أرسل البشر الكثير من الأشياء إلى الفضاء خلال العقود التي استكشفته فيها البشرية. بقي جزء كبير من هذه الأشياء في الفضاء، منها ما يدور حول الأرض ومنها ما سقط في النهاية تجاهها واحترق في الغلاف الجوي (وبعضها نجا من الاحتراق).
يجب أن يبذل الخبراء الكثير من الجهد حتى يتمكنوا من إرسال المركبات والمسابر والتلسكوبات إلى الفضاء البعيد. ويعتمد ذلك على الصواريخ. تحتاج المركبات الفضائية التي أطلقها البشر لاستكشاف الأطراف الخارجية من المجموعة الشمسية إلى دفعة قوية للوصول إلى هذه المناطق، ثم إلى دفعات إضافية من جاذبية الكواكب التي مرت بالقرب منها. بفضل غياب الاحتكاك في الفضاء والوفرة في المساحات المفتوحة، تستمر هذه المقذوفات في التحرك بلا توقف. أبعد مركبة أرسلها البشر إلى الفضاء، والتي ستظل الأبعد في المستقبل، هي مركبة فوياجر 1 (Voyager 1)، التي تليها مركبة فوياجر 2.
اقرأ أيضاً: 45 عاماً على مهمة فوياجر: ماذا بعد؟
فوياجر 1 وفوياجر2:مركبتان من صنع البشر على بعد مليارات الكيلومترات من الأرض
أطلقت وكالة ناسا المركبتين في عام 1977، وتلا إطلاق فوياجر 1 بعد أسبوعين إطلاق فوياجر 2. أطلق العلماء على فوياجر 1 هذا الاسم لأنها كانت تتحرك على مسارها بسرعة أكبر تجاه كوكب المشتري، ما يعني أنها سبقت فوياجر 2 في الوصول إلى هذا الكوكب. تبعد هذه المركبة حالياً نحو 24 مليار كيلومتر عن الأرض، بينما تبعد فوياجر 2 أكثر من 19 مليار كيلومتر.
سيمر على إطلاق المركبتين 47 عاماً في عام 2024، ما يعني أنهما تحملان الرقم القياسي في زمن التشغيل بين مهمات وكالة ناسا. مرت المركبتان بالقرب من كوكبي المشتري وزحل، كما مرت فوياجر 2 بالقرب من كوكبي أورانوس ونبتون.
وفقاً لوكالة ناسا، فوياجر 1 وفوياجر 2 هما المركبتان الفضائيتان الوحيدتان القادرتان على "أخذ عينات مباشرة من الفضاء البينجمي". الفضاء البينجمي هو المنطقة خارج الغلاف الشمسي، وهو الغلاف الواقي الذي تشكل بسبب الرياح الشمسية. يصل هذا الغلاف الواقي إلى حدوده في المنطقة التي تعاكس فيها الرياح البينجمية الرياح الشمسية. خرجت فوياجر 1 وفوياجر 2 من الغلاف الشمسي وهما الآن في الفضاء البينجمي. من الناحية الفنية، ما تزال المركبتان داخل المجموعة الشمسية، ولن تخرجا منها قريباً. ستخرج المركبتان من المجموعة الشمسية بعد عبور سحابة أورت. ستصل فوياجر 1 إلى الطرف الأقرب من سحابة أورت بعد نحو 300 عام.
بيانات علمية مهمة ترسلها المركبتان
ما يزال المهندسون يرسلون الأوامر لفوياجر 1 ويتلقون معلومات مفيدة منها. يقول خبراء وكالة ناسا إن وصول الضوء إلى فوياجر 1 من الأرض يستغرق أكثر من 22 ساعة ونصف بسبب المسافة الشاسعة التي قطعتها المركبة، ويستغرق وصوله إلى الأرض من المركبة المدة نفسها. عندما يرسل المهندسون أمراً إلى هذه المركبة، فهم سيضطرون للانتظار مدة يومين قبل أن يتمكنوا من معرفة إذا ما نفّذت المركبة هذا الأمر.
استأنفت مركبة فوياجر 1 إرسال البيانات العلمية باستخدام أداتين من أدواتها الأربع في مايو/أيار 2024 بعد أن تسببت مشكلة في الكمبيوتر بتوقف عمل الأدوات في نوفمبر/تشرين الثاني 2023. وعاودت المركبة إجراء عملياتها الاعتيادية باستخدام أدواتها الأربع في يونيو/حزيران 2024 بعد أن اكتشف خبراء وكالة ناسا الأخطاء وأصلحوها. وفقاً لوصف وكالة ناسا للمركبة، تدرس الأدوات الأربع "الموجات البلازمية والحقول المغناطيسية والجسيمات".
اقرأ أيضاً: ما منشأ أسماء المركبات والمشاريع الفضائية؟
"النقطة الزرقاء الباهتة": أشهر ما في إرث فوياجر 1
التقطت فوياجر 1 إحدى أشهر صور الفضاء في تاريخ برنامج الفضاء. عندما كانت المركبة قريبة نسبياً من الشمس وتبعد نحو 6 مليارات كيلومتر عنها في عام 1990، التقطت الصورة التي خلدتها الذاكرة وتحمل اسم "النقطة الزرقاء الباهتة".
تظهر الأرض في هذه الصورة على شكل نقطة صغيرة من الضوء بحجم بكسل واحد فقط، عالقة في شعاع من ضوء الشمس. هذه الصورة مركّبة من سلسلة من 60 صورة التقطتها مركبة فوياجر 1 بينما عبرت كوكب نبتون. أرسل الخبراء أمراً للمركبة بالنظر تجاه الأرض والتقاط سلسلة أخيرة من الصور. وفقاً لوكالة ناسا، فوياجر 1 هي واحدة من 3 مركبات فضائية تستطيع التقاط مثل هذه الصورة، إلى جانب فوياجر 2 ونيو هورايزنز (New Horizons). تحتوي الصورة أيضاً على كل من نبتون وأورانوس وزحل والمشتري والزهرة.
التقطت فوياجر 1 سلسلة الصور هذه التي كانت أساس صورة النقطة الزرقاء الباهتة قبل نصف ساعة فقط من إيقاف عمل كاميراتها على نحو دائم في فبراير/شباط 1990. تلقّت وكالة ناسا ملف البيانات من المركبة في شهر مايو/أيار من العام نفسه وتمكن خبراؤها من معالجته.
تستمر مركبتا فوياجر 1 وفوياجر 2 في مساريهما الموجهين بعيداً عن الأرض، وتفقدان الطاقة والقدرات ببطء حتى يوقف الخبراء تشغيلهما بعد خروجهما من نطاق الاتصال. قد يتلقّى الخبراء في الأرض البيانات العلمية حتى عدة سنوات بعد إيقاف تشغيل أجهزة المركبتين، وذلك اعتماداً على مقدار الطاقة المتوافرة.