقدة وتحتاج إلى التزام وانضباط. عامة، يمكنك اتباع نصائح مختص الغدد الصماء والسمنة، الطبيب مارسيو غريبلر (Marcio Griebeler) التالية:
النظام الغذائي
اتبع نظاماً غذائياً متوازناً في محتواه من العناصر الغذائية، مثل البروتينات الخالية من الدهون، والألياف كما في الفواكه والخضروات، ويُعدّ النظام الغذائي المتوسطي خياراً مثالياً. ومع ذلك، ينبغي أن يكون تقييد السعرات الحرارية أو الحد منها تدريجياً، وليس مفرطاً، لأنك إذا قيدت مدخولك من السعرات الحرارية بشكل مفرط، سيعتقد جسمك أنك في خطر مجاعة، فتنشط استجابة الكر والفر، ويرسل الجسم هرمونات الجوع لمحاربة المجاعة.
التمارين الرياضية
للاستفادة من التمارين الرياضية في تغيير الوزن بالإضافة إلى تغيير نقطة الضبط المحددة، ينبغي اختيار التمارين الرياضية التي تحافظ على كتلة العضلات وتزيدها، إذ إن المزيد من الكتلة العضلية يغيّر معدل الاستقلاب في الجسم، لأن العضلات تحرق السعرات الحرارية أسرع من الدهون، الأمر الذي يساعد على خفض نقطة الضبط المحددة، والتغلب على ثبات الوزن. على سبيل المثال، يمكن ممارسة تمارين البيلاتس ورفع الأثقال وتدريب الكيتلبل.
لا بُدّ من التنويه بأن ثبات مؤشر كتلة الجسم (BMI) أو حتى ارتفاعه قليلاً، وهو مقياس للسمنة يأخذ في الاعتبار الطول والوزن مؤشراً على ما إذا كان وزن الجسم مدعاة لخطر المضاعفات الصحية، لا يعني بالضرورة أنك معرّض لخطر السمنة، إذ إن خسارة الدهون تترافق مع اكتساب الكتلة العضلية، أي أن زيادة الوزن هي انعكاس لاكتساب العضلات، وهو أسلوب أكثر صحة وقوة من خسارة الوزن لوحده.
النوم
يُعدّ النوم ضرورياً لتنظيم مستويات الهرمونات في الجسم، حيث يؤدي عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم إلى زيادة إفراز هرمونات الجوع وتراجع مستويات هرمونات الشبع. ووفقاً لدراسة نشرتها دورية نيتشر (Nature)، تسببت قلة النوم في زيادة السمنة بنسبة 38% لدى البالغين.
بالإضافة إلى ذلك، أفادت دراسة نشرتها دورية علوم النوم (Sleep Science) بأن تأخير موعد النوم يسبب ارتفاع مستويات هرمون التوتر الكورتيزول في منتصف اليوم، وليس في الصباح فقط، ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة كمية الإنسولين في الدم ويعزز تراكم دهون البطن.
لذا ينبغي الحفاظ على ما لا يقل عن 8 ساعات من النوم الليلي للتحكم في مستويات الهرمونات وإعادة ضبط نقطة الضبط المحددة.
اقرأ أيضاً: طرق بسيطة لتنظيم مواعيد النوم دون إلحاق الضرر بالجسم
إدارة الإجهاد والتوتر
بأسلوب مماثل لتأثير الحرمان من النوم، يؤدي العيش في مستوى عالٍ من التوتر إلى تغييرات هرمونية تؤثّر سلباً في الوزن.
يزيد الإجهاد المزمن من إنتاج الكورتيزول، وهو هرمون يمكن أن يؤثّر في الشهية وتفضيلات العام، حيث يزيد الرغبة الشديدة في تناول الأطعمة العالية السعرات الحرارية والدهون والسكريات، الأمر الذي يرفع مستويات الإنسولين، ما يعزز تخزين الدهون، وخاصة حول البطن. أفادت مراجعة نشرتها المجلة الدولية للطب الوقائي (International Journal of Preventive Medicine)، بأن الارتفاع المستمر في مستويات الكورتيزول نتيجة الإجهاد المزمن يزيد مستويات الغلوكوز في الدم بشكلٍ مستمر، ما قد يؤدي إلى مقاومة الإنسولين، حيث لا تستجيب خلايا الجسم لهرمون الإنسولين المنظم لسكر الدم، فتزداد مستويات الدهون في البطن، كما وضحت المراجعة أن الإجهاد المزمن يسبب زيادة الوزن عن طريق زيادة مستويات الهرمونات والمواد الكيميائية التي تشارك في الشعور بالجوع، مثل اللبتين والغريلين.
يمكن إدارة مستويات التوتر من خلال تقنيات مثل التأمل والتنفس العميق واليوغا، وهو ما يؤدي بدوره إلى خفض نقطة الضبط المحددة.
أدوية مكافحة السمنة
يوضّح الطبيب غريبلر، أن أدوية مكافحة السمنة التي تقلل الشعور بالجوع والشهية، تساعد إلى جانب أسلوب الحياة الصحي الذي يتضمن نظاماً غذائياً متوازناً وممارسة الرياضة والنوم وإدارة التوتر.