ملخص: وحوش جيلا هي نوع غريب من السحالي من الناحيتين الجسمية والكيميائية، وهي نوع من نوعين وحيدين من السحالي يستطيعان تركيب السموم الحيوانية. يحتوي لعاب هذه السحالي على مادة تبدو واعدة في كشف الأورام الجزيرية الصعبة الكشف التي تتشكل في البنكرياس، وتتمتع بقدرة كبيرة على الارتباط بجزيء في هذه الأورام اسمه "جي إل بي 1". طوّر الباحثون في دراسة جديدة نسخة اصطناعية من هذه المادة اسمها "إكسندين" ومزجوها مع مادة كاشفة يستخدمها الخبراء في تقنية التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، ثم فحصوا مجموعة من المرضى باستخدام تقنية التصوير المعتمدة على الإكسندين. تبين النتائج أن دقة التقنية الجديدة في كشف الأورام الجزيرية بلغت 95%، ويأمل الفريق في إجراء المزيد من الأبحاث حول فوائد الإكسندين وكيفية استخدامه في علاج الأورام الجزيرية في المستقبل.
وحوش جيلا هي سحالٍ غريبة، من الناحية الجسمية والكيميائية. يستطيع معظم الأشخاص تمييز هذه السحالي التي يبلغ طول كل منها نحو نصف متر بسبب قشورها الوردية والسوداء البارزة والمتعرجة وأجسامها المنخفضة الارتفاع وذيولها القصيرة والغليظة المميزة. هذه ليست الميزات الوحيدة الفريدة التي تتمتع بها هذه السحالي؛ إذ إنها تنتمي إلى نوع واحد من نوعين وحيدين من السحالي يستطيعان تركيب السموم الحيوانية. على الرغم من أن التعرض للدغة تحمل السم العصبي ليس مميتاً إلا في حالات نادرة، فإن هذه التجربة مزعجة ويمكن أن تتسبب بالألم الشديد والوذمة والغثيان والقيء. يحتوي لعاب وحوش جيلا على مادة تبدو واعدة للغاية في المساعدة على كشف أورام البنكرياس التي يواجه الأطباء صعوبة كبيرة في كشفها.
مادة من لعاب سحالي وحوش جيلا للكشف عن أورام البنكرياس
تتعطل في أحيان نادرة وظيفة خلايا بيتا المسؤولة عن تركيب الإنسولين في البنكرياس وتشكّل أوراماً صغيرة معروفة باسم "الأورام الجزيرية" (أو الإنسولينية). على الرغم من أن هذه الأورام حميدة نسبياً، فإنها قد تتسبب بخفض نسب السكر في الدم نتيجة التركيب المفرط للإنسولين. هذه المشكلة خطيرة بصورة خاصة بالنسبة للمصابين بمرض السكري، وذلك لأنها قد تتسبب بانخفاض الطاقة وحتى الإغماء. بالإضافة إلى ذلك، أقطار الأورام الجزيرية تكون أقل من 2.5 سنتيمتر عادة، ما يجعل كلاً من تحديد موقعها وتشخيصها صعباً. لكن يبدو الآن أنه يمكن استخدام نوع جديد من التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني لفحص الأورام الجزيرية بدقة، وذلك بفضل التعقيد الكيميائي للعاب وحوش جيلا.
اقرأ أيضاً: سحالي الشيطان الشائكة تلهم الباحثين لتطوير كبسولات علاجية
كان تحديد المرضى المصابين بالأورام الجزيرية صعباً للغاية بالنسبة للفرق الطبية قبل التوصّل إلى الحل المستوحى من هذه السحالي؛ إذ إن التحقق من وجود هذه الأورام كان يستغرق وقتاً طويلاً في الكثير من الحالات.
قالت المؤلفة الأولى لدراسة جديدة نشرتها مجلة الطب النووي (The Journal of Nuclear Medicine)، مارتي بوس، في بيان صحفي: "التعامل مع هذا المرض صعب للغاية؛ إذ يمكننا إجراء الاختبارات الدموية، لكنها لا تؤكد أن سبب الأعراض هو الورم ولا تساعدنا على تحديد موقعه. يتوافر العديد من تقنيات التصوير، مثل التصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، لكن هذه التقنيات لا تكشف الأورام الجزيرية دائماً".
اقرأ أيضاً: لماذا يُستأصل البنكرياس؟ وهل يمكن للإنسان أن يعيش دونه؟
الحاجة إلى تطوير تقنية تصوير للبنكرياس ذات كفاءة عالية
قال أستاذ الطب النووي والمؤلف المشارك في للدراسة، مارتن غوتارد: "لجأ الجراحون في الماضي إلى إزالة قطع من البنكرياس على نحو متكرر حتى يتمكنوا من العثور على الورم. وإذا كان الورم في نهاية البنكرياس، فسيكون الأطباء قد أزالوا البنكرياس بأكمله. يمكنك أن تعيش من دون البنكرياس، لكنك ستعاني حالة شديدة من مرض السكري وستضطر إلى التحكّم بنسب السكر في الدم على نحو دائم. يعني ذلك أن تطوير تقنية أكفأ للتصوير ضروري للغاية".
علم غوتارد وبوس بأن لعاب وحوش جيلا قد يكون واعداً؛ إذ أشارت أبحاث سابقة إلى أن لعاب هذه السحالي السامة التي تعيش في الصحراء يحتوي على مادة كيميائية تتمتع بقدرة كبيرة على الارتباط بجزيء محدد في الأورام الجزيرية يحمل اسم "مستقبل جي إل بي 1" (GLP1). لكن الأمر ليس ببساطة جمع قوارير صغيرة من لعاب هذه السحالي واستخدامه في المختبر.
قال غوتارد: "لم يكن استقرار هذه المادة المستخرجة من اللعاب في جسم البشر كبيراً.
طوّر الباحثون لحل هذه المشكلة نسخة اصطناعية أكثر استقراراً من هذه المادة تحمل اسم "الإكسندين" (Exendin)، ثم مزجوها مع مادة كاشفة مشعّة بدرجة منخفضة يستخدمها الخبراء في تقنية التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني القياسية. بعد ذلك، طلب الباحثون من 69 بالغاً، اشتبهوا في إصابتهم بالورم الجزيري، الخضوع إلى فحص باستخدام تقنية التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني المعتمدة على الإكسندين. كانت النتائج واضحة؛ إذ إنه في حين أن تقنية التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني القياسية تكشف 65% من الأورام، بلغت دقة التقنية الجديدة المعتمِدة على المادة المستخرجة من لعاب وحوش جيلا 95%. في الحالات التي دمج فيها الباحثون تقنية التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني المعتمد على الإكسندين مع تقنيتي التصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغناطيسي، كشفت التقنية الجديدة وحدها عن 13% من الأورام الجزيرية. نجح الجراحون في إزالة الأورام جميعها بمجرد التأكد من وجودها.
اقرأ أيضاً: ما هي أورام الثدي الحميدة الأكثر شيوعاً؟ وما هي طرق علاجها؟
يأمل الفريق في إجراء المزيد من الأبحاث حول فوائد مادة الإكسندين وكيفية استخدامها لعلاج الأورام الجزيرية في المستقبل، كما يأمل في العمل على إدخال تقنية التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني المعدّلة في المنشآت الطبية.
قالت بوس: "نعتقد أن الفحص الجديد يمكن أن يحل محل الفحوص الأخرى جميعها؛ إذ إننا عالجنا المرضى جميعهم تماماً في دراستنا بعد الجراحة، على الرغم من أن بعضهم عانى المرض منذ عقود".