كيف يعمل نظام زرع الأعضاء في ظل قواعد قوائم الانتظار المعقدة؟

6 دقائق
كيف يعمل نظام زرع الأعضاء في ظل قواعد قوائم الانتظار المعقدة؟
حقوق الصورة: شترستوك.

في الأسبوع الأخير من يناير/كانون الثاني 2022، أزال مستشفى في مدينة بوسطن مريضاً من قائمة انتظار زراعة القلب بسبب رفضه تلقي لقاح كوفيد-19. على الرغم من أن العديد من المستشفيات كانت تطبق مثل هذه السياسات خلال الجائحة، إلا أن هذا الخبر انتشر على المستوى الدولي

المتطلبات الأهلية لعملية الزرع

لكن التركيز على تلقّي اللقاح يتجاهل تعقيدات زراعة الأعضاء بعيداً عن ظروف الجائحة. يقول «دوري سيغيف»، جرّاح زراعة الأعضاء في جامعة نيويورك: «هناك الكثير من المتطلبات لأهلية الخضوع للزرع». تختلف أخلاقيات اتخاذ القرار بشأن زراعة الأعضاء عن تلك الخاصة بأنواع الرعاية الطبية الأخرى، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أن عدد الأعضاء المتوفّرة أقل من عدد الأشخاص المحتاجين. وفقاً لمؤسسة زرع الأعضاء الأميركية، يوجد حالياً أكثر من 100,000 أميركي في قوائم انتظار عمليات الزرع.   

تفرض المنظمات والمستشفيات الوطنية متطلبات الأهلية لضمان حصول الأشخاص الذين خضعوا لجراحة زرع على أفضل فرصة للبقاء على قيد الحياة على المدى الطويل. يقول أطباء الزراعة إن القيام بخلاف ذلك سيعني إساءة استخدام الأعضاء التي يمكن أن تنقذ حياة أخرى. يقول «جوفيند بيرساد»، عالم أخلاقيات علم الأحياء في كلية ستورم للقانون في جامعة دنفر: «إن تأثير منح عضو لشخص ما على فرص الأشخاص الآخرين واضح تماماً».  

تُصمم المستشفيات عموماً أولويات لضمان أن يعيش المريض لأكبر عدد ممكن من السنوات التي يتمتّع بها بصحة جيدة بسبب الجراحة. من الناحية العملية، يتضمن ذلك تقييم المدة التي يتوقع أن يعيشها المريض بدون الخضوع لعملية الزراعة، والمدة التي يتوقع أن يعيشها بعد الحصول على عضو جديد، وما إذا كان طفلاً أم لا. لكن هناك أيضاً عوامل تتعلق بالإنصاف، إذ أن المتطلّبات مثل أن يكون لدى المريض فرد من العائلة يستطيع أن يوصله للعمل، أو أن يكون لديه مؤشر كتلة جسم معين، يمكن أن تستثني بشكل غير متناسب الأشخاص الذين يواجهون بالفعل عوائق في الحصول على الرعاية الصحية.   

تُنظّم العديد من تلك القرارات الأخلاقية على شكل قوائم انتظار، والتي تحدد الأولويات لأنواع مختلفة من الأعضاء، ولمرضى مختلفين. يأتي البعض الآخر في شكل سياسات المستشفى أو المزوّد، والتي تحدد أنواع المعايير التي يجب أن يحققها المرضى من أجل الحصول على عضو. 

اقرأ أيضاً: من الكلى إلى القلب: هذا ما يجب أن تعرفه عن زراعة الأعضاء

انتظار الجراحة

يبدأ الوصول إلى قائمة الانتظار بسلسلة من الاجتماعات تستمر لشهور مع الأطباء وعلماء النفس والأخصائيين الاجتماعيين. يقول «كين سوثا»، أخصائي أمراض الكلى للأطفال، والذي تلقى أول عملية زرع كلى أثناء دراسته: «ربما استغرقت العملية 6 أشهر». حضر سوثا اجتماعات مع أخصائيي الكلى، ومع أطباء القلب الذين حققوا في مشكلة قلبية محتملة لديه. كان هناك أيضاً «أشخاص تحدّثوا عن حالتي المعيشية، وأنظمة الدعم التي أمتلكها، بما في ذلك أشياء مثل من سيكون قادراً على اصطحابي إلى المواعيد على الفور بعد عملية الزراعة، وقدرتي على دفع ثمن الأدوية بعد العملية» حسب تعبير سوثا.   

وفقاً لسيغيف، هذا النوع من الاهتمام بالتفاصيل ضروري للتأكد من أن المرضى يمكن أن يتعافوا جسدياً من الجراحة. يقول سيغيف: «نحن نُخضع المرضى لعمليات جراحية كبيرة، في وقت يكونون فيه في حالة فشل الأعضاء». 

«لا يتعلّق الأمر فقط بتقليل حالات العدوى، وخفض تكاليف المستشفى، وخفض معدل الوفيات. إذا أنه يتعلق بالرفض. إنه يتعلق بالسرطان. يتعلق بزيادة عدد الأعضاء التي يمكن لأي شخص الوصول إليها».   أوليفيا كيتس، خبيرة زرع الأعضاء في جامعة جونز هوبكينز

خلال حياته المهنية، كتب سيغيف كثيراً عن التمييز على أساس العمر في أهلية الحصول على الأعضاء، واكتشف أن عمر الشخص ليس مؤشراً واضحاً لمدى احتمالية استفادة المريض من الجراحة. يقول سيغيف: «لقد التقيت بأشخاص يبلغون من العمر 35 عاماً وهم أقل صحية من الناحية الفيزيولوجية من أشخاص يبلغون من العمر 70 عاماً». يمكن أن ينطبق الشيء نفسه على معايير الأهلية الأخرى، مثل مؤشر كتلة الجسم.  

لكن التغيير الأكثر أهمية، كما يقول سيغيف، ليس في تحديد الأفراد غير المؤهلين على أساس صحة الفرد، بل إنه الاعتراف بأن صحة الشخص يمكن أن تتحسن، وهو ما يسمّيه «التأهيل المسبق»، والذي يتضمن تحسين التغذية قدر الإمكان بالإضافة إلى القدرات الجسدية والمعرفية. يقول سيغيف إن التجارب المعشّاة الجارية تقدم أدلّة رصينة تبيّن أن التأهيل المسبق يقلل من المخاطر التي يتعرّض لها المرضى. 

إن معرفة ما إذا كان شخص ما مؤهلاً للعملية يتطلّب أخذ المدخلات من جميع الزوايا بعين الاعتبار، وليس فقط القواعد الصارمة والسريعة. تنشر شبكة زراعة وتأمين الأعضاء، والتي تديرها وزارة الصحة والخدمات البشرية الأميركية، مجموعة من القواعد والمبادئ التوجيهية التي تحدد الحد الأدنى من وظائف الأعضاء المطلوبة للخضوع للعمليات الجراحية المختلفة. لكن سيغيف يقول إن المستشفيات الفردية على استعداد لإجراء الجراحة في ظروف مختلفة اعتماداً على خبرتها. مثلاً قد يكون أحد الجراحين ببساطة أكثر خبرة في إجراء عملية جراحية لمريض يعاني من تلف شديد في الأوعية الدموية.   

تقول «أوليفيا كيتس»، أخصائية الأمراض المعدية وزرع الأعضاء في جامعة جونز هوبكنز، والباحثة في أخلاقيات عمليات الزرع: «ربما يتجه مجال زراعة الأعضاء نحو إخضاع المزيد من المرضى الذين يعانون من عوائق أقل تتعلق باضطرابات تعاطي المواد المختلفة»، وتضيف: «أي، إخضاع المرضى الذين كانوا يتعاطون الكحول، أو الذين كانوا يدخنون ولكنهم بحاجة إلى زرع الكلى، لعمليات الزرع في مرحلة مبكّرة».  

تبقى نفس المبادئ الأخلاقية صحيحة، حتى لو اضطرت المستشفيات إلى تطوير سياسات مختلفة. يرفض بعض الناس، وخاصة لأسباب تتعلق ببعض المعتقدات، عمليات نقل الدم. يقول بيرساد إن بعض المستشفيات لا تقدم عمليات زرع لهؤلاء المرضى لأن إجراء الجراحة دون القدرة على التبرع بالدم ينطوي بطبيعته على خطورة أكبر. يقول بيرساد: «لكن المثير للاهتمام هو أن هناك بعض المستشفيات المستعدة للقيام بذلك». تكون سلبيات القيام بذلك أقل «إذا كان لديك شخص ما أراد التبرع بعضو لشخص معين، بطريقة لا تتطلّب إخراج عضو نادر من قائمة الانتظار العامة. ولكن لا يمكنك [رفض نقل الدم] ومن ثم توقع تلقي عضو نادر» حسب تعبير بيرساد.     

لكن، كما يشير بيرساد، فإن رفض تلقّي لقاح كوفيد-19 لا يكافئ رفض نقل الدم. إذ يقول: «لا أعرف أي تقاليد دينية تنص على أنه لا يجب أن تتلقى اللقاحات بشكل عام، أو لقاح كوفيد-19 بشكل خاص. هناك فرق بين المعايير الدينية العقائدية، وحقيقة أنك قد لا تثق في اللقاحات».  

اقرأ أيضاً: هل تدخل الروبوتات ميدان زراعة الأعضاء والنُسج البشرية؟

مخاطر الإصابة بالأمراض المعدية

البعد الثاني لأهلية الخضوع لعملية الزرع هو مخاطر الإصابة بالأمراض المعدية. يقول سيغيف: «أحد أكبر أسباب الوفاة بعد عمليات الزرع هو العدوى». 

سيتعرف الجهاز المناعي للمتلقي، بكامل قوته، على العضو الغريب ويبدأ في مهاجمته. لدرء هذا الهجوم، يتم منح المرضى أدوية لقتل الخلايا التي عادة ما تتعرف على تهديد جديد. هذا الأمر ينقذ العضو، ولكنه يعني أن المريض يصبح غير قادر على تطوير استجابة مناعية لمسببات الأمراض. تقول «أنوما نيلور»، المتخصصة في عمليات الزرع والأمراض المعدية في جامعة ألاباما في برمنغهام: «بالنسبة للأعضاء المعرّضة للبيئة الخارجية، مثل الكلى أو الرئة، يجب تناول الكثير من الأدوية»، وتضيف: «بعض هذه الأدوية المثبطة للمناعة تقتل الخلايا المناعية، بل تقضي عليها تماماً».     

سيواجه المريض هذه المخاطر بغض النظر عن مدى مهارة الجراح. يقول سيغيف: «لكن يمكن تدريب الجهاز المناعي لجعل المرضى أكثر مقاومة [لمرض مثل] كوفيد-19»، ويضيف: «هذا التدريب يسمى اللقاح».  

إن الحصول على لقاح قبل الجراحة يزيد من فرصة أن يطور المريض بعض الدفاعات، مثل الأجسام المضادة، التي ستدوم بعد القضاء على الخلايا المناعية. تقول نيلور: «إننا نجمع هذه البيانات وعلاقتها بمرض كوفيد-19». البيانات الموجودة مشجعة. في دراسة ضيقة نُشرت في سبتمبر/أيلول 2021، احتفظ 90% من متلقي الكلى الذين تلقّوا اللقاح قبل عملية الزرع بالأجسام المضادة ضد كوفيد-19. احتوت أجسام أقل من نصف الأشخاص الذين تلقّوا اللقاح بعد الجراحة على هذه الأجسام المضادة.    

تقول كيتس إن تلقيح مريض زرع يمنح مجموعة كاملة من الفوائد. قد يتمكّن المريض الملقح من تلقي عضو من شخص مصاب بالتهاب الكبد، وسيكون أقل عرضة للمعاناة من حدث رفض العضو لاحقاً. تقول كيتس: «لا يتعلق الأمر فقط بتقليل حالات العدوى، وخفض تكاليف المستشفى، وخفض معدل الوفيات»، وتضيف: «إنه يتعلق بالرفض. إنه يتعلق بالسرطان. يتعلق بزيادة عدد الأعضاء التي يمكن لأي شخص الوصول إليها».      

في حالة سوثا، فهو يقول إن أطباءه اختبروا استجابات الأجسام المضادة للأمراض المختلفة، وحصل على سلسلة من الحقن المعززة لتعزيز نقاط الضعف. مع ذلك، بعد الجراحة، بدأ فيروس شائع يدعى «إبشتاين-بار» يهاجم أمعائه. خفّض أطباؤه جرعاته من مثبطات المناعة لمساعدته على محاربة العدوى، لكن ذلك دفع جسده إلى مهاجمة كليته. في النهاية، احتاج سوثا إلى عملية زرع ثانية. يقول سوثا: «الانتقال بين العدوى والرفض هو بالتأكيد أمر شائع»،ويضيف: «لهذا السبب من المهم جداً أن يكون المرء محميّاً ضد كل هذه الأنواع المختلفة من العدوى».     

يقول سيغيف، مستشهداً بتجربته، إن أغلب مرضاه قد تلقّوا اللقاح، إذ يقول: «أود أن أقول إن معظم المستشفيات مصرة بشدة على التلقيح. لم أسمع أبداً في مسيرتي المهنية عن شخص لم يتم إدراجه للخضوع لعملية زرع لأنه رفض تلقّي أحد اللقاحات المطلوبة».  

لا يتطلب كل مستشفى تلقّي لقاح كوفيد-19، وتبيّن نيلور أن المستشفى الذي تعمل فيه هو أحدها. لكن كيتس تقول إنه بالنسبة للمستشفيات التي تتطلّب ذلك، فإن التحقق من ذلك أثناء الجائحة سهل للغاية. تعتقد كيتس أن مواجهة رفض اللقاح دفعت مراكز الزرع إلى «توضيح سياسات اللقاحات المضمنة سابقاً».    

هناك تركيز خاص على اللقاحات لأنها لا تضع عبئاً ثقيلاً على المريض، على عكس شرط أن يتخلص شخص ما من إدمان طويل الأمد، أو يفقد قدراً كبيراً من الوزن.

مع ذلك، فإن اللقاحات ليست سوى جزء واحد من التعامل مع مخاطر الأمراض المعدية. تقول نيلور إن الإرشادات التي تقدمها للمرضى بشكل عام تتوافق بشكل أكبر مع الرعاية الأولية الأساسية. يمكن أن يكون الأمر بسيطاً للغاية. تقول نيلور: «أصف لمرضاي أن عملية الزرع مثل تربية طفل»، وتضيف: «عليك تعديل أنشطتك اليومية المعتادة لرعاية عضوك الجديد المزروع».    

المحتوى محمي