تنصح كبرى شركات شبكات الهواتف المحمولة في المملكة المتحدة، شركة "EE" البريطانية، الآباء بعدم منح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 11 سنة هواتف ذكية، وإعطائهم هواتف بسيطة تُتيح الرسائل النصية والمكالمات فقط؛ بهدف تعزيز "الرفاهية الرقمية" للأطفال. فمع الانتشار الواسع للتكنولوجيا والهواتف الذكية، قد يحتار العديد من الآباء والأمهات عند تحديد العمر الأمثل لمنح أطفالهم هاتفاً محمولاً. فهل يجب أن يكون ذلك في سن مبكرة لضمان تواصلهم الدائم مع العائلة؟ أم من الأفضل الانتظار حتى ينضجوا بما يكفي لفهم مسؤولية استخدام التكنولوجيا؟
دول تحظر الهواتف الذكية في مدارسها
قالت شركة "EE" إنه من الممكن أن يعطي الوالدان الهواتف الذكية لأطفالهم بين 11 و13 عاماً، لكن مع تقييد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. تأتي توصيات الشركة البريطانية بسبب تزايد المخاوف بشأن تأثير الهواتف الذكية في الصحة النفسية للأطفال وسلوكهم، واحتمال تعرضهم لمحتوى ضار من خلال تطبيقات منصات التواصل الاجتماعي، وتقييد نشاطاتهم البدنية والاجتماعية، ما جعل بعض البلدان مثل فرنسا وإيطاليا وهولندا، تحظر استخدام الهواتف الذكية في المدارس. ومع أن هناك تشريعات جديدة تهدف إلى حماية الأطفال من المحتوى الضار على الإنترنت، لكنها لن تدخل حيز التنفيذ حتى عام 2025.
اقرأ أيضاً: كيف تتسبب الفيديوهات القصيرة «الريلز» بأذى الأطفال؟ وكيف نساعدهم؟
انتشار الهواتف المحمولة بين الأطفال
تشير البيانات إلى أن نسبة كبيرة من الأطفال يحصلون على هواتفهم المحمولة في سن مبكرة. تظهر أبحاث هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية "أوفكوم"، التي نشرتها في أبريل/نيسان الماضي، أن ما يقرب من 25% من الأطفال بين 5 و7 سنوات يمتلكون هاتفاً ذكياً، وأن أكثر من نصف الأطفال دون 13 سنة يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من وجود القيود العمرية التي تحظر استخدام هذه المنصات لمن هو دون هذا السن.
بالإضافة إلى ذلك، وفقاً لتقرير صادر من مختبرات سابين Sapien Labs عام 2023، وهي منظمة بحثية غير ربحية، تجري مسحاً عالمياً سنوياً لفهم حالة الصحة العقلية، فإن 60% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و11 سنة يمتلكون هاتفاً محمولاً. وازدادت هذه النسبة إلى 80% بحلول 13 سنة. تعكس هذه الإحصائيات زيادة الاعتماد على الهواتف الذكية كوسيلة للتواصل والترفيه والتعليم.
المخاطر المرتبطة بالهواتف الذكية
على الرغم من أن للهواتف الذكية العديد من الفوائد، فلا يمكن تجاهل المخاطر التي تصاحبها. إذ قد لا يستطيع الأطفال في سن مبكرة التعامل مع المسؤوليات المرتبطة بامتلاك هاتف محمول، مثل إدارة الوقت، والحفاظ على الخصوصية، والتعامل مع المحتوى غير المناسب. كذلك، قد يتعرض الأطفال إلى التنمر الإلكتروني أو الاحتيال الرقمي.
أظهرت نتائج التقرير الذي نشرته مختبرات سابين أن الأطفال الذين حصلوا على هواتفهم في سن مبكرة (6 سنوات) كانوا أكثر عرضة لمعاناة مشكلات في الصحة النفسية، مثل زيادة مستويات التوتر والاكتئاب. في المقابل، كان الأطفال الذين حصلوا على الهواتف في سن 15 عاماً أو أكبر أقل عرضة إلى هذه المشكلات. ولذلك، طوّرت المنظمة مقياساً يُعرف بـ"حاصل الصحة العقلية" (Mental Health Quotient (MHQ)، يمكن عن طريقه تحديد مستوى صحة الشخص العقلية من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة، والحصول على تقرير بالنتائج، والتفسيرات، والتوصيات.
على الجانب الآخر، أظهرت دراسة نشرت في دورية ستانفورد ميديسين Stanford Medicine، أن الحصول على الهاتف المحمول في سن مبكرة (بين 10.7 و12.6 سنة) لم يرتبط بشكلٍ واضح بالتأثير السلبي في النوم، أو الأداء الأكاديمي، أو أعراض الاكتئاب. في الواقع، أكدت الدراسة أن توقيت الحصول على الهاتف يعتمد على مدى استعداد الطفل، وقدرته على تحمل المسؤولية، وأن الأمر يعود في نهاية المطاف إلى تقدير الوالدين لحالة ابنهما النفسية والاجتماعية.
اقرأ أيضاً: هل بإمكانك التحرّر من سيطرة هاتفك الذكي عليك؟
ما هو العمر الأنسب للحصول على هاتف محمول؟
بالنظر إلى النتائج المتباينة، لا يوجد عمر محدد يتفق عليه الخبراء. يقول الطبيب النفسي، أحمد ضبيع، في تصريحه إلى (بوبيولار ساينس-العلوم للعموم)، إن إعطاء الطفل هاتفاً ذكياً لا يرتبط بعمره، بقدر تعلقه بمستوى نضج الطفل، ومدى فهمه للقواعد واحتياطات الأمان، ومدى شعوره بالمسؤولية في استخدام الهاتف. فمثل هذه المعايير هي التي تحدد الموافقة على منحه هاتفاً ذكياً وعمره 10 سنوات، أو الانتظار حتى يبلغ 13 سنة، أو حتى أكثر من ذلك.
وفي السياق ذاته، تنصح "الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال" (American Academy of Pediatrics) بإجراء الاختبار المجاني الذي طوّرته الأكاديمية لمساعدة العائلات على تحديد مدى استعداد الطفل لاستخدام الهاتف المحمول، وتطوير عادات رقمية صحية، ويتضمن الاختبار أسئلة مثل:
- هل الطفل يتصرف بمسؤولية ويؤدي المهام المسندة إليه، مثل الواجبات المنزلية؟
- هل الطفل بحاجة إلى الهاتف من أجل سلامته؟
- هل يعتذر إذا جرح مشاعر صديق؟
- هل أنت كوالد مستعد لدعم الطفل؟
من جانبه، ينصح ضبيع بمنح الطفل في البداية هاتفاً محمولاً عادياً، لا يُتيح الدخول إلى شبكة الإنترنت، وإنما فقط للتواصل. ومن ثَمَّ؛ يمكن تدريجياً تغييره إلى هاتف محمول يحتوي على إمكانات إضافية أو هاتف ذكي. ويشير إلى فوائد برامج المتابعة التي تساعد الآباء على متابعة أولادهم الذين لديهم هواتف ذكية.
اقرأ أيضاً: 8 استخدامات مفيدة للأجهزة المحمولة القديمة
4 نصائح مهمة قبل إعطاء طفلك هاتفاً محمولاً
احرص على اتباع هذه التعليمات قبل منح طفلك هاتفاً:
- ناقش مع طفلك قواعد الأسرة وتوقعاتها بخصوص استخدام الهاتف. يمكن كتابة اتفاقية أو عقد لتحديد وقت استخدام الهاتف والكيفية، والأماكن التي يُسمح فيها باستخدام الهاتف، والتي لا يُسمح فيها بذلك مثل غرفة النوم، أو على مائدة الطعام، أو خلال وقت الدراسة. يجب أن يتعهد الطفل بالمسؤولية والاحترام، بما في ذلك مشاركة كلمة المرور مع الوالدين وإتاحة مراجعة الرسائل دورياً للتأكد من عدم تعرض الطفل إلى مشكلات مثل التنمر.
- ذكّر طفلك أن امتلاك الهاتف لا يعني بالضرورة السماح باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ويجب اتخاذ قرارات بشأن كل تطبيق على حدة.
- اضبط إعدادات الخصوصية والمحتوى وجهات الاتصال، واشرح لطفلك أهمية هذه التدابير لحمايته من المحتوى غير المناسب.
- تابع بانتظام استخدام طفلك الهاتف. إذا لاحظت تغيراً في نومه أو سلوكياته أو مزاجه العام، ناقش الحلول مع طفلك لتعديل سلوكه، وضمان استخدام الهاتف بطريقة صحية.
اقرأ أيضاً: كيف تستخدم الهاتف المحمول بشكل صحي وآمن؟
يمكن للهاتف المحمول أن يُعدّ وسيلة تعلم مفيدة، توفّر أدوات مثل التطبيقات التعليمية، والكتب الإلكترونية، والمصادر التعليمية عبر الإنترنت، التي يمكن أن تفيد الأطفال في سن المدرسة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يعزز الهاتف المحمول التواصل الاجتماعي بين الأطفال وأقرانهم. ويرجع القرار في النهاية إلى تقييم الوالدين احتياجات أبنائهما ومستوى نضجهم، مع الحفاظ على التواصل المستمر مع الأطفال حول استخدام التكنولوجيا، وتوفير الدعم والإرشاد المناسبين بشأن استخدام الهواتف المحمولة بطريقة مسؤولة وآمنة، ما يمكن أن يقلل المخاطر المحتملة، ويضمن استعداد الأطفال للتعامل مع التحديات التي قد يواجهونها في أثناء استخدام الهواتف المحمولة.