ماذا نعرف عن إعصار ميلتون الذي تسبب بكوارث مادية وبشرية؟

6 دقيقة
ماذا نعرف عن إعصار ميلتون الذي تسبب بكوارث مادية وبشرية؟
حقوق الصورة: ويكيميديا كومنز

ملخص: في مساء يوم 9 أكتوبر 2024، ضرب إعصار ميلتون، الذي صُنّف من الفئة الثالثة، اليابسة بالقرب من سيستا كي بولاية فلوريدا، وعلى مدار الساعات الثماني التالية، أطلق ميلتون العنان لهطول أمطار غزيرة وفيضانات شديدة وأكثر من سبعة أعاصير ورياح شديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص على الأقل وترك نحو ثلاثة ملايين شخص بدون كهرباء، وتسبب في دمار واسع. بدأ الإعصار كموجة استوائية قبالة سواحل إفريقيا، ثم اشتد إلى إعصار من الفئة الخامسة مع رياح بلغت سرعتها 298 كيلومتراً في الساعة قبل أن تضعف قليلاً مع اقترابها من الأرض، واعتبر واحداً من تسعة أعاصير أخرى في المحيط الأطلسي فقط وصلت إلى تلك السرعة أو أعلى. تتكون الأعاصير عادة في مياه المحيطات الدافئة، وتستمد طاقتها من درجة حرارة المياه والرطوبة الجوية فوق المياه، ويحفز تأثير كوريوليس شكله القُمعي. وفي دراسة حديثة، تبين أن تزايد وتيرة الأعاصير الشديدة في العقود الأخيرة يعود إلى التغيرات المناخية. عموماً، تضعف الأعاصير وتفقد طاقتها عند وصولها إلى اليابسة، مثلما حدث في إعصار ميلتون.

مساء الأربعاء في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2024، ضرب إعصار ميلتون الذي صُنّف من الفئة الثالثة ساحل ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة، ووصل إلى اليابسة بالقرب من جزيرة سيستا كي. وعلى مدار الساعات الثماني التالية، أطلق ميلتون العنان لأمطار غزيرة وفيضانات وأكثر من 7 أعاصير وعواصف عاتية ورياح شديدة قبل أن يضعف إلى إعصار من الفئة الأولى. تسبب الإعصار فيما لا يقل عن 6 وفيات، وخلّف وراءه نحو 3 ملايين فرد دون كهرباء، وطرق غير سالكة، وجسور مدمرة، وفيضانات جارفة.

أُعلنت حالة الطوارئ في الولاية. وصدرت أوامر بالإخلاء، وسرعان ما بدأت حركة النزوح، وتزايدت وتيرة عمليات الإنقاذ لمساعدة المحاصرين بسبب ارتفاع منسوب المياه، بينما أطلقت قناة سي إن إن تحذرياً "اكتبوا الاسم واللقب وفصيلة الدم على ذراعي أطفالكم وذراعيكم بقلم لا تمحى كتابته. هذه العاصفة قاتلة".

صُنف ملتون باعتباره أحد أعتى الأعاصير التي ضربت المنطقة، فما سببه؟ وهل للتغيرات المناخية دور به؟ 

اقرأ أيضاً: بعد الأمطار الغزيرة في دبي: تعرّف إلى طرق قياس كميات الأمطار المتساقطة

مسار إعصار ميلتون 

بعد أن بدأ كموجة استوائية قبالة سواحل إفريقيا الشرقية في أوائل أكتوبر 2024، عبر مياه المحيط الأطلسي الدافئة باتجاه سواحل الولايات المتحدة، وتحوّل خلال بضعة أيام إلى عاصفة استوائية، أُطلق عليه ميلتون (Milton). ومع توفر الظروف الجوية الملائمة من درجة حرارة ورطوبة جوية، تصاعدت حدة ميلتون في الثامن من أكتوبر ليتحول إلى إعصار من الدرجة الخامسة بسرعة رياح وصلت إلى 298 كيلومتراً في الساعة، وهي أقصى درجات الأعاصير شدة لما تسبب من دمار هائل؛ ما جعله واحداً من تسعة أعاصير أخرى في المحيط الأطلسي فقط وصلت إلى تلك السرعة أو أعلى. وانخفض ضغطه إلى 0.885 وحدة ضغط جوي، وهو أدنى ضغط جوي يسجّله أيّ إعصار في المحيط الأطلسي منذ إعصار ويلما في عام 2005. 

مع اقترابه من سواحل فلوريدا، ضعُفت شدة إعصار ميلتون قليلاً، لكنه ظلّ عاصفة قوية من الفئة الرابعة مع رياح بلغت سرعتها 233 كيلومتراً في الساعة، ثم انخفض إلى عاصفة من الدرجة الثالثة لدى وصوله إلى اليابسة بالقرب من سيستا كي بولاية فلوريدا في 9 أكتوبر، حيث فقد طاقته بعد ارتطامه باليابسة وتحول إلى إعصار من الفئة الأولى بعدما خلفه من دمار وتخريب. 

كيف تتشكل الأعاصير؟

الأعاصير هي نظام منظم من السحب والعواصف الرعدية، تحدث في منطقتين مختلفتين، الأولى بين خطي عرض 4 درجات و22 درجة جنوب الكرة الأرضية، والثانية بين خطي العرض 4 درجات و35 درجة شمالاً، بينما تختفي تماماً في المنطقة الاستوائية بين 4 درجات جنوباً و 4 درجات شمالاً، إلّا أن أكثر من ثلثي الأعاصير المدارية المسجلة رُصدت في النصف الشمالي للكرة الأرضية.

تحدث معظم الأعاصير المدارية في نصف الكرة الشمالي بين شهري مايو/أيار ونوفمبر/تشرين الثاني، بينما في النصف الجنوبي تكون بين شهري ديسمبر/كانون الأول وأبريل/نيسان، أي في الصيف لكل نصف كرة.

تتراوح مدة الإعصار من عدة ساعات إلى أسبوعين، أما متوسط المدة فهي 6 أيام. يعتمد فيها على الهواء الدافئ والرطب كوقودٍ له كي يتشكل وينمو، ويتحرك، لذا تتشكل الأعاصير في مياه المحيطات الدافئة قرب خط الاستواء، التي تتسبب في تسخين الهواء الرطب الملامس لسطحها.

عموماً، تتشكل الأعاصير من خلال مزيج من الظروف الجوية والمحيطية كما يلي:

  • الحرارة: تبدأ الأعاصير فوق مياه المحيط الدافئة، وعادة ما تكون درجة حرارتها 26.5 درجة مئوية على الأقل، من السطح وحتى عمق 60 متر.
  • رطوبة الهواء فوق المحيط: مع تبخر الماء الدافئ، فإنه يخلق هواءً رطباً، ويرتفع إلى الغلاف الجوي.
  • تأثير كوريوليس (Coriolis Effect): مع ارتفاع الهواء الدافئ، يتسبب دوران الأرض في تفعيل تأثير كوريوليس؛ حيث تنحرف الريح إلى اليمين في نصف الكرة الشمالي، ما يتسبب في دوران النظام عكس اتجاه عقارب الساعة. تساعد حركة الدوران هذه في تنظيم النظام في هيكل إعصاري، مع مركز ضغط منخفض مميز يُعرف باسم "عين الإعصار". يضمن تأثير كوريوليس أن تدور الرياح حول هذا المركز بدلاً من التحرك مباشرة إلى الداخل، ما يخلق تأثيراً إعصارياً، ويمنح الإعصار شكله الحلزوني المميز للعاصفة.
  • الضغط المنخفض: مع ارتفاع الهواء الدافئ الرطب، فإنه يخلق منطقة ضغط منخفض أسفله، فيندفع الهواء البارد ليحل محله، ويسخن هذا الهواء الجديد أيضاً ويرتفع، ويستمر في الدورة.
  • تطور السحب العاصفة: يبرد الهواء الدافئ الصاعد ويتكثف في شكل سحب، فيطلق حرارة، ما يجذب المزيد من الهواء والرطوبة ويزيد من سرعة الرياح، ويزيد قوة العاصفة.

اقرأ أيضاً: طرق بسيطة للحصول على توقعات الطقس باستخدام نظام كار بلاي من آبل

ماذا تعني تصنيفات الأعاصير من الدرجة الأولى وحتى الخامسة؟ 

تصنف الأعاصير وفق مقياس سافير-سيمبسون لرياح الأعاصير، وهو تصنيف من واحد إلى خمسة، ويعتمد على سرعة الرياح المستمرة للإعصار، ما يساعد في تقدير الأضرار واتخاذ الاحتياطات اللازمة.

إذا تجاوزت فئة الإعصار الثالثة، اعتُبر مدمراً.

  • الفئة الأولى: تكون سرعة الرياح 119- 153 كم/سا. يسبب أضراراً لنوافذ المنازل وخطوط المياه والكهرباء، وقد يؤدي إلى تكسر فروع الأشجار الطويلة.
  • الفئة الثانية: تكون سرعة الرياح فيها بين 154- 177 كم/سا. قد تصمد فيه سقوف المنازل المتينة، وقد يقتلع الأشجار ذات الجذور غير العميقة.
  • الفئة الثالثة: تكون سرعة الرياح فيها بين 178- 209 كم/سا. قد تُقتلع فيه الأشجار ويلحق الدمار بالبنى التحتية الأساسية كالماء والكهرباء لعدة أيام.
  • الفئة الرابعة: تكون سرعة الرياح فيها بين 210- 249 كم/سا. سيلحق الضرر بالمنازل غالباً، ويقتلع الأشجار، ولن تتاح العديد من الخدمات لعدة أسابيع، كما لن تصلح المنطقة للسكن لأسابيع.
  • الفئة الخامسة: تتجاوز سرعة الرياح فيها 249 كم/سا. سيؤدي إلى دمار كبير للمنازل، واقتلاع الأشجار وضرر في البنية التحتية الأساسية. يُنصح فيه السكان بالإخلاء لقدرته التدميرية الشديدة. ستكون المنطقة غير صالحة للسكن لأسابيع وأشهر حتى.

دور التغيرات المناخية: الأعاصير المدمرة إلى تزايد

منذ سبعينيات القرن الماضي، وإلى يومنا هذا، تضاعف معدل الأعاصير الشديدة من الفئتين الرابعة والخامسة؛ وفقاً لمقياس سيفر-سيمبثون للأعاصير؛ حيث تشير الدراسة المنشورة في دورية علوم الأرض البيئية (Environmental Earth Sciences)، إلى أن الزيادة تبلغ 8% لكل عقد. كما أشارت الدراسة إلى زيادة مؤشر الطاقة المتراكمة للأعاصير (ACE)، الذي يقيس القوة الإجمالية ومدة الأعاصير على مدار موسم واحد، بنسبة 60% تقريباً منذ ثمانينيات القرن العشرين، أي أن الأعاصير لم تصبح أكثر تكراراً فحسب، بل أصبحت أيضاً أكثر شدة وتستمر لفترة أطول.

يرتبط هذا التزايد في وتيرة وشدة الأعاصير من الفئة الرابعة والخامسة ارتباطاً وثيقاً بارتفاع درجات حرارة سطح البحر العالمية، حيث تستمد الأعاصير طاقتها من مياه المحيط الدافئة، ومع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ترتفع درجات حرارة سطوح البحار، ما يوفر المزيد من الطاقة لتكوين الأعاصير وتكثيفها.

كيف ينتهي الإعصار؟

تضعف الأعاصير عادةً عندما تصطدم بالأرض، إذ تتبدد طاقة الإعصار عن طريق الاحتكاك السطحي، وانقطاع الطاقة المستمدة من مياه المحيط الدافئة، وبالتالي تَضعف سرعة الرياح، أو قد تنخفض تيارات الرطوبة التي تغذي الإعصار حين تحركه فوق مياه باردة نسبياً في المحيط، وبالتالي تضعف قوة الإعصار، كما حدث في إعصار ميلتون. كذلك يمكن للإعصار استعادة قوته مجدداً عندما يمر فوق مياه دافئة، كما حدث في إعصار كاترينا، وهو إعصار كارثي مر عبر خليج المكسيك عام 2005.

اقرأ أيضاً: إعصار نادر الحدوث يضرب منطقة حائل بالسعودية

ماذا تفعل إذا كنت في منطقة تواجه إعصاراً؟

تقدم المراكز الأميركية للتحكم بالأمراض والوقاية منها التوصيات التالية للبقاء آمناً أثناء الإعصار وبعده:

  • قم بإعداد خطة ومجموعة أدوات للطوارئ، وابقَ على اطلاع بظروف الطقس أثناء الإعصار، واعرف أفضل الأماكن للإيواء في الداخل والخارج، واحم رأسك دائماً.
  • استعد، وابقَ على اطلاع بما تنقله وسائل الإعلام بشأن آخر المعلومات عن الطقس والطوارئ.
  • جهز خطة طوارئ بما في ذلك الوصول إلى ملجأ آمن لنفسك ولأسرتك.
  • حاول توفير الماء والأغذية والأدوية.
  • حضر قائمة بالمعلومات المهمة، بما في ذلك أرقام الهواتف والطوارئ.
  • تأكد من معلومات أطفالك عن الإعصار، وساعات الإعصار والتحذيرات.
  • ابقَ في الطابق السفلي أو غرفة داخلية من دون نوافذ في الطابق السفلي (الحمام، الخزانة، المدخل المركزي)، وتجنب الاحتماء بغرفة بها نوافذ قدر الإمكان.
  • احصل على شيء متين (طاولة ثقيلة أو مكتب عمل). غط جسمك ببطانية أو مرتبة، احم رأسك جيداً. ولا تبقَ قريباً من جسم ثقيل قد يسقط.
  • لا تبقَ في منزل متنقل، بل ادخل أقرب مبنى.
  • إذا كنت في الخارج أو في منزل متنقل، فابحث عن مبنى قريب، ويفضل أن يكون به قبو. إذا كنت في سيارة، فلا تحاول تجاوز الإعصار ولكن بدلاً من ذلك ابحث عن أقرب مبنى.

 

المحتوى محمي