هل حقاً كانت إجراءات التباعد الاجتماعي في أثناء تفشي جائحة كوفيد-19 عديمة الجدوى؟

3 دقيقة
هل حقاً كانت إجراءات التباعد الاجتماعي في أثناء تفشي جائحة كوفيد-19 عديمة الجدوى؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/eamesBot

حصد فيروس كورونا أرواح الملايين خلال الجائحة، وقد أوصى مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بالتباعد الاجتماعي، وإغلاق المدارس والشركات، وتوقفت الحياة مؤقتاً إلى أن ظهرت اللقاحات وبدأت الحياة تعود تدريجياً إلى طبيعتها. كان لهذه الإجراءات عواقب إيجابية وأخرى سلبية، لكن خرج أنتوني فاوتشي مؤخراً باعترافات تفيد بأن هذه التعليمات لم تكن قائمة على دراسات علمية بل استندت إلى قرارات نتجت عن الخبرة، وأنه ربما لم تكن هناك حاجة إليها.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة الإصابة باضطرابات الغدة الدرقية بعد التطعيم بلقاح كوفيد-19؟

اعترافات فاوتشي بأن قرارات التباعد الاجتماعي بُنيت على الخبرة

في شهادته أمام لجنة الرقابة والمساءلة بمجلس النواب الأميركي، قال الدكتور أنتوني فاوتشي، المدير السابق للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية وكبير المستشارين الطبيين السابق للرئيس دونالد ترامب، إن قاعدة التباعد الاجتماعي مسافة مترين تقريباً (6 أقدام)، التي أوصت بها مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، لم تكن بناءً على تجربة سريرية خاصة بفيروس كورونا. فعلى الرغم من القول حينها إنها كانت مبنية على أسس علمية، لكنها كانت اجتهاداً مبنياً على الخبرة في محاولة لإيقاف تفشي الفيروس، وبُنيت على دراسة قديمة من عام 1955 تناولت كيفية انتقال قطرات الجهاز التنفسي، وقد تمت الاستعانة بها لعدم توفر دراسات أخرى تناولت المسافة التي ينتقل عبرها فيروس كوفيد-19 على وجه الخصوص. فقد قال فاوتشي عن قاعدة التباعد بمسافة المترين: "لم يكن لها علاقة بي لأنني لم أقدّم توصية بذلك، وقولي بأنها لم تُبنَ على أسس علمية يعني أنه لم تكن هناك تجربة سريرية وراء ذلك."

أقر فاوتشي أيضاً بأن بعض الإجراءات الوقائية لكوفيد-19 ربما ذهبت إلى أبعد من اللازم وأدّت إلى نتائج ضارة. وقال إنه من الواضح جداً أنه يجب على مسؤولي الصحة العامة في المستقبل النظر في الآثار السلبية الجانبية المحتملة للأفكار المثيرة للجدل مثل المطالبة بارتداء الكمامات، وأنه يجب أن تُتخذ إجراءات أفضل إذا تعرضنا لجائحة قادمة. كما قال إن مطالبة الأطفال بارتداء الكمامات في الأماكن العامة وفي المدارس كانت بناءً على دراسات ضعيفة.

أضاف فاوتشي أيضاً أن تلك القرارات اتُخذت بناءً على "الوضع المزري الذي كنا فيه"، وأن العدوى كانت أشبه بتسونامي، وكان عليهم المحاولة يائسين لحماية الناس من الإصابة بالعدوى والموت، إذ أصبحت مرافق الرعاية الصحية جميعها معرضة لخطر تفشي الوباء، وأن يفعلوا أي شيء حتى لو كان مبالغاً فيه، وهو قرار لا يُتخذ في ظروف أخرى أقل خطورة.

مع مرور الوقت، تبين أن فيروس كوفيد-19 يُصيب كبار السن بمعدلات أكبر بكثير من الشباب، وأنه بالكاد يؤثّر في الأطفال، لذلك تعدلت توجيهات التباعد في أغسطس/آب 2022، بسبب اكتساب المناعة الواسعة النطاق والعلاجات الفعّالة.

اقرأ أيضاً: حول مشاكل التباعد الاجتماعي خلال الأزمات

النتائج السلبية بعيدة المدى لإجراءات التباعد الاجتماعي

بدأت إجراءات التباعد الاجتماعي بثلاثة أسابيع بهدف تخفيف الانتشار الحاد للفيروس، لكنها امتدت عدة أشهر، ما نتج عنه آثار سلبية على المصابين بأمراض أخرى، وعلى الاقتصاد والنسيج الاجتماعي والأطفال.

عانى المصابون بأمراض أخرى بشكلٍ كبير، فقد وجّهت الطواقم الطبية أنظارها نحو علاج المصابين بفيروس كوفيد-19، وتوقفت التشخيصات والفحوصات الطبية غير الإسعافية، على الرغم من أهميتها، وعلى الرغم من تلقي الكوادر الطبية اللقاحات قبل العامة. ويبدو أن مرضى السرطان هم الأكثر تأثراً ضمن هذه الفئة، إذ تأخر تشخيص مرضهم وتلقيهم العلاج، ما قد يزيد من نسبة الوفيات بينهم.

تسببت إجراءات التباعد الاجتماعي أيضاً بارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بشكلٍ كبير، خاصة بين المراهقين. وخسر الملايين وظائفهم وأموالهم أيضاً، وأغلقت آلاف الشركات أبوابها، وبدا الأثر الأكبر على البلدان الفقيرة والنامية بسبب قواعد التباعد التي تبيّن الآن أنها كانت مجرد رأي مبني دون دراسة سريرية.

الأطفال أقل نسبة مصابين وأكثر المتضررين

أثّرت إجراءات التباعد الاجتماعي في الأطفال بشكلٍ خاص على الرغم من أنهم كانوا أقل المتضررين من فيروس كورونا، فقد كان إغلاق المدارس مدمراً لهم، كما لم يكن التعلم عن بُعد فعّالاً مثل التعلم التقليدي، إذ لم يكن لدى المعلمين الوقت الكافي للاستعداد، وتراجع مستوى الأطفال الدراسي، أمّا الأطفال الذين يعانون صعوبات التعلم فكانوا أكبر المتأثرين، ولا يزال الأطفال الذين تعلموا النطق والقراءة والكتابة في بداية الوباء يعانون حتى الآن عدم اكتسابهم هذه القدرة بشكلٍ صحيح.

اقرأ أيضاً: هكذا أثّر الإغلاق العام خلال جائحة كورونا في التطور اللغوي لدى الأطفال

هل كانت إجراءات التباعد الاجتماعي في أثناء كوفيد-19 دون فائدة؟

على الرغم من ذلك لا يمكن الإنكار بأن إجراءات التباعد الاجتماعي قد قللت من تفشي جائحة كوفيد-19، إذ خفّضت بشدة ذروة منحني الإصابة، وأدّت إلى منع أنظمة الرعاية الصحية من الإرهاق والانهيار في لحظة ما في أثناء ذروة انتشار الفيروس، بالإضافة إلى تقليل انتشار المرض عن طريق تقليل الاتصال الجسدي بين الأفراد المصابين والأصحاء، وقد ثبًت أن الإجراءات أدّت إلى انخفاض في متوسط الإصابات بنسبة 13%.