ملخص: الفطريات كائنات حية مذهلة تُظهر قدرات على اتخاذ القرارات والتواصل رغم عدم امتلاكها أدمغة. أجرى باحثون من اليابان دراسة على فطر "فانوروتشيت فيلوتينا" لاختبار قدرته على التعرف على الترتيبات المكانية لقطع الخشب وتغيير سلوكه لتحقيق أقصى استفادة. أظهرت النتائج أن الفطريات تنمو بشكل موجّه، حيث تشكل شبكات مترابطة تنقل المعلومات البيئية. في التجربة، نمت الفطريات بطرق مختلفة حسب ترتيب الخشب، ما يشير إلى قدرتها على اتخاذ قرارات إدراكية. يعتقد الباحثون أن هذه القدرات قد تسهم في فهم أعمق للوعي وتطوير أجهزة كمبيوتر حيوية متقدمة.
الفطريات هي أشكال حياة مذهلة تتحدى المفاهيم التقليدية للذكاء في الكائنات الحية، فعلى الرغم من أنها لا تمتلك الأدمغة، فإنها تُظهر علامات تدل على أنها قادرة على اتخاذ القرارات والتواصل. لكن ما هو مدى تعقيد هذه الكائنات الحية؟ وماذا يمكننا أن نتعلم منها عن الأنواع الأخرى من الإدراك؟
تعقيد الفطريات وقدرتها على الإدراك
أجرى باحثون من جامعة توهوكو اليابانية وكلية ناغاوكا اختباراً بسيطاً للبدء بالتحقيق في هذه الألغاز، وراقبوا فيه قدرة فطر فانوروتشيت فيلوتينا (Phanerochaete velutina) الذي يشكّل الخيوط على اتخاذ القرارات. وفقاً للدراسة التي أجراها الفريق ونشرتها مجلة علم بيئة الفطريات (Fungal Ecology)، تشير النتائج إلى أن الفطريات تستطيع "التعرف" على الترتيبات المكانية المختلفة لقطع الخشب وتغيير سلوكها وفقاً لذلك لتحقيق أقصى استفادة من الوسط الذي تعيش فيه.
اقرأ أيضاً: ما هو سبب ظهور الفطريات على الرأس؟ وكيف تفرّق بينها وبين القشرة؟
على الرغم من أن العديدين لا يميّزون الفطريات إلّا من خلال أجزائها العلوية التي تبرز فوق الأرض، فإن هذه الأجزاء ليست سوى الأجزاء الخارجية لشبكة واسعة من الخيوط تحت الأرضية التي تحمل اسم "المشيجة الفطرية". تتمتّع هذه الشبكات المترابطة بالقدرة على نقل المعلومات البيئية عبر نظام كامل يمكن أن يمتد كيلومترات عديدة. لكن المشيجة الفطرية لا تمتد في نموها في الاتجاهات جميعها عشوائياً بالضرورة؛ إذ يبدو أن عملية النمو تكون مدروسة.
نمو موجَّه للفطريات
حاول الباحثون إثبات هذه القدرة لدى الفطريات من خلال إعداد وسطين ترابيين مربعي الشكل يبلغ عرض كلٍ منهما 24 سنتيمتراً وكتلٍ خشبية متحللة غمروها في محلول يحتوي على أبواغ فطر فانوروتشيت فيلوتينا مدة 42 يوماً. بعد ذلك، رتّب الباحثون الكتل داخل الوسطين إمّا على شكل دائرة وإمّا على شكل صليب، ثم تركوا الفطريات تنمو مدة 116 يوماً. إذا كانت عملية نمو هذه الفطريات عشوائية، فسيشير ذلك إلى أنها تفتقر إلى القدرة على إجراء عملية اتخاذ القرار الإدراكي الأساسي، ولكن هذا ليس ما حدث في التجربة الجديدة.
نمت الأمشاج الفطرية أولاً تجاه الخارج حول كل قطعة خشبية على مدى 13 يوماً دون أن ترتبط ببعضها. لكن بعد نحو شهر من الزمن، شكّلت الفطور في تشكيلتي الدائرة والصليب شبكات متحابكة للغاية امتدت بين كل عينة خشبية وأخرى. حدث أمر مذهل بحلول اليوم الـ 116، إذ نظّمت كل شبكة فطرية نفسها في مسارات أوضح بكثير يبدو تشكّلها موجهاً للغاية. شكّل فطر فانوروتشيت فيلوتينا اتصالات متجانسة نمت تجاه الخارج، ولم تنمُ تجاه داخل الحلقة إلّا قليلاً. في الوقت نفسه، نما الفطر في تشكيلة الصليب مبتعداً عن المواقع الخارجية الأربعة بمقدار كبير للغاية.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يسبب بعض أنواع الفطريات جائحة في المستقبل؟
افترض الباحثون أن الشبكة المشيجية الفطرية في التشكيلة الدائرية "حدّدت" أنه لا فائدة تذكر من إنفاق الطاقة الزائدة للنمو في منطقة تشغلها بالفعل. أمّا في تشكيلة الصليب، يعتقد الفريق أن مناطق النمو في المواقع الخارجية الأربعة كانت بمثابة "مواقع متقدمة" تؤدي وظيفة البحث عن الطعام. يشير نمطا النمو في التشكيلتين إلى أرجحية أن هذه الشبكات من الكائنات الحية التي تفتقر إلى الدماغ تتواصل من خلال شبكات المشيجة الفطرية لتنمو وفقاً للظروف البيئية.
قال الباحث في جامعة توهوكو والمؤلف المشارك للدراسة، يو فوكاساوا، في إعلان مصاحب صدر بتاريخ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2024: "قدرات الفطريات ستفاجئك؛ إذ إنها تمتلك الذكريات، وهي تتعلم وتتمتّع بالقدرة على اتخاذ القرارات. بصراحة، الفروق بين الطرق التي تتبعها الفطريات لحل المشكلات والطرق التي يتبعها البشر مذهلة".
على الرغم من أن العلماء يجهلون الكثير عن هذه الكائنات الحية التي لا يعيرونها الكثير من الاهتمام غالباً، يعتقد الباحثون أن الاستمرار في إجراء التجارب والتحليلات قد يسهم في التوصل إلى فهم أعمق للتاريخ التطوري الأوسع للوعي، وحتى في وضع أسس لتطوير أجهزة الكمبيوتر الحيوية المتقدمة.