لماذا تشكّل المعلومات المزيفة بشأن اللقاحات خطراً على الصحة العامة؟

5 دقيقة
لماذا تشكّل المعلومات المزيفة بشأن اللقاحات خطراً على الصحة العامة؟
تقي اللقاحات من العديد من الأمراض القاتلة التي تصيب الأطفال. مصدر الصورة: ديبوزيت فوتوز

توفر اللقاحات حماية كبيرة للناس من الأمراض المعدية وتخفض تكاليف الرعاية الصحية بمقدار كبير. لذلك، من الجدير بالذكر أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يريد تعيين روبرت كينيدي الابن، وهو من أبرز منتقدي منح اللقاحات للأطفال، وزيراً للصحة والخدمات الإنسانية.

أعرب الأطباء والعلماء والباحثون في مجال الصحة العامة عن مخاوفهم من أن يحوّل كينيدي آراءه إلى سياسات من شأنها أن تقوّض الصحة العامة. على سبيل المثال، سلطت التقارير الإخبارية الضوء على محامي كينيدي، آرون سيري، الذي تقدّم في السنوات الأخيرة بطلب إلى إدارة الغذاء والدواء لسحب العديد من اللقاحات بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة أو تعليق الموافقة عليها.

أنا عالم كيمياء حيوية وعالم أحياء جزيئية أدرس الأدوار التي تؤديها الميكروبات في الصحة والمرض، وأدرّس طلاب الطب وأهتم بكيفية فهم العوام للعلم.

سأتحدث في هذا المقال عن بعض الحقائق العلمية المتعلقة باللقاحات التي أخطأ فيها كينيدي وسيري.

اقرأ أيضاً: لماذا قد نصاب بالمرض حتى بعد أخذ اللقاح؟

اللقاحات فعالة وآمنة

تُبيّن بيانات الصحة العامة التي تغطي الفترة من عام 1974 إلى الوقت الحاضر أن اللقاحات أنقذت حياة 154 مليون شخص على الأقل في مختلف أنحاء العالم على مدى السنوات الخمسين الماضية، إضافة إلى أن اللقاحات تخضع لمراقبة مستمرة للتحقق من سلامتها في الولايات المتحدة.

مع ذلك، لا يزال الادعاء الكاذب الذي ينص على أن اللقاحات تتسبب بالتوحد قائماً، على الرغم من أن العلماء أجروا العديد من الدراسات على أعداد كبيرة من السكان في مختلف أنحاء العالم ولم تبيّن هذه الدراسات أي علاقة سببية بين اللقاحات والتوحد.

أساس الادعاءات حول مخاطر اللقاحات في الكثير من الحالات هو تحريف الأوراق البحثية العلمية. على سبيل المثال، استشهد كينيدي في مقابلة مع مقدم المدونات الصوتية، جو روغان، خطأً بدراسات زعم أنها تبين أن اللقاحات تتسبب بالتهاب دماغي شديد لدى القرود في المختبر، وأن لقاح التهاب الكبد بي يزيد معدلات التوحد لدى الأطفال بأكثر من ألف ضعف مقارنة بالأطفال غير الملقحين، علماً أن هذه الدراسات لا تدّعي شيئاً من هذا القبيل.

زعم كينيدي أيضاً في المقابلة نفسها أن الباحثين منحوا شطائر التونة الملوثة بالزئبق لمجموعة ضبط من الأطفال الذين تبلغ أعمارهم ستة أشهر أو أقل في دراسة من عام 2002 حول اللقاحات، علماً أن الدراسة لم تذكر الشطائر.

على نحو مشابه، تقدم سيري بطلب عام 2022 لسحب الموافقة على أحد لقاحات شلل الأطفال بناءً على مخاوف تتعلق بالسلامة، علماً أن هذا اللقاح مصنوع من نوع غير نشط من فيروس شلل الأطفال، وهو أكثر أماناً من اللقاح المستخدم سابقاً الذي يحتوي على الفيروسات الحية المضعّفة. اللقاح غير النشط مصنوع من فيروس شلل الأطفال المزروع في سلالة خلايا فيرو، وهو نوع من الخلايا يستخدمه الباحثون بأمان في تطبيقات طبية مختلفة منذ عام 1962. في حين أن لغة الطلب كانت استفزازية وقارن فيه سيري بين سلالة الخلايا هذه والخلايا السرطانية، فإنه لم يدّعي فيها أن هذه السلالة تتسبب بالسرطان.

اقرأ أيضاً: 6 خرافات عن اللقاحات وحقيقتها

اللقاحات تخضع لعملية الموافقة نفسها التي تخضع لها الأدوية الأخرى

التجارب السريرية على اللقاحات والأدوية الأخرى هي دراسات عمياء عشوائية يضبطها الدواء الوهمي، ويعني ذلك في حالة تجارب اللقاحات أن القائمين عليها يقسّمون المشاركين عشوائياً إلى مجموعة تتلقى اللقاح ومجموعة ثانية تتلقى محلولاً ملحياً من الدواء الوهمي، إضافة إلى أن الباحثين الذين يجرون الدراسة، والمشاركين أنفسهم أحياناً، لا يعلمون من تلقى اللقاح ومن تلقى الدواء الوهمي حتى انتهاء الدراسة، ما يحيّد التحيّز.

ينشر الباحثون النتائج في المجال العام. على سبيل المثال، بيانات تجارب اللقاحات الخاصة بمرض كوفيد-19 وفيروس الورم الحليمي البشري والفيروس العجلي (فيروس الروتا) والتهاب الكبد بي متاحة للجميع.

المساعِدات المعتمدة على الألومنيوم تعزز المناعة

كينيدي هو المستشار المشارك لمكتب محاماة رفع دعوى قضائية ضد شركة الأدوية ميرك (Merck) تعتمد جزئياً على الادعاء الباطل الذي ينص على أن الألومنيوم المستخدم في أحد لقاحاتها يتسبب بأمراض عصبية. الألومنيوم هو مادة مضافة في العديد من اللقاحات تؤدي دور مساعد لتعزيز استجابة الجسم المناعية للقاح، ما يعزز دفاعات الجسم ضد الميكروب المستهدف.

تستند ادعاءات مكتب المحاماة إلى تقرير صدر عام 2020 بيّن أن أنسجة المخ لدى بعض المصابين بكل من مرض آلزهايمر والتوحد والتصلب المتعدد تحتوي على نسب مرتفعة من الألومنيوم، ولم يؤكد مؤلفو هذه الدراسة أن اللقاحات هي مصدر الألومنيوم، ومن غير المرجح أن تكون اللقاحات هي السبب.

من الجدير بالذكر أن عينات الدماغ التي حللها الباحثون في تلك الدراسة كانت مستخرجة من مرضى تتراوح أعمارهم بين 47 عاماً و105 أعوام. يتعرض معظم الناس للألومنيوم في الأساس من خلال النظام الغذائي، علماً أن الجسم يتخلص من هذا العنصر في غضون أيام، ما يعني أنه من غير المتوقع أن يستمر التعرض للألومنيوم الذي مصدره اللقاحات الممنوحة خلال الطفولة لدى هؤلاء المرضى.

ما يثير السخرية هو أن سيري يريد من إدارة الغذاء والدواء سحب بعض اللقاحات بسبب احتوائها على كمية من الألومنيوم أقل مما ذكرته الشركة المصنعة.

شركات تصنيع اللقاحات مسؤولة عن الضرر أو الوفاة

تتناقض الدعوى التي رفعها كينيدي ضد شركة ميرك مع إصراره على أن الشركات المصنعة للقاحات محمية تماماً من التقاضي.

يستند ادعاء كينيدي إلى فهم غير صحيح لبرنامج التعويض الوطني عن إصابات اللقاحات، وهو برنامج فيدرالي لا يتطلب إثبات الخطأ أنشأته السلطات للحد من الدعاوى القضائية الضعيفة ضد الشركات المصنعة للقاحات، والتي قد تؤدي إلى نقص اللقاحات وعودة ظهور الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات.

يستطيع الأشخاص الذين يدّعون أنهم تعرضوا لضرر ما بسبب اللقاح أن يتقدموا بطلب إلى محكمة المطالبات الفيدرالية الأميركية من خلال هذا البرنامج للحصول على تعويض مالي، وإذا رفضت المحكمة طلب تعويض المتضررين، يستطيع المدعي مقاضاة الشركة المصنعة.

تنتهي أغلبية القضايا التي يحلها البرنامج بتسوية تفاوضية بين الأطراف دون إثبات أن اللقاح كان سبباً للإصابة المزعومة (وهذا معنى "لا يتطلب إثبات الخطأ")، واستخدم كينيدي وشركة المحاماة الخاصة به خطأً المدفوعات بموجب البرنامج ليجزم بأن اللقاحات غير آمنة.

لا يحمي برنامج التعويض الوطني عن إصابات اللقاحات الشركة المصنعة للقاح من دفع التعويضات إلا إذا امتثلت لمتطلبات قانون الأغذية والأدوية ومستحضرات التجميل الفيدرالي جميعها واتبعت الإجراءات الواجبة، فضلاً عن أنه لا يحمي الشركة من ادعاءات الاحتيال أو حجب المعلومات المتعلقة بسلامة اللقاح أو كفاءته في أثناء تطويره أو بعد الموافقة عليه.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف ارتباط لقاحات كورونا بحالات اضطراب قلبية

التغذية الجيدة والنظافة ليست بدائل عن تلقي اللقاح

يؤكد كينيدي أن الأشخاص الذين يتمتعون بتغذية كافية لا يحتاجون إلى تلقّي اللقاحات لتجنب الأمراض المعدية، لكن على الرغم من أن تحسين التغذية والنظافة وزيادة كفاءة معالجة المياه وسلامة الأغذية وتطبيق تدابير الصحة العامة من الواضح أنها أدت أدواراً مهمة في الحد من الوفيات والمضاعفات الشديدة الناجمة عن الأمراض المعدية، فإن هذه العوامل لا تلغي الحاجة إلى اللقاحات.

بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت الولايات المتحدة دولة غنية تتمتع ببنية تحتية صحية متينة، مع ذلك، بلغ المتوسط السنوي لحالات الأمراض المعدية التي يمكن الوقاية منها حالياً ​مليون حالة.

أدّت اللقاحات التي صدرت في الخمسينيات والستينيات أو التي توسّع نطاق توفيرها في تلك الفترة إلى القضاء شبه الكامل أو الكامل على أمراض مثل الخناق (الدفتيريا) والسعال الديكي والكزاز والحصبة وشلل الأطفال والنكاف والحصبة الألمانية وبكتيريا المستدمية وفيروس الإنفلونزا بي.

من السهل أن ننسى لماذا أصبح العديد من الأمراض المعدية نادراً اليوم؛ إذ إن نجاح اللقاحات في الحد منها ليس واضحاً للجميع، ومن المحتمل أن يوفر تولي روبرت كينيدي الابن منصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية العديد من الفرص لمكافحة المعلومات المزيفة وتسليط الضوء مجدداً على دور اللقاحات.

المحتوى محمي