إن أردت مستقبلاً ناجحاً لأطفالك، فعليك بتعليمهم مهارات التفكير خارج الصندوق. قد تتساءل كيف يمكن ذلك؟ أو ما الذي سيدفع ابني للتعلم في سن صغيرة؟ في الحقيقة، يعد الأطفال أكثر تقبلاً ومرونةً في تعلم الأمور الجديدة والمميزة، كما أن فضولهم الفطري يدفعهم للتعرف على الأشياء الغريبة التي تجيب فضولهم وتروي شغفهم. ولكي يتمكن طفلك من التميّز، عليه أن يكتسب ذلك من بعض المهارات والتقنيات المساعدة، ولعل أبرزها تعلمه البرمجة وعلوم الروبوت في سنٍ صغير.
قد يظن بعضهم أنها من الأمور الصعبة أو المملة في بعض الأحيان، لكنها ستقدم لهم أكثر من مجرد لعب وتسلية، فهي تمثل نمط حياة بأكمله، وليس وظيفة أو هواية فقط.
ماذا يعني «علم الروبوت»؟
قبل الحديث عن آثار تعلم «علوم الروبوت» على الأطفال، يجب أن نعرف ما المقصود بهذه العلوم، وما المقصود بالروبوت؟
بحسب معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات IEEE بالولايات المتحدة الأميركية، هناك اختلاف حول تعريف الروبوت بشكلٍ دقيق بسبب اختلاف استخداماته، واختلاف آلية عمله. لكن يمكن القول أن الروبوت هو أي آلة مستقلة (كلياً أو شبه كلي) تقوم بتحسس الوسط المحيط، ثم يقوم بمعالجة البيانات التي يحصل عليها لاتخاذ القرار المناسب للتعامل مع البيئة الخارجية.
بالتالي تهتم علوم الروبوت بتصميم الروبوت وبنائه ودراسته، وآلية عمله وبرمجته وتطويره. بالإضافة إلى الأمور المتعلقة به من قوانين هندسية فيزيائية أو كيميائية أو رياضية، تبعاً للوظيفة التي سيقوم بها. وقد يبدو للوهلة الأولى أمراً بالغاً في التعقيد، لكن ليس على العباقرة الصغار.
علوم الروبوت والأطفال
تعد علوم الروبوت طريقة ممتعة للأطفال لتعليمهم العديد من المواد الدراسية، مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، مثلما تعلمهم الكثير من البرمجة على حدٍ سواء، كما تدعم المهارات الحياتية اللازمة لبناء شخصياتهم بشكلٍ السليم، مثل مهارات العمل الجماعي، والتفكير خارج الصندوق، وحل المشكلات.
وتبعاً لذلك ظهرت العديد من الدراسات التي تراقب تفكير وذكاء الأطفال الذين بدأوا بالتعامل مع الروبوت في سنٍ صغيرة، حيث درس مجموعة من الباحثين بقسم الهندسة الميكانيكية والفضائية في المعهد الوطني للتعليم بجامعة نانيانغ في سنغافورة، العلاقة بين استخدام الأطفال في عمر مبكرة للروبوت في التعليم وإدخاله في العملية التعليمية أيضاً، حيث أظهرت النتائج أن الأطفال أصبحوا أكثر مرونة وقابلية للتعلم من خلال جعل العملية التعليمية أكثر متعة وارتباطاً بالطالب.
لنعلمهم الابتكار وليس الاستهلاك
في ظل التقدم التكنولوجي الهائل حول العالم، أصبحت جميع وسائل التكنولوجيا متاحة للجميع بما فيهم الأطفال واليافعين، بل إنهم يبرعون في استخدامها أكثر من ذويهم، ويقبلون عليها بشكلٍ أسرع وأفضل، لكنها سلاح ذو حدين. فاستهلاك التكنولوجيا دون فهمها أو فهم آلية عملها بالنسبة لهم، مثل شخص يستطيع القراءة دون الكتابة، وقد تتأثر أفكارهم وتصرفاتهم بشكلٍ كبير بهذه التكنولوجيا المستخدمة.
هل سيؤثر سلباً؟
بطبيعة الحال، ليس الأمر بهذه الصورة اللامعة التي يبدو عليها، فبحسب دراسة أجريت في جامعة بلايموث قامت بها البروفيسورة «أنّا فولمر» الباحثة في جامعة بيليفيلد، ومحاضرة في الروبوتيك في جامعة «بلايموث وغينت»، توضح الفرق بين الأطفال والبالغين في اتخاذ القرارات بوجود الأقران من البشر أو الروبوت. قامت الدراسة بالمقارنة بين البالغين والأطفال في تجربة «Asch paradigm»، وهي مجموعة تجارب قام بابتكارها «سولومون آش» عام 1950، حيث تقوم هذه التجارب بدراسة استجابة الأفراد للتفكير الجماعي، وتأثير الضغط الاجتماعي على القرارات المتخذة.
كانت التجربة على شاشة تعرض 4 خطوط، 3 منها مختلفة الطول، ويطلب تحديد أيها متساوٍ في الطول. كانت النتيجة بالنسبة للبالغين صحيحة أغلب الأحيان، لكن عند القيام بالتجربة مع مجموعة كانت النتائج متأثرة بالجماعة، بينما بالنسبة للأطفال كانت النتائج صحيحة بنسبة 87%، لكن عندما كان الروبوت مشاركاً للأطفال انخفضت صحة النتائج إلى 75% ومن هذه النسبة كانت الإجابات المطابقة لإجابة الروبوت هي 75%.
ما يفتح التساؤل حول تأثير استخدام الروبوت في العملية التعليمية، وعلى التحفيز الإيجابي للطلاب من ناحية التفكير، أو التأثير السلبي الذي يجعل الطفل جامد التفكير، ومتلقياً للمعلومة الجاهزة فقط.
كيف يمكن أن يتعلم الطفل «علم الروبوت»؟
من جهة أخرى، يجب أن تغذي العلاقة بين الروبوت والطفل مثل الصانع والمنتج. فيمكن للطفل أن يقوم بعملية التصنيع بيده، وتركيب القطع الملائمة ليحصل على التصميم المطلوب، ثم يقوم ببرمجته وتنفيذ المهام المطلوبة. لتحقيق ذلك، لابد له أن يمر بمراحل معينة ليستطيع أن يتابع في هذا المضمار.
1. تعلم البرمجة
حتى يتحرك الروبوت وينفذ المطلوب منه، على الأطفال القيام ببرمجته، وعند بدء الأطفال بتعلم البرمجة سيواجهون الكثير من العقبات والعوائق في تعلمها، لكن الإصرار والصبر من أهم الصفات التي سيتعلمها الطفل. سيتعلم الأطفال أن النجاح أو الحل النهائي لن يأتي من المرة الأولى، بل سيتعثرون مراراً وتكراراً ليصلوا إلى النتيجة المطلوبة.
تعلم البرمجة يرفع من مستوى التفكير الإبداعي والابتكار لدى الأطفال، بالإضافة إلى تنمية مهارات التفكير خارج الصندوق، والتنافس الفعال فيما بينهم وروح التحدي والمثابرة. بالطبع عند إتقان الأطفال للبرمجة، سيصبح علم الروبوت أكثر سهولة، كونهم قد قطعوا نصف المسافة باتجاه تعلم علوم الروبوت.
2. بعض المهارات الحسابية والرياضية مطلوبة
بالطبع سيحتاج الطفل إلى بعض الحسابات والعمليات المنطقية والعددية، مثل حساب سرعة دوران محرك، أو العمليات الحسابية الأساسية التي ستشكل دعماً قوياً في عملية بناء مهاراته الروبوتية. وبالطبع مع تقدم مهاراته؛ سيتعلم الطفل أموراً أكثر تعقيداً، مثل الجبر الخطي والمعادلات التفاضلية وغيرها.
3. الفيزياء المسلية
بحسب ما ذكر بتعريف الروبوت سابقاً، بأنه الآلة التي تقوم بالتفاعل مع الوسط المحيط أو البيئة الخارجية، بالتالي على الطالب أن يتعلم بعض الأساسيات الفيزيائية التي ستساعده في تعليم الروبوت على التعامل مع الحساسات، وأخذ البيانات، مثل قياس درجات الحرارة أو حساب المسافة عن جسم ما.
قد يبدو الأمر معقداَ للوهلة الأولى، لكنه أبسط مما يتصور الأهل، وخاصة بالنسبة للمخترعين الصغار، فانخراطهم في المجتمع الحالي المعاصر لكافة أشكال التقنية سيجعل من التعلم أمراً مريحاً وسهلاً لا سيما في ظل انتشار العديد من الأدوات والطرق المخصصة للأطفال، بالإضافة إلى العديد من المسابقات العربية والعالمية التي تعنى بعلوم الروبوت للأطفال واليافعين.
برأيك، إذافة لما سبق، فعالمنا يتطور بسرعة ويعتمد على الآلات والروبوتات -التي تتطور صناعتها- بشكلٍ ملحوظ، فهل يجب أن يكون «علم الروبوت» أحد العلوم التي يجب أن يتعلمها الأطفال؟