أعلن فريق ضخم من علماء الفلك يحمل اسم "تعاون نانوغراف" (NANOGrav Collaboration) عن حدَثٍ رائع، وهو أول دليل على ضوضاء الخلفية للأمواج الثقالية التي تتخلل كوننا. استخدمت هذه المجموعة البحثية التي مقرها الولايات المتحدة وكندا، النجوم الميتة عبر مجرة درب التبانة على أنها أداة بحجم المجرة للعثور على هذه التموجات المشوِّهة.
قال رئيس تعاون نانوغراف وقسم علم الفلك في جامعة فاندربيلت، ستيفان تايلور، في مؤتمر صحفي: "بدأنا العمل الهادف منذ 15 عاماً" للعثور على ضوضاء الخلفية هذا، "ويسرنا أن نعلن أن عملنا الجاد قد آتى أكله". يمكن أن تكشف هذه الأمواج عن أنواع الثقوب السوداء المنتشرة عبر الكون؛ ما سيساعد علماء الفلك على اكتشاف كيفية نمو المجرات وتغيُّرها.
اقرأ أيضاً: لماذا لا نرى جميع النجوم الميتة في مجرّتنا؟
ضوضاء الخلفية للأمواج الثقالية
الأمواج الثقالية هي تموجات في نسيج الزمكان نفسه. تتخصص تجارب رصد الأمواج الثقالية في تحسس أطوال موجية مختلفة؛ تماماً كما تتخصص التلسكوبات في تحسس أجزاء مختلفة من الطيف الكهرومغناطيسي. تستطيع الأجهزة في تجربة لايغو (مرصد مقياس التداخل الليزريّ للأمواج الثقالية، LIGO)، التي رصدت أولى الأمواج الثقالية في عام 2016، تحسّس موجات أقصر؛ مثل تلك التي تتولد نتيجة اصطدام ثقبين أسودَين بحجم النجوم. مع ذلك، لا يمكن لهذا المرصد تحسس الأمواج الأطول ذات التردد الأخفض، التي يعتقد بعض علماء الفلك أنها سر فهم تاريخ الكون.
يقول عالم الفلك في جامعة فاندربيلت والعضو في فريق نانوغراف، ويليام لام: "إذا أردنا رصد أكبر الثقوب السوداء لفهم تطور المجرات على نحو أعمق وكذلك اختبار النظريات الأحدث في الفيزياء، يجب أن نتمكّن من رصد الأمواج الثقالية المنخفضة التردد".
كيف تنشأ الأمواج الثقالية؟
تتولّد هذه الأمواج من أضخم الثقوب السوداء في الكون، التي يفترض أنها تندمج في مختلف أنحاء الكون وتولّد ضوضاء الخلفية؛ وكأنها قناة تلفزيونية كونية مشوشة. شك علماء الفلك لفترة من الزمن في أن هذه الثقوب السوداء الهائلة الحجم لا يمكن أن تقترب بما يكفي من بعضها بعضاً لتتحد مشكلّة مركزاً مجرياً واحداً؛ ما سيمثّل مشكلة كبيرة في فهمنا لتطور المجرات، وسيؤدي إلى أن تكون خلفية الأمواج الثقالية أكثر هدوءاً.
أصبح علماء الفلك يعلمون أن هذه الثقوب السوداء تتصادم بالفعل لأن الباحثين في تعاون نانوغراف رصدوا الإشارة، ويمكنهم أيضاً كشف تفاصيل عملية اندماج المجرات. قد تسهم الأمواج الثقالية التي تولّدت مباشرة بعد الانفجار العظيم في تشكّل هذه الخلفية؛ ما يجعلها تمثّل إحدى الطرائق لدراسة الثواني الأولى من عمر الكون.
مرصد بحجم مجرة درب التبانة
لرصد مثل هذه الإشارة ذات التردد المنخفض، احتاج علماء الفلك إلى مرصد أكبر من الأرض بأكملها، ربما بحجم المجرة. ولحسن الحظ، قدّم الكون الأداة المناسبة، وهي النجوم النابضة. النجوم النابضة هي النوى الميتة لأثقل النجوم في الكون، وهي تصدر نفاثات من الضوء وتدور بسرعة هائلة. يمكننا رؤية هذه النجوم وهي تنبض بسطوع أكبر إذا كانت نفاثاتها متوجهة نحونا؛ تماماً مثل مشاهدة الضوء من منارة. والكون يساعدنا كثيراً في هذه الحالة لأن سهولة التنبؤ بتوقيت النجوم النابضة بسهولة التنبؤ بتوقيت الساعات الذرية.
اقرأ أيضاً: دليل شامل لأنواع النجوم في الكون ومراحل تطورها
ولكن عندما تمر الأمواج الثقالية عبر هذه النجوم النابضة، يتسبب تموّج الزمكان باضطراب دقة النبض. تستطيع مصفوفات توقيت النجوم النابضة، وهي مجموعات من التلسكوبات الراديوية التي ترصد النجوم النابضة عبر المجرة، قياس هذه الانحرافات الدقيقة في ساعات النجوم النابضة التي تبقى فائقة الدقة من دون التأثّر بالأمواج الثقالية. تشكّل الانحرافات العديدة الصغيرة في أدوار النجوم النابضة صورة تبيّن كيفية انتشار الأمواج الثقالية الطويلة المنخفضة التردد في أنحاء المجرة جميعها.
استخدم الباحثون في تعاون نانوغراف التلسكوبات المنتشرة عبر أميركا الشمالية لإجراء هذه القياسات؛ وهي تشمل تلسكوب أريسيبو (Arecibo) الشهير في بورتوريكو (الذي انهار منذ إطلاق المشروع)، وتلسكوب غرين بانك في ولاية ويست فيرجينيا الأميركية، ومرصد المصفوفة الكبيرة جداً في نيومكسيكو وتجربة تشايم (CHIME) في كندا.
طرقة جديدة لرصد الأمواج الثقالية بالاعتماد على النجوم النابضة
يقول عالم الفلك في جامعة ميسيسيبي، سوميت كولكارني، الذي لم يشارك في التجربة الجديدة، إن الاعتماد على توقيت النجوم النابضة "يختلف اختلافاً جوهرياً عن الطريقة التي رصد بها مخبر لايغو الأمواج الثقالية، والجانب المذهل بصورة خاصة في هذا الاكتشاف هو التنسيق" بين التلسكوبات والمراكز المسهمة العديدة.
استخدم الفريق في التجربة بيانات جمعتها مصفوفات توقيت النجوم النابضة التابعة لتعاون نانوغراف على مدار 15 عاماً؛ لكن النتائج الجديدة ليست رصينة تماماً ليطلق عليها الفريق وصف "اكتشاف رسمي". بدلاً من ذلك، يستخدم الباحثون تعبير "أدلة قويّة". مع ذلك، فهم واثقون من أنهم سيتوصلون إلى اكتشاف حاسم في غضون بضع سنوات لأن الإشارة الواردة تتراكم بمرور الوقت. قال عالم الفلك في جامعة نورث وسترن والعضو في فريق تعاون نانوغراف، لوك كيلي، في مؤتمر صحفي: "سنكون قادرين على إنشاء خرائط أفضل مع الزمن لسماء الأمواج الثقالية".
اقرأ أيضاً: شبكة كونية باهتة تفسّر تشكل المجرات
تبعات الرصد الجديد ليست معروفة بالكامل بعد؛ لكن دراسات هذه الأمواج المنخفضة التردد ما زالت في بدايتها. جمع أعضاء مصفوفة توقيت النجوم النابضة الدولية بيانات مماثلة من مختلف دول العالم؛ مثل أستراليا والصين والهند، وستكون هذه القياسات أدق عندما يدرسها علماء الفلك معاً، ربما خلال عام 2024.