ما هي أبرز الإنجازات الطبية لعام 2024؟ وما هو المنتظر في 2025؟

6 دقيقة
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: إيناس غانم.

من زراعة كلية خنزير معدلة وراثياً إلى تطوير أدوية جينية وصولاً إلى تصميم اختبارات للكشف المبكر عن السرطان، لا يمكن القول سوى إن عام 2024 كان عاماً حافلاً بالابتكارات الطبية الرائدة التي ستغير حياة العديد من الناس حول العالم، فما أهم هذه الإنجازات؟ وما المتوقع لعام 2025 في هذا المجال؟ إليك التفاصيل.

زرع كلية خنزير معدلة وراثياً في جسم إنسان 

نجح باحثون من كلية الطب في جامعة هارفارد (Harvard Medical School)، في عملية هي الأولى من نوعها وفقاً لما ذكره موقع الكلية، في زرع كلية خنزير معدلة وراثياً في جسم إنسان يبلغ من العمر 62 عاماً يعاني مرض الكلى في مرحلته النهائية. وقد استخدم الباحثون تقنية تحرير الجينات كريسبر- كاس9 (CRISPR-Cas9) لتعديل الكلية وجعلها أكثر توافقاً مع الأعضاء البشرية، ما يقلل خطر الرفض المناعي والعدوى. 

تضمنت التغييرات الرئيسية على الكلية إزالة بعض الجينات التي تنتج سكريات تحتوي على أجسام مضادة تثير استجابة الجهاز المناعي البشري، وإضافة جينات بشرية لتحسين التوافق، وتعطيل الفيروسات داخل جينات الخنزير المعروفة باسم "الفيروسات القهقرية الخنزيرية الذاتية المنشأ" (Porcine endogenous retroviruses) لمنع خطر العدوى في جسم المتلقي. إجمالاً، أجرى الباحثون 69 عملية تعديل جينية أدت إلى تحسين سلامة الكلية وملاءمتها للبشر.

يمثل الإجراء، الذي يهدف إلى معالجة النقص العالمي في الأعضاء البشرية، علامة فارقة في نقل وزراعة الأعضاء بين الكائنات الحية، وبينما لا تزال نتائج الزرع على المدى الطويل قيد الدراسة، فإن الفريق يأمل أن يؤدي هذا الابتكار إلى تحسين عمليات زرع الكلى في أنحاء العالم.

اقرأ أيضاً: دروس مستفادة من أول زراعة قلب خنزير عن الفيروسات التي يمكن أن تنتقل من الحيوانات للبشر

إدارة الغذاء والدواء توافق على دواء جديد لإدارة أعراض الفصام

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (Food and Drug Administration) في 26 سبتمبر/ أيلول على دواء يتكون من المادتين الفعالتين زانوميلين (Xanomeline) وثلاثي الصوديوم كلوريد (Tri-sodium chloride) ويحمل الاسم التجاري كوبينفي (Cobenfy)، وهو أول دواء مضاد للفصام (Schizophrenia) يستهدف مستقبلات الكولين بدلاً من النهج التقليدي الذي يستهدف مستقبلات الدوبامين.

تعالج هذه الآلية الجديدة الاضطراب بطريقة مختلفة وتقدم بديلاً للمرضى الذين لا يستجيبون جيداً للعلاجات القائمة على الدوبامين، وقد أظهرت الدراسات الأولية انخفاضاً كبيراً في أعراض الفصام مقارنةً بالعلاج الوهمي.

من الآثار الجانبية الأكثر شيوعاً لهذا الدواء: الغثيان وعسر الهضم والإمساك أو الإسهال والقيء وآلام البطن والدوخة، وينبغي ألا يتم وصفه للأشخاص الذين يعانون احتباس البول أو أمراض الكلى أو الكبد وبعض الحالات الأخرى؛ إذ قد يزيد احتباس البول ويرفع معدل ضربات القلب ويبطِّئ حركة عضلات المعدة ويسبب الوذمة الوعائية (تورّم الأنسجة تحت الجلد) في الوجه والشفتين.

اقرأ أيضاً: ما موجة الموت التي تصيب الدماغ؟ وما فوائد دراستها؟

تصميم اختبار دم للكشف المبكر عن داء آلزهايمر

ابتكر باحثون في جامعة لوند (Lund University) في السويد وكلية الطب في جامعة واشنطن (Washington University School of Medicine) وغيرهم، اختبار دم يستطيع الكشف المبكر عن داء آلزهايمر عند كبار السن بدقة تصل إلى 90% تقريباً، وذلك عبر تحديد اثنين من البروتينات الرئيسية التي تميز المرض، وهما بيتا أميلويد وتاو.

وعلى عكس الطرق التقليدية، التي تتطلب تصويراً متخصصاً للدماغ أو عينات من السائل النخاعي، يمكن إجراء هذا الاختبار في مراكز الرعاية الأولية، ما قد يؤدي إلى تسريع التشخيص والعلاج الذي يمكن أن يبطِّئ تقدم المرضى. جرى اختبار الدم عند أكثر من 1,200 من كبار السن في السويد، وتفوق على التقييمات المعرفية القياسية، وعلى الرغم من توفره في الولايات المتحدة، فهو لم ينل بعد موافقة إدارة الغذاء والدواء.

تطوير مضاد حيوي جديد لمكافحة البكتيريا المقاوِمة للأدوية

طور باحثون في جامعة هارفارد (Harvard University) وجامعة إلينوي (University of Illinois) مضاداً حيوياً اصطناعياً يسمى كريزومايسين (Cresomycin) لمكافحة سلالات البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية؛ إذ يرتبط هذا الدواء الجديد بالريبوسومات البكتيرية بإحكام، ما يعوق قدرتها على  إنتاج البروتينات التي تحتاجها الخلايا للعمل.

وقد وجد الفريق أن الدواء فعال ضد البكتيريا موجبة وسالبة الغرام على السواء، حيث عالج في التجارب على الفئران، الالتهابات الناجمة عن المكورات العنقودية الذهبية والإشريكية القولونية (E.coli) بفعالية، ما حسّن معدلات البقاء على قيد الحياة بدرجة كبيرة.

وعلى عكس المضادات الحيوية التقليدية، فإن كريزومايسين اصطناعي بالكامل، أي أن الباحثين صمموا مكوناته بحيث تتناسب بدقة مع سطح الريبوسوم للبكتيريا وتلتصق به بإحكام، ما يسمح له بالتغلب على آليات المقاومة الشائعة التي تبديها السلالات البكتيرية. يتعاون الباحثون الآن مع مؤسسات غير ربحية لتسريع التكنولوجيا الحيوية وتطوير الدواء واستخدامه في التجارب البشرية، بهدف معالجة الالتهابات البكتيرية المسؤولة عن أكثر من مليون حالة وفاة في أنحاء العالم جميعها سنوياً.

اقرأ أيضاً: العلماء يكشفون سر تحمل هذا الكائن الجرعات الهائلة من الإشعاعات

إدارة الغذاء والدواء توافق على علاج جيني لمرضى الثلاسيميا بيتا

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في مطلع هذا العام على علاج جيني قائم على الخلايا يحمل اسم "كاسغيفي" (Casgevy) لعلاج مرض الثلاسيميا بيتا (Beta Thalassemia)؛ وهو اضطراب وراثي يسبب فقر دم شديداً ويتطلب عمليات نقل دم متكررة.

يعمل العلاج على تعديل الخلايا الجذعية المكونة لدم المريض باستخدام تقنية كريسبر-كاس 9 (CRISPR-CAS9)، ثم زرع هذه الخلايا الجذعية الدموية المعدلة مرة أخرى في نخاع العظم لدى المريض، بحيث تستطيع حينها إنتاج نوع من الهيموغلوبين (هيموغلوبين جنيني) يسهّل توصيل الأوكسجين، ويخفّف شدة فقر الدم، ويقلل الحاجة إلى عمليات نقل الدم المتكررة.

من الآثار الجانبية للعلاج: تقرحات الفم والحمى وانخفاض الشهية؛ لكنه يمثّل نهجاً جديداً واعداً لإدارة حالات مثل مرض ثلاسيميا بيتا، المعروف بأنه مرض منهك يسبب العديد من المشكلات الصحية الخطرة.

طرح تقنية البنكرياس الاصطناعي للمصابين بالسكري من النوع الأول

في سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم، بدأت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة (National Health System) بطرح تقنية "البنكرياس الاصطناعي" (Artificial pancreas) في أبريل/ نيسان على مستوى البلاد للأشخاص المصابين بداء السكري من النوع الأول.

يتألف البنكرياس الاصطناعي من مستشعر للغلوكوز تحت الجلد ومضخة إنسولين خارجية. يراقب المستشعر نسبة السكر في الدم باستمرار ويتواصل مع المضخة؛ التي تضبط توصيل الإنسولين تلقائياً بناءً على مستويات الغلوكوز في الوقت الفعلي، ما يمنع الارتفاعات أو الانخفاضات الخطرة في مستوياته. تقلِّل هذا التقنية الحاجة إلى حقن الإنسولين يدوياً، وتضمن الصحة والراحة للمصابين.

وقد وافق المعهد الوطني في المملكة المتحدة للصحة وجودة الرعاية (National Institute for Health and Care Excellence) على هذه التقنية في أواخر عام 2023، واستند قرار طرحها في هذا العام على التجارب الناجحة التي أظهرت أن الجهاز يحسِّن جودة الحياة ويقلِّل المضاعفات الصحية طويلة الأمد.

جهاز يمنح المصابين بالشلل سيطرة أفضل على أيديهم

أظهر جهاز تحفيز النخاع الشوكي غير الجراحي الجديد إي آر سي إكس (ARCex)، الذي طورته شركة أونوارد ميديكال (Onward Medical) المتخصصة في التكنولوجيا الطبية، نتائج ملحوظة في استعادة حركة اليدين والذراعين عند الأشخاص الذين يعانون إصابات الحبل الشوكي العُنقية.

حيث يعمل الجهاز على تحفيز أعصاب النخاع الشوكي كهربائياً باستخدام أقطاب كهربائية خارجية موضوعة أسفل الرقبة، ما يعزز نقل الإشارات العصبية بين الدماغ والعضلات دون جراحة، وقد تبين أن الجهاز آمن وفعال ويحسن جودة الحياة بدرجة كبيرة، بناء على تصريحات المرضى. وتهدف الشركة المصنعة للحصول على موافقة الجهات التنظيمية الأميركية بحلول نهاية هذا العام.

اختبار منزلي للكشف عن الإصابة بكوفيد-19 والإنفلونزا

منحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية تصريح تسويق لأول اختبار دون وصفة طبية يمكنه الكشف عن فيروس كورونا والإنفلونزا في وقت واحد. يستخدم الاختبار الذي صنّعته شركة هيليغن رابيد تشيك (Healgen Rapid Check) مسحة أنفية ويقدِّم النتائج في غضون 15 دقيقة، ما يسمح للمستخدمين الذين تبلغ أعمارهم 14 عاماً أو أكثر (أو الأطفال الذين يبلغون من العمر عامين أو أكثر بمساعدة شخص بالغ) بإجراء الاختبار في المنزل. وقد أكدت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أهمية سهولة الوصول إلى التشخيصات، وخاصة خلال موسم الإنفلونزا، للمساعدة على إدارة أمراض الجهاز التنفسي.

إنجازات عديدة في مجال تشخيص السرطان وعلاجه

شهد عام 2024 العديد من الابتكارات التي ستسهم في تسريع تشخيص السرطان وعلاجه وتحسين صحة المرضى، وإليك أهمها:

  • لقاحات السرطان المشخصنة (Personalised vaccines): جرّب الآلاف من مرضى السرطان في المملكة المتحدة نوعاً جديداً من العلاج باستخدام اللقاحات، وهو لقاح يستند إلى تقنية الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA)، ويصمم كعلاج للأشخاص المشخصين بالسرطان؛ إذ يحفِّز الجهاز المناعي للبحث عن أي آثار متبقية للسرطان وتدميرها، بالتالي تقليل فرصة تكرار الإصابة بالسرطان في السنوات القادمة.
  • تصميم اختبار للكشف عن السرطان في المراحل المبكرة: هو اختبار يعتمد على تحليل بروتين الدم، وقد نجح في تحديد 93% من حالات السرطان المبكر عند الرجال و84% عند النساء، ويقول الباحثون إن الاختبار يمثّل خياراً واعداً ودقيقاً ومنخفض التكلفة.
  • طريقة علاجية جديدة لسرطان عنق الرحم يقلل خطر الوفاة بنسبة 40%: أظهرت دراسة منشورة في دورية ذا لانسيت (THE LANCET) في أكتوبر/ تشرين الأول، أن إخضاع المريضات بالسرطان لعلاج كيميائي تحريضي (نوع من العلاج الكيميائي يعطى قبل البدء بالعلاج الرئيسي) قصير المدى، متبوعاً بالعلاج الكيميائي الإشعاعي (Chemoradiotherapy) أدى إلى تحسين معدل البقاء على قيد الحياة بنسبة 40% مقارنة بالعلاج الكيميائي الإشعاعي وحده، كما قلل خطر عودة سرطان عنق الرحم أو انتكاسه بمعدل 35%.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تتحدى الافتراضات القديمة حول أسباب السرطان

ما المتوقع في عام 2025 على صعيد الانجازات الطبية؟

من المتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أكثر تكاملاً مع الرعاية الصحية، ما يسمح بتشخيصات أسرع وأكثر دقة ورعاية مخصصة للمرضى. كما سيعمل الذكاء الاصطناعي على تبسيط المهام الإدارية، وتقليل الأخطاء، وتمكين الأطباء من التركيز بدرجة أكبر على المرضى.

ومن المرجح أن تنال تطبيقات إنترنت الأشياء الطبية والتكنولوجيا القابلة للارتداء، مثل أجهزة مراقبة الغلوكوز ومراقبة معدل ضربات القلب وأجهزة تتبع اللياقة البدنية والساعات الذكية، بعض التحسينات المهمة، ما يتيح لها مراقبة العلامات الحيوية بصورة مستمرة وتوفير بيانات في الوقت الفعلي للكشف المبكر عن المشكلات الصحية وإدارتها. 

وربما يشهد مجال التطبيقات الطبية الحيوية بعض التطورات المهمة، مثل الغرسات المعدنية القابلة للتحلل ذات الخصائص الميكانيكية المتفوقة ومعدلات التحلل المرغوبة، والغرسات المصممة بالطباعة ثلاثية الأبعاد المناسبة لتلائم البنية التشريحية للمريض. كما قد يشهد قطاع الأدوية الخاصة بمسكنات الألم غير الأفيونية بعض التطورات الكبيرة.

المحتوى محمي