يستطيع العلماء تعلم الكثير عن الدماغ من دراسة الفئران التي تمارس ألعاب الفيديو. على وجه التحديد، فإن دراسة الفئران التي تمارس ألعاب الفيديو المعتمدة على الواقع الافتراضي ساعدت الباحثين على تحديد مواقع الأجزاء الدماغية المرتبطة التي تعتبر مسؤولة على الأرجح عن انتقاء المعلومات المستمدة من الخبرات اليومية التي تُخزّن في الذاكرة طويلة الأمد لدى البشر. على الرغم من الحاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات، يعتقد علماء الأعصاب بثقة أن هذه الأنشطة الترفيهية التي مارستها الفئران ساعدتهم في تحديد العمليات الدماغية الرئيسية والأجزاء المهمة من الدماغ المتعلقة بتشكيل الذاكرة.
الربط بين المدخلات والنتائج لتذكر الإشارات
أنشأ فريق من العلماء من جامعة روكفلر ممراً في الواقع الافتراضي وعرضوه على الفئران في أثناء جري هذه الحيوانات فوق كرة من الستيروفوم تدور بهدف التحكّم في الاتجاهات التي تتحرك فيها، وفصّل الباحثون النتائج في دراسة نُشرت بتاريخ 30 مارس/ آذار 2023 في مجلة سيل (Cell). تلقّت الفئران واحداً من 3 خيارات في نهاية هذه الرحلة الرقمية: الحصول على كمية كبيرة من المياه المحلاة من صنبور، أو الحصول على كمية صغيرة من المياه المحلاة، أونفخة صغيرة غير مؤلمة ولكنها مزعجة من الهواء على الوجه.
خلال كل رحلة عبر الممر، مهّدت الإشارات الحسية التي كانت على هيئة محفّزات بصرية وسمعية وعطرية للخيارات الثلاثة، وذلك بهدف تدريب الفئران تدريجياً على النتائج التي يجب أن تتوقعها في نهاية الرحلة عبر الممر.
اقرأ أيضاً: دراسة تربط بين حجم بؤبؤ العين ومعدل الذكاء فكيف ذلك؟
بمجرد أن تعلمت الفئران الربط بين الإشارات ونتيجة الرحلة، اختبر الفريق قدرتها على تذكر هذه الإشارات الخارجية على مدار عدة أسابيع. وفي هذه الفترة، أجرى العلماء التجارب من خلال تحفيز الحُصين والمهاد الأمامي لدى الفئران وتثبيطهما. يرتبط الحصين بعملية الاحتفاظ بالذاكرة (أي القدرة على تخزين المعلومات واستحضارها)، ولا يعتقد العلماء أن المهاد الأمامي له علاقة بالذاكرة.
استنتج الباحثون أن الحد من قدرات الحصين باستخدام تقنية تحمل اسم التثبيط الكيميائي الوراثي دفع الفئران لمواجهة صعوبات في تذكّر تفاصيل متاهة الواقع الافتراضي وتبعات القرارات التي اتخذتها حتى على المدى القصير، بينما وجدوا أن تثبيط المهاد الأمامي بالطريقة نفسها لا يؤدي إلى النتيجة نفسها. مع ذلك، أدّى تثبيط المهاد الأمامي إلى الحد من قدرة الفئران على تشكيل الذاكرة طويلة الأمد، كما تبيّن أن تحفيز هذا الجزء من الدماغ يزيد من قدرة الفئران على تشكيل هذه الذاكرة.
تحفيز المهاد ودوره في تشكل الذاكرة
وجد الباحثون أن النتائج كانت مثيرة للإعجاب تحديداً عندما يتعلق الأمر بحصول الفئران على كمية قليلة من المياه المحلاة، وهي مكافأة تنساها الفئران عادة بسرعة أكبر من سرعة نسيانها لمكافأة المياه المحلاة غير المحدودة. وجد الباحثون أن تحفيز المهاد ساعد الفئران على تذكر تجربة يفترض أن تكون أكثر قابلية لأن تُنسى.
اقرأ أيضاً: كيف يعزز فطر عرف الأسد وظائف الأعصاب والذاكرة؟
قال طالب الدراسات العليا في جامعة روكفلر والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، أندرو تودر (Andrew Toader)، في بيان صحفي: "كشفنا أجزاء مرتبطة في الدماغ ضرورية لتحديد الذكريات المهمة وكيفية انتقائها لتُختزن في الذاكرة الطويلة الأمد. بمجرد بدء الفئران تعلّم مهمة ما، يُجري المهاد عملية الاختيار هذه وينتقي الذكريات التي ستُرسّخ في القشرة الدماغية على المدى الطويل".
يأمل الباحثون في المستقبل أن يتمكنوا من تحديد ما إذا كانت العوامل مثل الأدرينالين أو الدوبامين تساعد المهاد على تخزين المعلومات واستحضارها. بالإضافة إلى ذلك، يأمل هؤلاء أن يكتشفوا ما إذا كانت عملية ترسيخ الذاكرة تحدث في فترة قصيرة أو تستمر مدى الحياة.