يعد الحفاظ على النظافة أمراً ضرورياً لصحتنا وتأدية واجباتنا المختلفة بكفاءة، وعلى الرغم من أن الاستحمام وغسل اليدين وغيرهما من مظاهر النظافة الشخصية هي أمور بديهية وروتينية بالنسبة لنا، فالقضية تختلف بالنسبة لرواد الفضاء الذين يعيشون وسط الجاذبية الصغرى ووجود كمية قليلة من الماء. كل هذه التحديات تستدعي القيام بعدة تدابير لضمان نجاح المهمة الفضائية وسلامة رواد الفضاء.
اقرأ أيضاً: ما أطول زمن قضاه الإنسان في الفضاء وما التحديات التي واجهته؟
أبرز النقاط المتعلقة بالنظافة على محطة الفضاء الدولية
قبل الحديث عن النظافة الشخصية لرواد الفضاء، يجب عرض بعض المعلومات المفتاحية الأساسية عن الوضع في الفضاء لفهم الموضوع بشكل أفضل، ويمكن تلخيص هذه النقاط كما يلي:
- يتم نقل الماء من الأرض إلى المحطة الفضائية الدولية عن طريق المركبات الفضائية، وكمية الماء محددة بشكل مدروس.
- تعود محدودية نقل الماء من الأرض إلى المحطة إلى أن كل غرام إضافي تحمله المركبة الفضائية، سوف يستهلك كمية أكبر من الوقود المكلف، وسوف يشغل مساحة على سطح المركبة، لهذا لا تحمل المركبة سوى المواد الضرورية للمهمة.
- يتناثر الماء بالمركبة الفضائية على شكل رذاذ في الجاذبية الصغرى، حيث يتطاير رواد الفضاء وكل الأجسام الأخرى، وقد يصل إلى أجهزة إلكترونية مسبباً تلفها، لذا من المفضل عدم رش الماء أو تركه سائباً.
- تعيش في المحطة عشرات الأنواع من البكتيريا والفطريات التي يمكن أن تنمو في المدارات القريبة من الأرض على الرغم من كل التعقيم، وتم رصد وجودها على سطح محطة الفضاء الدولية، بالإضافة إلى الفلورا أو الميكروبيوم الموجودة في أجسام رواد الفضاء، التي يمكن أن تسبب الأمراض الانتهازية عند ضعف مناعة الرواد.
- تم تسجيل عدة حالات إصابة لرواد الفضاء بالتهابات جلدية أو بولية ونزلات البرد والتهابات الجهاز التنفسي العلوي، ويمكن أن ينقل رواد الفضاء لبعضهم العدوى، على الرغم من خضوعهم لحجر صحي قبل إطلاق الرحلة.
- لا تعد التهوية أمراً بسيطاً بالفضاء، فلا تستطيع ببساطة أن تفتح النافذة لتهوية الغرفة، بل كل ما هنالك مغلق وتعمل أجهزة التهوية على تنقية الهواء وسحب الرطوبة منه باستمرار.
- يعد وقت رواد الفضاء ثميناً للغاية، فالوقت الإضافي الذي يقضونه في النظافة الشخصية أو صيانة السباكة والتصريف يقلل من الوقت الذي يمكنهم به إجراء تجاربهم التي صعدوا إلى الفضاء من أجلها.
- تتم إعادة تدوير 90% من الماء المستخدم في محطة الفضاء الدولية، لتجنب الهدر والاستفادة القصوى من الموارد المتاحة.
اقرأ أيضاً: بذور طماطم وبكتيريا تأكل البلاستيك تصل إلى محطة الفضاء الدولية
كيف يستحم رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية؟
أحد التحديات الرئيسية للحفاظ على النظافة في الفضاء هو الاستحمام، وهو من أهم مظاهر النظافة الشخصية، وقد يسبب إهماله حدوث الأمراض وتراكم الجراثيم الموجودة على الجلد بالإضافة لصدور الروائح الكريهة، ما يؤثر على سير المهمة الفضائية وإزعاج الزملاء على المحطة، لذا يقوم رواد الفضاء بالاستحمام بمسح أجسادهم بمنشفة تحتوي على منظف خاص وماء قليل دون تشكيل رغوة أو تناثر الماء، وبالنسبة للشعر يتم استخدام شامبو خاص ليس بحاجة للشطف، بل يتم تدليك الشعر وفروة الرأس به ثم إزالته عن طريق المنشفة المخصصة لهذه العملية.
يذكر أن رائد الفضاء جاك لوسما قام بتجربة الاستحمام في الفضاء عام 1973 في مختبر سكايلاب الفضائي (Skylab)، إذ قام بوضع ستارة دائرية من البولي إيثيلين تحيط به بالكامل، وتم رش الماء عليه بواسطة خرطوم، وسحب الماء من قبل نظام تفريغ هوائي، لكن تبين أن هذه الطريقة تستهلك الكثير من الماء نسبياً (نحو 3 لترات)، واستغرقت نحو ساعة بينما الاستحمام عن طريق المنشفة والمسح يستغرق 10 دقائق، لذا تم اعتماد هذه الطريقة لاحقاً.
كيف يغسل رواد الفضاء ملابسهم؟
لا يمكن لرواد الفضاء أن يغسلوا ملابسهم، فلا توجد غسالة على متن محطة الفضاء الدولية أو حبل غسيل لتنشيف الغسيل في الفضاء، وقد يؤدي مزج الماء مع مسحوق الغسيل إلى صعوبة في تنقية المياه وإعادة استخدامه لأغراض لاحقة، ولهذا السبب يرتدي رواد الفضاء ملابسهم لفترة طويلة قد تصل إلى شهر أو ما يقاربه ثم يتم التخلص من الملابس كنفايات، وارتداء ملابس جديدة، لكن يجب معرفة أن الاتساخ بالفضاء يكون أبطأ منه على الأرض.
اقرأ أيضاً: أول مهمة قمرية خاصة لسبيس إكس ستحمل طاقماً مكوناً بالكامل من المدنيين
كيف يذهب رواد الفضاء إلى الحمام في الجاذبية الصغرى؟
قد يبدو الأمر غريباً لكن رواد الفضاء يتدربون على دخول الحمام ويرتدون الحفاضات في مهماتهم، لكن السبب في ذلك ليس لأنهم غير قادرين على الذهاب للمرحاض بمفردهم، بل لأن المرحاض الموجود في محطة الفضاء الدولية له نوع خاص، فالفتحة الخاصة بالمرحاض يبلغ عرضها نحو 10.6 سنتيمتر، وهي أصغر بنحو 3 مرات من فتحات المراحيض التي نستخدمها في المنزل.
يعتمد المرحاض على سحب الهواء باستمرار لكي لا تطفو الفضلات في الجاذبية الصغرى، وهناك مرحاضان بمحطة الفضاء الدولية؛ واحد في الجناح الأميركي والآخر في الروسي، في حال اضطر شخصان لاستخدام الحمام في الوقت ذاته، ويمكن استخدام المرحاض عن طريق استخدام قمع مرتبط بأنبوب سحب هواء خاص بكل رائد فضاء يتبول من خلاله ومن ثم تتم فلترة البول وتنقيته ليصبح ماءً صالحاً للشرب لاستدامة الموارد المائية في المحطة، بينما في حالة الفضلات الصلبة يجلس رائد الفضاء على المرحاض ويستخدم حزاماً ويمسك بمقابض يدوية لتثبيته خلال العملية.
يتم التخلص من الفضلات الصلبة عن طريق سحبها ضمن أكياس مفرغة من الهواء ويتم إحراق معظمها عند دخول الغلاف الجوي، بينما يعيدون قسماً منها لدراستها في المختبرات البحثية على الأرض، ويجب الذكر بأن القمر تم استخدامه كمكب للنفايات البشرية، وتوجد على سطحه 96 كيساً تحتوي على الفضلات البشرية، ولم يكن طاقم أبولو يمتلك مرحاضاً آنذاك بل كانوا يستخدمون أكياساً يتم إلصاقها على الأرداف. لكن لحسن الحظ تطور العلم، إذ أنفقت وكالة ناسا مؤخراً نحو 23 مليون دولار لصناعة مرحاض جديد لمحطة الفضاء الدولية يمكن استخدامه بشكل أسهل من قبل رائدات الفضاء أيضاً.
أما بالنسبة للحفاضات فلا يرتديها رواد الفضاء على المحطة طوال الوقت، بل يرتدونها فقط في رحلة الصعود من الأرض والهبوط إليها، وعند القيام بمهام خارج المحطة وهم يرتدون بزة الفضاء، لأن المهام خارج المحطة قد تستغرق نحو 8 ساعات، ولا يعد ارتداء بزة الفضاء أو خلعها عملية سهلة، ما يستدعي ارتداء حفاضات خاصة ذات امتصاصية عالية تحتوي على مادة بولي أكريلات الصوديوم.
وفيما يخص الدورة الشهرية لدى رائدات الفضاء، هناك 3 خيارات عامة تختار رائدات الفضاء القيام بها وهي:
- إحضار المستلزمات الصحية الاعتيادية خلال الرحلة.
- أخذ حبوب منع الحمل الفموية لإيقاف الدورة الشهرية خلال مدة الرحلة.
- وضع لولب هرموني لإيقاف الدورة خلال مدة الرحلة.
وهناك نحو 70 رائدة فضاء مسجلة منذ أن بدأ الإنسان بالصعود إلى الفضاء في نهاية الستينيات لأول مرة.
اقرأ أيضاً: هل سيكون المستكشف راشد أول إنجاز عربي يطأ سطح القمر؟
كيف يقوم رواد الفضاء بتنظيف أسنانهم؟
يستخدم رواد الفضاء في تنظيف أسنانهم معجون الأسنان الذي يمكن ابتلاعه بعد التفريش، وقامت وكالة ناسا بتركيب معجون أسنان يقوم بتعويض المعادن المفقودة في العظام والأسنان خلال فترة المكوث في الفضاء، واقترحت الوكالة دمج البروشيت المؤلف من الكالسيوم والهيدروجين والفوسفات والماء في محلول هلامي لتكوين هيدروكسيباتيت في عام 1974، وأصبحت العناية بالأسنان مهمة بالفضاء بسبب عدم وجود طبيب أسنان لعلاج الحالات السنية، وقد يسبب الألم من التسوس قلة كفاءة رائد الفضاء في أداء مهامه، كما حصل مع رائد الفضاء يوري رومانينكو إذ أصيب بألم في الأسنان في رحلة ساليوت 6 عام 1973، لذا من بعد تلك الرحلة تم تزويد أدوات العناية بالأسنان من معجون أسنان وسواها إلى المهمات الفضائية.
كيف يقص رواد الفضاء شعرهم وأظافرهم في الفضاء؟
لا يحتاج رواد الفضاء لقص شعرهم في المهمات قصيرة المدة، لكنهم يضطرون أحياناً للحلاقة وقص شعرهم في المهمات الطويلة، وتتميز ماكينة الحلاقة بأنها مرتبطة بأنبوب سحب هواء خاص لمنع تناثر الشعيرات المقصوصة في الهواء، ويتم تفريغها في أكياس الفضلات الخاصة ليتم التخلص منها إما بالحرق في الغلاف الجوي للأرض وإما تخزينها للدراسة، وينطبق الأمر أيضاً على الأظافر، إذ يتم قص الأظافر بمقص أظافر عادي بجوار مجرى هواء ليتم التخلص منها لاحقاً.
اقرأ أيضاً: ما هي شبكة الفضاء العميق التي أسهمت في نجاح جميع المهمات الفضائية خلال الأعوام الستين الأخيرة؟
في النهاية، يمكن القول إن حياة رواد الفضاء ليست سهلة، وبالوقت نفسه يمكن لمعرفة المعلومات التي ذكرت في هذا المقال عن حياتهم أن تساعدنا في تقدير أهمية المياه على كوكبنا، وزيادة الوعي بعدم هدرها والحكمة في ترشيد استخدامها للأجيال القادمة.