دراسة جديدة تسهم في تفسير الاختلافات في أطوال البشر

3 دقائق
https://www.popsci.com/uploads/2022/10/12/Depositphotos_189876784_XL-scaled.jpg?auto=webp

ليست لدى البشر القدرة على التحكم في طولهم. وتعتمد سمة الطول على عدد كبير من المورثات المتنوّعة. وجد بحث نُشر في عام 2020 أن عدد المورثات التي تفسّر الفروق في أطوال البشر يصل إلى 10 آلاف مورثة. واليوم، تعاون فريق خبراء علم المورثات الإحصائي الذي ألّف هذا البحث مع الاتحاد الدولي للدراسة الوراثية لسمات القياس البشري (اتحاد جاينت، GIANT اختصاراً) للبحث في المزيد من العوامل الوراثية التي تؤثر على الطول. 

المتحورات الوراثية المؤثرة على الطول

حدّث الباحثون حساباتهم الأوليّة من خلال إضافة 12111 متحوّراً وراثياً جديداً يؤثر على الطول، وذلك وفقاً للدراسة الجديدة التي نُشرت بتاريخ 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 في مجلة نيتشر. تعتبر الدراسة الجديدة أكبر دراسة ارتباط أجريت على مستوى الجينوم تخص طول البشر حتى الآن. وبيّنت أن المورثات المدروسة يمكن أن تفسّر نحو 40% في الاختلافات في الطول بين الأشخاص ذوي الأصول الأوروبية. 

تقول الأستاذة المساعدة لعلم الوراثة وعلوم الجينوم في كلية الطب في جامعة كيس وسترن ريزرف، ريبيكا دارا (Rebecca Darrah)، والتي لم تشارك في الدراسة الجديدة، إن وجود "مورثة أو مورّثتين أساسيتين" تتحكمان في بعض السمات مثل الطول أو الذكاء أو لون العيون، واللتان تحددان النتيجة النهائية هو أحد المفاهيم الخاطئة الشائعة. لكن في الواقع، تتفاعل العديد من المتغيرات الوراثية مع البيئة لتحديد هذه السمات. تقول دارا: "تبيّن هذه الدراسة المثيرة للإعجاب أن هناك أكثر من 12 ألف متحوّر وراثي مختلف يؤثر على الطول بين الجماعات الأوروبية"، وتضيف: "على الأرجح أن يكون عدد المتحوّرات التي تؤثر على سمات أكثر تعقيداً مثل الوزن أكبر بكثير".

ذكر مؤلفو الدراسة أن الطول يمثّل سمة نموذجية مناسبة للدراسة؛ إذ تقول كبيرة المحاضرين في علم الأحياء المحوسب في جامعة كوين ماري في لندن والمؤلفة المشاركة الرئيسية للدراسة الجديدة، إيريني مارولي (Eirini Marouli)، إن سمة الطول سهلة القياس. إن طول البالغين لا يتغير مع الوقت مثل الوزن أو مستوى الذكاء، كما أنه يعتبر سمة وراثية بامتياز. أي أن المورثات التي تؤثر على الطول تنتقل من الآباء إلى الأبناء في أغلب الحالات. مع ذلك، المورثات ليست العوامل الوحيدة التي تؤثر على الطول؛ إذ إن العوامل البيئية، مثل نقص البروتين في النظام الغذائي والإصابة ببعض الأمراض المعدية وممارسة التمارين الرياضية، تتفاعل أيضاً مع المورثات وتؤثر على نمو البشر بشكل عام. 

اقرأ أيضاً: أخيراً العلماء يتمكنون من كتابة تسلسل الجينوم البشري بالكامل

الحاجة إلى المزيد من الأبحاث والدراسات لحسم الأمر

بالتعاون مع اتحاد جاينت، قام فريق الباحثين بتوسيع مجموعة العينات المدروسة من 700 ألف شخص إلى 4.1 مليون شخص ثم إلى 5.4 مليون شخص، واستمدّوا البيانات من 281 دراسة. على عكس البحث الوراثي الذي أجري في عام 2020، والذي تم التركيز فيه على جينومات الأشخاص ذوي الأصول الأوروبية فقط، تضّمنت الدراسة الجديدة أكثر من مليون مشارك من ذوي الأصول شرق الآسيوية والأميركية الإسبانية (الهسبانيّة) والإفريقية وجنوب الآسيوية. مع ذلك، يذكر أن معظم النتائج تعود للأشخاص ذوي الأصول الأوروبية.

وجدت الدراسة بناءً على عينات الحمض النووي التي يبلغ عددها 5 ملايين عينة أنه يمكن تفسير الاختلافات في الطول بوجود 12111 من متعددات الأشكال وحيدة النوكليوتيد (وهي حالات يتم فيها استبدال أساس واحد في سلسلة الحمض النووي). تشكّل متعددات الأشكال هذه 21% من طول الجينوم المدروس. 

تتألف المادة الوراثية لدى البشر من مكونات مختلفة عن المورثات. توجد المتحوّرات الوراثية التي تم اكتشافها في الدراسة الجديدة والتي تؤثر على الطول في 7209 من الأجزاء غير المتقاطعة خارج المورثات. وتتضمن المتحورات البروتينات التي تتحكم بالطريقة التي يتم التعبير عن المورثات فيها. تقول دارا إنه نظراً لأن هذه البروتينات "مرتبطة بتغيرات أخرى أكثر دقّة على الأرجح"، فمن المحتمل أنها تفسّر تراوح أطوال معظم البشر (وجميع المشاركين في الدراسة) في مجال نموذجي. مع ذلك، تضيف دارا قائلةً إن التغيّرات الكبيرة في هذه الأجزاء، مثل الطفرات الوراثية، تساهم في الحالات الوراثية مثل فرط النمو أو القزامة على الأرجح.

اقرأ أيضاً: إتمام تسلسل الجينوم البشري: ما هي الفوائد المستقبلية التي ستُبنى على ذلك؟

متعددات الأشكال وحيدة النوكليوتيدات

بيّن بحث أجري على التوائم نُشر قبل البحث الذي نُشر في عام 2020، أن المورثات المدروسة يمكن أن تفسّر %80-60 من الاختلافات في الطول. وتنبأ مؤلفو هذا البحث أن المتحورات الوراثية يمكن أن تفسّر 50% من الاختلافات في الطول. وبالفعل، يمكن أن تفسّر متعددات الأشكال وحيدة النوكليوتيدات البالغ عددها 12111، والتي حددتها الدراسة الجديدة، الاختلافات في الطول لدى 40% من الأشخاص ذوي الأصول الأوروبية. مع ذلك، فسّرت هذه المتعددات 10-20% فقط من الاختلافات في الطول لدى الأشخاص ذوي الأصول غير الأوروبية. 

أشارت أستاذة علم الأوبئة الوراثي في كلية لندن الجامعية، كارولاين كوتشيباكر (Karoline Kuchenbaecker)، في مقال افتتاحي مرفق بالدراسة الجديدة إلى أنه على الرغم من أن حجم العينة في هذه الدراسة هائل، فإن انخفاض التنوع الجغرافي بين المشاركين الأوروبيين يمثّل أحد العيوب. على سبيل المثال، في حين أن الدراسة تضمّنت بيانات تعود لأشخاص من ذوي الأصول الإفريقية، بلغت نسبة المشاركين الإفريقيين 0.4% فقط. تجادل كوتشيباكر أنه نظراً لأن البيئة تؤثر على المورثات، من المرجح أن الدراسة لم تشمل تنوّع الأصول في القارة الإفريقية.

توافق مارولي على أن الدراسات المستقبلية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار تنوع أصول الجماعات غير الأوروبية؛ إذ تقول: "تعتبر زيادة عدد الأفراد ذوي الأصول غير الأوروبية أمراً بالغ الضرورة لتحسين دقة التنبؤ، كما أنها قد تساعدنا في اكتشاف المتحورات الوراثية التي تتفرد بها بعض الجماعات البشرية". وبفعل ذلك، يمكن أن يمنح فهم سمة الطول على المستوى الجينومي الأطباء القدرة على تشخيص الاضطرابات الوراثية التي تتسبب في تغيرات كبيرة في الطول وعلاجها.