كيف يُعيد إدمان الإنترنت هيكلة أدمغة المراهقين؟ دراسة جديدة تكشف

3 دقيقة
كيف يُعيد إدمان الإنترنت هيكلة أدمغة المراهقين؟ دراسة جديدة تكشف
حقوق الصورة: shutterstock.com/Lightspring

ملخص:

المشكلة: تعد المراهقة مرحلة نمو حساسة، يمرّ فيها المراهق بتغييرات كبيرة بنيوية وبيولوجية وإدراكية، لذا يكون الدماغ أكثر عرضة للرغبات المرتبطة باستخدام الإنترنت.

السبب: أثبت الباحثون في الدراسة الحديثة أن إدمان الإنترنت أثر في الشبكات العصبية جميعها في أدمغة المراهقين، بحيث زاد النشاط في أجزاء الدماغ المسؤولة عن وضع الراحة، وانخفض الاتصال الوظيفي في أجزاء الدماغ المسؤولة عن السلوكيات التي تتطلب الانتباه والتخطيط واتخاذ القرار، أي قد يؤدي إلى تغيرات سلوكية وتنموية سلبية قد تؤثّر في حياة المراهقين.

الحل: يمكن علاج إدمان الإنترنت لدى المراهقين من خلال دمج أساليب علاجية وتدابير وقائية؛ مثل العلاج السلوكي المعرفي والدوائي، وممارسة اليقظة الذهنية، والحد من وقت استخدام الشاشة في وقتٍ محدد من اليوم، واستخدام أدوات الرقابة الأبوية، وتحديد فترات راحة منتظمة.

إدمان استخدام الإنترنت يسبب إعادة تشكيل التوصيلات العصبية في أدمغة المراهقين، بما يؤثّر في سلوكياتهم ويؤدي إلى ميول إدمانية إضافية.

هذا ما توصل إليه باحثون من كلية لندن الجامعية (University College London)، في مراجعة جديدة تم نشرها في حزيران/يونيو 2024، في دورية بلوس للصحة النفسية (PLOS Mental Health).

اقرأ أيضاً: كيف تتسبب الفيديوهات القصيرة «الريلز» بأذى الأطفال؟ وكيف نساعدهم؟

ما هو دور إدمان الإنترنت في سلوك المراهقين والشباب؟

وفقاً للمؤلف الرئيسي للمراجعة، الباحث ماكس تشانغ (Max Chang)، فإن المراهقة مرحلة نمو حساسة، يمر فيها المراهق بتغييرات كبيرة بنيوية وبيولوجية وإدراكية، لذا يكون الدماغ أكثر عرضة للرغبات المرتبطة باستخدام الإنترنت. يمكن أن تتجلى هذه الرغبات في الاستخدام القهري للإنترنت، والرغبة الشديدة في استخدام الماوس أو لوحة المفاتيح والاستهلاك المتكرر للمحتوى عبر الإنترنت.

استعرض الباحثون في المراجعة الحديثة 12 دراسة شملت 237 شاباً، تتراوح أعمارهم بين 10-19 عاماً، وتم تشخيصهم بالإصابة بإدمان الإنترنت بين عامي 2013-2023.

كان المشاركون قد خضعوا خلال هذه الدراسات إلى التصوير بالرنين المغناطيسي (fMRI)، لفحص الاتصال الوظيفي لأدمغتهم، أي تفاعل مناطق الدماغ مع بعضها خلال الراحة أو في أثناء إنجاز مهمة ما.

لاحظ الباحثون أن لإدمان الإنترنت تأثيراً في الشبكات العصبية جميعها في أدمغة المراهقين، كما يلي:

  • نشاط متزايد في أجزاء من الدماغ في حالة الراحة (شبكة الوضع الافتراضي).
  • انخفاض عام في الاتصال الوظيفي في أجزاء شبكة الوظائف التنفيذية في الدماغ (شبكة التحكم التنفيذي)، وهي السلوكيات التي تتطلب الانتباه والتخطيط واتخاذ القرار والتحكم في الانفعالات والتنسيق الجسدي والذاكرة قصيرة المدى، والتحكم في النبضات، والاستجابة للمكافآت ومعالجة المعلومات.

بعبارات أخرى، توصل الباحثون إلى أن إدمان الإنترنت يمكن أن يؤدي إلى تغيرات سلوكية وتنموية سلبية قد تؤثّر في حياة المراهقين. على سبيل المثال، قد يواجهون صعوبة في الحفاظ على العلاقات والأنشطة الاجتماعية، ويكذبون بشأن نشاطهم عبر الإنترنت ويعانون اضطرابات في الأكل واضطرابات في النوم.

اقرأ ايضاً: كيفية تغيير سلوكنا للتحكّم في استخدام الإنترنت

ما هو إدمان الإنترنت؟

إدمان الإنترنت هو الحاجة المُلحّة لتصفح الإنترنت دون مراعاة الوقت، وعلى حساب الجوانب الحياتية الأخرى مثل الاهتمام بالصحة أو الحياة الاجتماعية أو العمل.

قد يخلط بعض الأشخاص بين ضرورة الاستخدام اليومي للإنترنت وإدمانه، لكن الدراسات المشمولة في المراجعة اعتمدت على بعض معايير التشخيص السريري لإدمان الإنترنت، وهي كما أشار إليها تشانغ:

  • الانشغال المتواصل بالإنترنت، وقضاء ساعات متزايدة على الإنترنت.
  • ظهور أعراض الانسحاب مثل القلق وتغيير المزاج عند عدم إمكانية الوصول للإنترنت.
  • التضحية بالعلاقات وتفضيل قضاء الوقت على الإنترنت عوضاً عن الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية أو مهام العمل أو الاستمتاع بوقت الفراغ في الخارج.
  • خسارة الجوانب الحياتية المختلفة على حساب قضاء الوقت على الإنترنت أكثر من 12 شهراً، دون الاكتراث بذلك.

التغلب على إدمان الإنترنت

قالت المختصة النفسية وأستاذة الطب النفسي في كلية ستانفورد للطب (Stanford Medicine)، سميتا داس (Smita Das)، التي لم تشارك في الدراسة، إنه نظراً إلى أن إدمان الإنترنت هو السبب وراء تعطل الإشارات بين مناطق الدماغ للمراهقين، فقد يكون السبب مرتبطاً بالمسارات العصبية للإدمان، حيث لاحظ الباحثون في الدراسة أن أنماط الاتصال الوظيفي في أدمغة المشاركين تتوافق مع تلك التي لوحظت لدى مدمني المواد الأخرى والمقامرين.

في الواقع، يمثّل اكتشاف هذا التأثير للإنترنت في الدماغ، الخطوة الأولى نحو محاربة الإدمان المحتمل.

ومع ذلك، يوضّح قائد الدراسة ماكس تشانغ، أنه على عكس تعاطي المواد والمقامرة، فإن الإنترنت ضروري ومهم في حياتنا، وله العديد من الفوائد، لذا ينبغي الموازنة بين فوائده ومخاطره وتوجيه الطفل إلى استخدام الإنترنت مساعداً للاستفادة منه في تنميته.

اقرأ أيضاً: كيفية التغلّب على رغباتك والعيش في الواقع بعيداً عن الإنترنت

أشارت سميتا داس، باعتبارها الرئيس السابق لمجلس الإدمان في الجمعية الأميركية للطب النفسي، إلى أن علاج إدمان الإنترنت لدى المراهقين يتضمن مزيجاً من الأساليب العلاجية والتدابير الوقائية، وتشمل:

  • العلاج السلوكي المعرفي: وهو علاج كلامي يساعد على تحديد الأفكار والمشاعر والسلوكيات التي تغذّي الإدمان، والعمل على تغييرها وتطوير عادات أكثر صحة.
  • اليقظة الذهنية: تساعد اليقظة الذهنية الأفراد على تطوير علاقة أكثر صحة مع التكنولوجيا، من خلال تعزيز الوعي الذاتي والمرونة العاطفية والتحكم المعرفي، حيث أفادت دراسة نشرتها دورية اليقظة الذهنية (Mindfulness)، بأن تدريب المراهقين على تنمية الوعي اللحظي قد يساعد على علاج إدمان الإنترنت، حيث إن المراهقين الذين يتمتّعون بمستوى عالٍ من اليقظة الذهنية قادرون على الحفاظ على هدوئهم وتوازنهم، واتخاذ قرارات مدروسة بدلاً من التصرف بتلقائية.
  • علاج دوائي: قد يقترح الطبيب النفسي تناول أدوية لعلاج أنواع معينة من إدمان التكنولوجيا.
  • الحد من وقت استخدام الشاشة في وقتٍ محدد من اليوم: وتحديد مناطق معينة خالية من الوصول إلى الإنترنت في المنزل.
  • استخدام أدوات الرقابة الأبوية: بالنسبة للمراهقين، يمكن أن تساعد تطبيقات الرقابة الأبوية على مراقبة وقت الشاشة والحد منه.
  • تحديد فترات راحة منتظمة: تقييد وقت استخدام المواقع والتطبيقات والألعاب التي يستخدمها المراهق كثيراً، وإيقاف تشغيل الإشعارات، أو حظرها في أثناء الدراسة أو ساعات العمل.