توفّر المفارقات العلمية تناقضاً يتنافى مع اتساق العلم، لكن هذا التناقض الذي يتحدى المنطق والفهم والمسلّمات العلمية، يدفع العلماء نحو الأمام لاكتشاف السبب الكامن وراء هذه المفارقات، ما يساعد على تقدم العلوم.
11 مفارقة مشهورة تتحدى المسلّمات العلمية المختلفة
فيما يلي أهم المفارقات العلمية التي تتحدى التفكير العلمي، وتدعو إلى المزيد من التفكير والبحث:
مفارقة قطة شرودنغر
توضّح هذه التجربة الفكرية، التي اقترحها العالم إرفين شرودنغر عام 1935، مفهوم التراكب الكمي، وتتضمن قطة افتراضية توضع في صندوق مغلق به ذرة مشعة وعداد غايغر لقياس النشاط الإشعاعي ومطرقة وقارورة سم الهيدروسيانيك، إذا اضمحلت الذرة المشعة باتجاه عداد غايغر ستقع المطرقة وتكسر قارورة السم ما سيؤدي إلى قتل القطة، لكن التحلل لا يمكن ضمان موعده أو اتجاهه، فالقطة داخل الصندوق ستكون حية وميتة في الوقت ذاته، ولا يمكن التأكد من ذلك إلّا من خلال فتح الصندوق، والهدف من المفارقة هو الإشارة إلى الطبيعة الغريبة وغير القابلة للتنبؤ لميكانيكا الكم.
اقرأ أيضاً: كيف تضلل بعض الشركات المستهلكين بادعاء الاستناد إلى العلم؟
مفارقة التوأم
هي تجربة فكرية وضعها أينشتاين لتوضيح مفهوم تمدد الوقت في النظرية النسبية الخاصة من خلال قصة توائم، وتفترض المفارقة وجود توأمين، يترك أحد التوأمين الأرض ليرحل على متن صاروخ ويسافر بسرعة قريبة من سرعة الضوء، بينما يبقى التوأم الآخر على الأرض، وبهذا الشكل سيكون عمر التوأم على الصاروخ أقل من عمر التوأم على الأرض بسبب تمدد الزمن.
وتُعدُّ هذه القصة مفارقةً نظراً للنسبية؛ إذ يمر الزمن على مركبة التوأم الفضائية بشكلٍ أبطأ مما هو عليه على الأرض، لذا بعد العودة سيكون توأم الفضاء الذي عاد أصغر عمراً من الذي بقي على الأرض، لكن في النسبية ما يراه المراقب الأول على أنه يحدث للمراقب الثاني يراه الثاني على أنه يحدث للأول، لذا فالأخ الذي بقي على الأرض قد يكون الأصغر عندما يرى الوقت يمر بشكلٍ أسرع بالنسبة للتوأم في الفضاء، فكيف سيكون التوأم على الأرض أصغر وأكبر في الوقت نفسه، ومن هنا تنشأ المفارقة التي تتحدى مفهومنا عن الزمن والحركة.
مفارقة فيرمي
وألّفها الفيزيائي إنريكو فيرمي، وتناقش المفارقة الاحتمالية العالية لوجود حضارات خارج كوكب الأرض في الكون وعدم وجود أدلة أو تواصل لهذه الحضارات معنا، إذ لو كانت هناك كواكب صالحة للحياة، والكون كبير بما يكفي ليسمح إحصائياً بوجود حياة أخرى خارج كوكب الأرض ومجرتنا، لماذا لم نسمع منها أو نكتشف شيئاً عنها إلى اليوم؟
اقرأ أيضاً: إليك القصة الكاملة وراء الجدول الدوري لمندلييف وسبب عدم فوزه بنوبل
مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ
وهي نظرية أساسية في ميكانيكا الكم اقترحها العالم فيرنر هايزنبرغ، وتنصُّ على أنه من المستحيل معرفة الموقع الدقيق والسرعة الدقيقة (الزخم) لجسيم بالوقت نفسه، لأنه كلما قمت بقياس إحدى هذه القيم بدقة أكبر، قلت دقة معرفة الأخرى، ويتحدى هذا المبدأ مبادئ القياس المطلقة الكلاسيكية ويفيد في فهم طبيعة الواقع على المستوى الكمي.
مفارقات زينون
وهي سلسلة من الطروحات الفلسفية التي ابتكرها الفيلسوف زينون الإيلي في القرن الخامس قبل الميلاد، وتهدف إلى تحدي فكرة الحركة والمسافة. ومن أبرز مفارقات زينون مفارقة التقسيم، وتقول إنه ليسافر الشخص مسافة معينة، يجب عليه أولاً أن يقطع نصف تلك المسافة، ثم نصف المسافة المتبقية، وهكذا دواليك، ما يؤدي إلى عددٍ لا حصر له من الخطوات المتناهية في الصغر التي لا يمكن إكمالها أبداً، وتشكك هذه المفارقة في طبيعة المكان والزمان والحركة، ولكن وُضِحت هذه المفارقة بعد اكتشاف الصفر والنهايات والمتتاليات الحسابية.
مفارقة أولبرز
وتتساءل هذه المفارقة عن ظلمة السماء ليلاً على الرغم من وجود عددٍ هائلٍ من النجوم في مجرتنا والكون، فوجود النجوم المضيئة في الكون يجب أن يجعل السماء مشرقة بشكلٍ موحدٍ في الأوقات كلها، ووُجِد حلٌ لهذه المفارقة من خلال فهم توسع الكون ومعرفة أن الضوء القادم من النجوم البعيدة لم يحظَ بالوقت الكافي بعد للوصول إلينا بسبب البُعد الشاسع المُقدَّر بآلاف السنوات الضوئية وامتصاص الغبار الكوني لضوء النجوم.
اقرأ أيضاً: اليوم العالمي للعدد «باي»: ما هو ولماذا يتم الاحتفال به؟
مفارقة الجَد
وبهذه المفارقة يسافر الشخص عبر الزمن ويقتل جده قبل أن يولد والد المسافر عبر الزمن الذي قتل جده، ما يمنع ولادة المسافر عبر الزمن، وهذا يخلق تناقضاً منطقياً؛ إذ قتل الجد سيلغي وجود المسافر عبر الزمن من الأساس، فلن يتمكن من العودة بالزمن إلى الوراء لقتل جده ما يعني أن جده سينجب والده وبالتالي سينجب المسافر عبر الزمن وسيكون المسافر قادراً "فرضياً" على العودة بالزمن إلى الوراء لقتل جده.
تأثير مبيمبا
هي الظاهرة التي يمكن أن يتجمد فيها الماء الساخن بشكلٍ أسرع من الماء البارد في ظل ظروف معينة، ولا يزال سبب هذه الظاهرة غير معروف، وتتناول التفسيرات المحتملة لهذه الظاهرة خصائص التبخر والحمل الحراري والروابط الهيدروجينية في جزيئات الماء، وتندرج هذه المفارقة ضمن الترموديناميك.
المفارقة الهيدروستاتية
وهي ظاهرة علمية في ميكانيك الموائع، وتنصُّ على أن القوة التي يؤثّر بها المائع عند قاعدة الوعاء تعتمد على ارتفاع المائع، وليس على الكمية الإجمالية للمائع، أي يمكن للوعاء الطويل والرفيع أن يمارس فيه المائع ضغطاً على قاعدته أكبر من الضغط الذي يمارسه المائع على وعاء قصير وعريض يحتوي على الحجم نفسه من السائل.
مفارقة بيتو
لاحظ عالم الأحياء ريتشارد بيتو في السبعينيات أن الفئران لديها معدل إصابة بالسرطان أعلى بكثير من البشر، علماً أن البشر يمتلكون عدد خلايا أكثر بـ 1000 مرة من عدد الخلايا الموجودة لدى الفئران، والسرطان هو عبارة عن خلية من خلايا الجسم أصابتها طفرة واستمرت بالتكاثر خارج نطاق السيطرة، فمنطقياً كلما زاد حجم الكائن وعدد خلاياه سيزداد احتمال إصابته بالسرطان، لكن هذا لا يحدث، والمفارقة تستمر؛ فالحيتان الزرقاء أقل عرضة للإصابة بالسرطان من البشر، على الرغم من أنها تحتوي على عددٍ أكبر من الخلايا في أجسامها، ولا يزال السبب في ذلك غير معروف بعد.
اقرأ أيضاً: 5 معلومات طبية ليست سوى أساطير
مفارقة القيمة سي C
وتنصُّ على أن كمية الحمض النووي الموجود لدى الكائن الحي لا ترتبط بالضرورة بدرجة تعقيد هذا الكائن، فمثلاً تحتوي خلايا بعض السلمندر على حمض نووي أكثر بـ 40 مرة من الحمض النووي الموجود لدى البشر، علماً بأن الحمض النووي هو المادة الوراثية والتي تعبر عن الجينات التي تشغل وظائف الجسم المختلفة.
اعتُبر هذا الاختلاف تناقضاً بيولوجياً عام 1971 عندما اقترح العالم سي. أيه. توماس تسميته بمفارقة القيمة سي C، لكن بعد اكتشاف أن حجم الجينوم لا يعكس عدد الجينات الموجودة في خلايا حقيقيات النوى وأن الحمض النووي يحتوي على مناطق كثيرة غير مشفرة (الجينوم المظلم)، أي لا يتكون كله من جينات أصبحت المفارقة أوضح، لكن ما زالت المناطق غير المشفرة والتي تشكّل 98% من حجم الجينوم مفارقة بحد ذاتها.
أمّا بالنسبة لاسم المفارقة "القيمة سي (C)" فهو لا يدل سوى على كلمة الثابت (Constant) لكمية الحمض النووي ضمن الخلية الواحدة المقاسة بالبيكوغرام.
اقرأ أيضاً: كيف عززت المفارقات العلمية طريقة تفكير الإنسان؟ إليك أشهرها
لا تُعدُّ المفارقات معضلة تعوق التفكير، بل هذه المفارقات بأنواعها المختلفة سواء الفلسفية أو البيولوجية والرياضية، تشكّل الجسر الذي سوف يخطو عليه العلم للوصول إلى مرحلة أكثر تقدماً منه.