سيطر فيروس كورونا على المشهد العلمي مرةً أخرى في عام 2021، وهو يستحق ذلك طبعاً وقد حصل الوباء على فقرتين في هذه القائمة من اختياراتنا لـ "أهم 10 أحداث علمية" لهذا العام. لكن هذا لا يعني أن الاكتشافات والإنجازات الرئيسية الأخرى كانت أقل أهمية، فهي تستحق المزيد من الاحتفاء كذلك. إذ حققت وكالة ناسا والشركات الخاصة إنجازاتٍ جديدة في الفضاء، واكتشف العلماء المزيد من المعلومات عن وجود البشر الأوائل، ووثق الباحثون كيف أثّر تغير المناخ على كل شيء من الشعاب المرجانية إلى الطيور، وظهرت بوادر علاجاتٍ جذرية للسكري والملاريا. إليك اختيارات بوبيولار ساينس - العلوم للعموم لأهم القصص العلمية لعام 2021.
يبدأ العام مع لقاح كوفيد: إنجازٌ تاريخي لكن يواجه عقبات
كانت أكبر قصة علمية عام 2021 هي أن العلماء طوروا لقاحين مضادين لفيروس كورونا يعملان بتقنية "الرنا المرسال" (mRNA) في وقتٍ قياسي. لكن أكبر قصة هذا العام فيما يتعلق بالوباء هي أن هذه اللقاحات التي طرحتها شركات "فايزر" و"مودرنا" و"جونسون أند جونسون"، لم تشق طريقها إلى نسبة كبيرة من السكان حول العالم.
أشار الخبراء إلى أن معدلات التطعيم تتأخر بسبب قلة الوعي المجتمعي وانتشار حملات التضليل. كما لم يكن من المفيد أن بعض الشخصيات العامة الشهيرة، مثل مغنية الراب نيكي ميناج، ومضيف البودكاست جو روغان في الولايات المتحدة، والمغنّيين راغب علامة وإليسا في المنطقة العربية، اختاروا عدم التطعيم وبناء نظريات المؤامرة حول اللقاح.
لحسن الحظ، بحلول نوفمبر/تشرين الثاني، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على منح لقاح فايزر للأطفال حتى سن الخامسة، ما يوفر حاجزاً آخر ضد انتشار المرض وانخفاض معدلات الإصابة. لكن هذا لا يعني بأي شكل انتهاء المشكلة، فمع زيادة الحالات مع انتشار متغير "أوميكرون" في جميع أنحاء العالم، تصبح زيادة الوعي بأهمية اللقاح، وتقويته بجرعاتٍ معززة أمراً بالغ الأهمية.
لكن جانباً آخر من المشكلة هو أنه في الكثير من الأماكن حول العالم، لم يتم منح السكان الوصول اللائق للقاح. إذ تلقى 8% فقط من الأفراد في البلدان منخفضة الدخل جرعة واحدة على الأقل من اللقاح، وذكر تقرير لمنظمة الصحة العالمية في إفريقيا هذا الخريف أن أقل من 10% من البلدان ستحقق هدف التطعيم المتمثل بحصول 40% على الأقل من مواطنيها على جرعتي اللقاح بحلول نهاية عام 2021. أما على الصعيد العالمي، فقد تم تطعيم أقل من 60% من السكان.
لذا، ستسمح الثغرات الموجودة في عمليات توفير اللقاح ضد الفيروس بالاستمرار في مقتل عدد كبير من الأفراد، والسماح ببيئة يمكن أن تظهر فيها متغيراتٍ خطيرة أخرى.
اقرأ أيضاً: لماذا لم تفز لقاحات كورونا بجائزة نوبل هذا العام رغم أهميتها؟
فبراير: عربة "بيرسيفيرانس" الجوالة وطائرتها تجوبان المريخ
خطَت وكالة ناسا خطوةً كبيرةً إلى الأمام في استكشاف الكوكب الأحمر بعد هبوط المسبار المتجول "بيرسيفيرانس" بسلام على المريخ في فبراير/شباط. كما جهز العلماء المركبة بطائرة هليكوبتر خفيفة الوزن سموها "إنجنيويتي" (Ingenuity) طارت بنجاح في الغلاف الجوي الرقيق للمريخ، وكذلك جهاز بحجم محمصة الخبز يُدعى "موكسي" (MOXIE) نجح في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى أكسجين، ومعدات أخرى في المركبة نجحت في جمع الصخور من أرضية الكوكب. جميع هذه الإنجازات ستساعد على فهم كوكب المريخ بشكلٍ أفضل، وكيفية البحث فيه في المستقبل، حيث سيعطي نجاح الرحلة العلماء أدلة حول كيفية بناء طائرات هليكوبتر أكبر تستطيع التحليق هناك، وسيساعد الحصول على الأكسجين العلماء على التوصل إلى خطط أكبر لأجهزة التحويل التي قد تلزم مستقبلاً فيما لو بدأنا بإنشاء المستعمرات، وستعود الصخور إلى الأرض لتحليلها عندما يتم جلبها في إحدى المهمات المستقبلية.
بالإضافة إلى الإنجازات التي حققتها مركبة "بيرسيفيرانس" الجوالة، حققت دول أخرى أيضاً مبادرات تاريخية في مجال الفضاء. إذ نجح مسبار "الأمل" الإماراتي في دخول مداره حول الكوكب ليدرس الغلاف الجوي للمريخ والطقس عليه. وهبطت مركبة "زورونج" (Zhurong) الجوالة الصينية على سطح المريخ في مايو/أيار لتستكشف جيولوجيا الكوكب وتبحث عن علامات تدل على وجود مياه. ومن خلال هذه المهام، يتعرف العلماء حول العالم على المزيد والمزيد عن شكل الكوكب الأحمر وكيف يمكننا استكشافه بشكلٍ أفضل، وربما بحضورهم الشخصي يوماً ما.
اقرأ أيضاً: على وشك الهبوط: تعرّف إلى أبرز مهام بيرسيفيرانس الجوالة على المريخ
اكتشاف "رجل التنين" في الربيع.. هل وجدنا نوعاً جديداً من البشر؟
توصّل العلماء إلى أن جمجمة «هاربين»؛ أكبر جماجم نوع الـ «هومو» البشري المعروفة، والمحفوظة في متحف علوم الأرض في جامعة هيبي جيو الصينية، تعود لنوعٍ بشريّ تم اكتشافه حديثاً أُطلق عليه «دراجون مان» والذي يعني رجل التنين، وتُشير النتائج المنشورة في ثلاث أوراقٍ بحثية نُشرت في دورية «ذا إنوفيشن»، إلى أن هذه السلالة المكتشفة قد تكون أقرب أقربائنا، ولديها القدرة على إعادة تشكيل فهمنا للتطور البشري.
تم اكتشاف الجمجمة في ثلاثينيات القرن الماضي في مدينة هاربين بمقاطعة هيلونغجيانغ في الصين، ويمكن لتلك الجمجمة الضخمة أن تحوي دماغاً يضاهي حجم دماغ الإنسان المعاصر؛ لكنها تحتوي على محجري عينين مربعين أكبر تقريباً منهما لدى الإنسان المعاصر، وحواف جبين سميكة، وفم عريض، وأسنان كبيرة الحجم.
يعتقد العلماء أن الجمجمة تعود لرجلٍ يبلغ من العمر نحو 50 عاماً، كان يعيش في بيئة مليئة بالغابات والسهول الفيضية كجزءٍ من مجتمع صغير. ومثل الإنسان العاقل؛ كان أفراد هذا المجتمع يصطادون الثدييات والطيور، ويجمعون الفواكه والخضروات، وربما يصطادون الأسماك.
بالنظر إلى الماضي؛ وجد الباحثون أيضاً أن إنسان دراجون مان هو أحد أقرب أقرباء أشباه البشر؛ بل إنه أقرب إلينا من إنسان نياندرتال -الإنسان البدائي- ؛ إذ يُعتقد على نطاقٍ واسع أن الإنسان البدائي ينتمي إلى سلالة منقرضة هي أقرب أقرباء نوعنا، ومع ذلك؛ يشير هذا الاكتشاف الحديث إلى أن السلالة الجديدة؛ والتي تشمل الإنسان الطويل، هي المجموعة الشقيقة الفعلية للإنسان العاقل.
إن النتائج التي تم جمعها من هذه الجمجمة لديها القدرة على إعادة كتابة العناصر الرئيسية للتطور البشري؛ إذ يشير تحليل الباحثين لتاريخ حياة الإنسان الطويل إلى أنهم كانوا بشراً أقوياء، وربما تكون تفاعلاتهم المحتملة مع الإنسان العاقل قد شكلت تاريخنا بدوره.
اقرأ أيضاً: رجل التنين: اكتشاف نوع بشري مجهول من أسلافنا
لم يحمل الصيف أخباراً حميدة: تغير المناخ يسبب الخراب في الشعاب المرجانية
قد تكون الكوارث الطبيعية المتزايدة -كحرائق الغابات والجفاف وموجات الحرارة- من أبرز الأحداث التي يحفّزها تغير المناخ، إذ ساعد ارتفاع درجة حرارة الأرض في تضاعف هذه الأحداث خمس مراتٍ عمّا كانت عليه قبل خمسين سنة، وذلك وفقاً لتقرير عام 2021 الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. لكن أحد أكبر التأثيرات التي أحدثها تغير المناخ على مدى العقد الماضي حدث تحت الماء.
يتسبب ارتفاع درجات الحرارة في جعل الشعاب المرجانية تتخلص من الطحالب التكافلية التي تساعدها على البقاء على قيد الحياة، ما يؤدي إلى موتها. وأعلن تقريرٌ من الشبكة العالمية لرصد الشعاب المرجانية هذا العام أن المحيطات فقدت نحو 14% من شعابها في العقد الذي تلا عام 2009، ويرجع ذلك غالباً إلى تغير المناخ.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أظهر بحثٌ جديد أن أقل من 2% فقط من الشعاب المرجانية الموجودة على الحاجز المرجاني العظيم -الأكبر من نوعه في العالم، والموجود في أستراليا- أفلت من التبييض منذ عام 1998. جاءت هذه الأخبار بعد شهرين فقط من دراسة مختلفة ذكرت أن نصف الشعاب المرجانية في العالم قد فُقدت منذ خمسينيات القرن الماضي، ويرجع ذلك جزئياً إلى تغير المناخ.
يؤثر انخفاض الشعاب المرجانية على مصايد الأسماك والاقتصادات المحلية القائمة على السياحة والتطورات الساحلية. ويقول العلماء إنه إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع، فإن الشعاب المرجانية في خطرٍ جسيم. ولكننا لم نفقد الأمل بعد؛ فإذا اتخذ البشر إجراءاتٍ للحد من انبعاثات الكربون بسرعة، سيكون للمزيد من الشعاب المرجانية فرصةً أفضل للبقاء على قيد الحياة.
اقرأ أيضاً: الحاجز المرجاني العظيم يفقد 50% من شعابه المرجانية
سباق السياحة الفضائية يشتعل في موسمه الصيفي
عام 2021، أكمل اثنان من المليارديرات العالميين بعثاتٍ ناجحة عزّزت أكثر من مجرد غرورهم، لقد وضعوا مجموعة من المدنيين في الفضاء. في أوائل شهر يوليو/تموز، طار الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون وموظفوه فوق حدود الفضاء -أي رحلة شبه مدارية- في أول رحلة تجارية بطاقم كامل لشركة "فيرجن غالاكتيك" (Virgin Galactic) التي يملكها برانسون. وبعد مرور أكثر من أسبوع على مهمة برانسون، أكمل أغنى شخص في العالم حينها، جيف بيزوس، أول رحلة طيران شبه مدارية تابعة لشركة "بلو أوريجين" (Blue Origin) مع أصغر وأكبر مسافر إلى الفضاء. وفي أكتوبر/تشرين الأول، كررت "بلو أوريجين" هذا الإنجاز عندما أخذت ويليام شاتنر، ممثل سلسلة "ستار تريك" (Star Trek) في رحلةٍ إلى الفضاء. وقبل ذلك بشهر، أصبح طاقم مكوّن من أربعة أفراد أول طاقم مدني يدور حول الأرض من الفضاء في كبسولة "سبيس إكس دراجون" (SpaceX Dragon) التي يملكها إيلون ماسك.
ويجري العمل على مبادرات أكثر طموحاً للمدنيين. ففي عام 2022، تخطط سبيس إكس لإرسال رائد فضاء متقاعد وثلاثة ركاب إلى محطة الفضاء الدولية. علاوةً على ذلك، أعلن بيزوس عن أمل شركته "بلو أوريجين" في إنشاء محطة فضاء خاصة تصلح لعشرة أشخاص تسمى "أوربيتال ريف" (Orbital Reef) في وقتٍ ما بين عامي 2025 و2030.
اقرأ أيضاً: برانسون طار في الفضاء: إليكم الفصل الأول من رحلات السياحة الفضائية
أكتوبر 2021: شهر موافقة منظمة الصحة العالمية على أول لقاح ضد الملاريا
في أكتوبر/تشرين الأول، وافقت منظمة الصحة العالمية على أول لقاح ضد الملاريا. ولم تكن هذه الموافقة الأولى فقط لهذا المرض، ولكن أيضاً لأي مرض طفيلي. لقد استغرق الأمر 30 عاماً في طور الإعداد للوصول إلى هذه اللحظة، حيث كلف "موسكيريكس" (Mosquirix) -الاسم التجاري للدواء- أكثر من 750 مليون دولار منذ عام 1987 لتطويره واختباره.
تقتل الملاريا ما يقرب من نصف مليون شخص سنوياً، بما في ذلك 260 ألف طفل دون سن الخامسة. ويعيش معظم هؤلاء الضحايا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويحارب اللقاح الجديد أخطر خمسة مسببات لمرض الملاريا وأكثرها انتشاراً في إفريقيا، ويتم إعطاؤه للأطفال دون سن الخامسة في سلسلة من أربع حقن.
هذا اللقاح ليس حلاً سحريّاً، إذ يمنع فقط نحو 30% من حالات الإصابة بالملاريا الحادة. لكن أظهرت إحدى الدراسات النموذجية أنه لا يزال من الممكن منع 5.4 مليون حالة إصابة و23 ألف حالة وفاة بين الأطفال دون سن الخامسة كل عام. ويقول الخبراء إن اللقاح هو أداة قيّمة يجب استخدامها بالاقتران مع الأساليب الحالية؛ مثل العلاجات المركبة من الأدوية والناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات، لمكافحة هذا المرض الفتاك.
اقرأ أيضاً: العلماء يبتكرون لقاحاً لمكافحة الملاريا هو الأكثر فعاليةً على الإطلاق
خريفٌ يحلّ على الكائنات: البشر يؤثرون على تطور الحيوانات
أظهر بحثٌ نُشر هذا العام أن البشر قد أثروا بشكلٍ مباشر وغير مباشر على كيفية تطور الحيوانات. وربما يكون أوضح مثال على تأثير البشر على التطور الحيواني هو دراسة نُشرت في دورية "ساينس" وجدت زيادة حادة في الأفيال الإفريقية عديمة الأنياب بعد سنوات من الصيد الجائر، فخلال الحرب الأهلية الموزمبيقية التي امتدّت من عام 1977 إلى عام 1992، قتل الصيادون عدداً كبيراً من الفيلة ذات الأنياب، لدرجة أن الإناث اللواتي لم يكن لديهنّ أسنان عاجية طويلة كن أكثر احتمالاً لنقل جيناتهن. فقبل الحرب، كان 20% منها بلا أنياب. أما الآن، ما يقرب من نصف إناث الأفيال عديمة الأنياب. بينما يموت الذكور الذين لديهم الطفرة الجينية لانعدام الأنياب قبل ولادتهم على الأرجح.
وقتل الحيوانات ليس الطريقة الوحيدة التي يؤثر بها البشر على التطور. إذ وجدت دراسة كبيرة نُشرت في دورية "اتجاهات في علم البيئة والتطور" أن الحيوانات تغير شكلها للتعامل مع ارتفاع درجات الحرارة. على سبيل المثال، نمت لخفافيش أجنحة أكبر وللأرانب آذاناً أطول على مدى فترات زمنية مختلفة؛ وكلاهما من المحتمل أن يبدد المزيد من الحرارة في الهواء المحيط. تم نشر المزيد من الأدلة على ذلك في وقتٍ لاحق من عام 2021 في دورية "ساينس أدفانسس". إذ أظهرت دراسة استمرت 40 عاماً على الطيور في رقعة نائية وسليمة من غابات الأمازون المطيرة أن 77 نوعاً كان وزنها أقل في المتوسط مما هو عليه الآن، وكان لدى العديد منها أجنحة أطول مما كانت عليه من قبل. وقال العلماء إن التغيرات حدثت على الأرجح بسبب ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات في هطول الأمطار.
الحبوب المضادة للفيروسات تحارب كوفيد-19 وتظهر نتائج واعدة
بعد عام تقريباً من إطلاق العلماء اختبارات تظهر نجاح لقاحات "الرنا المرسال" (mRNA) في مكافحة كوفيد-19، أصدرت شركة ميرك نتائج اختبارات مؤقتة واعدة من تجارب المرحلة السريرية الثالثة من حبوب مضادة للفيروسات. في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، قدمت شركة الأدوية العملاقة بيانات تشير إلى أن "مولنوبيرافير" -اسم الدواء- يمكن أن يخفض احتمال دخول المستشفى إلى النصف. وبعد عشرة أيام، قدمت الشركة النتائج إلى إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أمل الحصول على تصريحٍ للاستخدام الطارئ. وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، قفزت المملكة المتحدة قبل الولايات المتحدة ومنحت الموافقة على العلاج. وبحلول أواخر الشهر نفسه، أوصى مستشارو إدارة الغذاء والدواء الأميركية بإصدار إذن للاستخدام الطارئ للحبوب، على الرغم من أنه تبين آنذاك أنه يساعد في تقليل الوفيات أو المرض بنسبة 30 وليس 50 في المئة.
ولا يعتبر "مولنوبيرافير" الدواء الفيروسي الوحيد ذو النتائج الإيجابية، ففي نوفمبر/تشرين الثاني أيضاً، أعلنت شركة فايزر أن حبوبها المضادة للفيروسات، والتي تحمل اسم "باكسلوفيد"، كانت فعالة ضد إصابات كوفيد-19 الحادّة. وبحلول ديسمبر/كانون الأول، شاركت شركة الأدوية العملاقة النتائج النهائية التي تفيد بأن حبوبها قد قلّلت من خطر دخول المستشفى والوفاة بنسبة 88% على مجموعة اختبار رئيسية من المتطوعين.
كانت الأخبار عن كلا الدوائين موضع ترحيب، حيث من المتوقع أن تعمل ضد جميع تحوّرات الفيروس، بما في ذلك "أوميكرون". على الرغم من أن هذه العقاقير ليست خطوةً كبيرةً بقدر اللقاحات، لكن وصفها طبيب يكتب لصحيفة "نيويوركر" (New Yorker) بأنها "أهم تقدم دوائي ضد الوباء". وقد وافقت العديد من الدول الغنية بالفعل على عقود لشراء "مولنوبيرافير"، وتعهدت مؤسسة غيتس، التي يملكها بيل غيتس، بمبلغ 120 مليون دولار للمساعدة في إيصال هذه الحبوب إلى البلدان الفقيرة. وإذا تمت الموافقة على الأدوية المضادة للفيروسات عن طريق الفم وتوزيعها بالسرعة الكافية، فيمكن وصفها في أماكن مثل إفريقيا، حيث لا توجد لقاحات بما فيه الكفاية. إذ تمثل الحبوب أداةً مهمة أخرى في مكافحة كوفيد-19، بجانب الأقنعة واللقاحات.
اقرأ أيضاً: كيف يعمل مولنوبيرافير العلاج الجديد لكوفيد-19؟
50 عاماً من التجارب على الخلايا الجذعية تقود لأول حالة شفاء من السكري
أعلنت شركة فيرتكس الأميركية العاملة في مجال التكنولوجيا الحيوية في منتصف ديسمبر عن نجاح التجارب التي تخوضها لإيجاد علاج لمرض السكري من النوع الأول، وذلك باستخدام الخلايا الجذعية التي طورتها إلى خلايا بيتا المسؤولة عن إنتاج الأنسولين في البنكرياس، وقالت إن هذه التجارب أدت إلى أول حالة شفاء في العالم من هذا المرض.
لم يكن الأمر بسيطاً، وتطلب تحويل خلية جذعية إلى خلية بنكرياسية المرور بسلسلة من المراحل. كان التحدي يتمثل في معرفة تسلسل الرسائل الكيميائية (الإشارات) التي ستحول الخلايا الجذعية إلى خلايا بيتا تفرز الأنسولين. تضمّن العمل كشف التطور الطبيعي للبنكرياس، ومعرفة كيفية تكون جزر لانجرهانس في البنكرياس وإجراء تجارب لا نهاية لها لتوجيه الخلايا الجذعية الجنينية إلى تشكيل جزر لانجرهانس صغيرة.
استمرت التجارب لسنوات، وكان الباحثون يضعون صبغة في السائل الذي تنمو فيه الخلايا الجذعية. تُحوّل الصبغة لون السائل إلى الأزرق إذا صنّعت الخلايا الأنسولين. لم تنجح تجاربهم حتى عام 2014 حينما رأوا صدفةً مسحة زرقاء باهتة أصبحت أغمق وأكثر قتامة، كانت دليلاً على تشكل خلايا جزر لانجرهانس العاملة من الخلايا الجذعية الجنينية. نُشرت دراسة عن نتائج هذه التجربة في دورية "سيل" العلمية.
حينها علم الدكتور ميلتون أنه سيحتاج إلى المزيد من الموارد لصنع دواء يمكن أن يصل إلى السوق، لذا أسس شركة «سيمّا» (Semma) في عام 2014، وهي مزيج من اسميّ طفليه سام وإيما. كان هدف ميلتون معرفة كيفية زراعة خلايا جزر لانجرهانس «الخلايا الجزيرية» بكميات كبيرة بطريقة يمكن للآخرين تكرارها. وأجرى عدة تجارب على الفئران أدت إلى علاج السكري لديها.
من أجل تطبيق العلاج على البشر، كان ميلتون في حاجة إلى شركة أكبر وذات تمويل جيد وخبرة عالية. لذلك أعدَّ الوثائق وخطط للتجارب السريرية، وعرضها مع عينة من الخلايا الجزيرية على كبير المسؤولين العلميين في شركة «فيرتكس للأدوية» (Vertex Pharmaceuticals)، وهي شركة عالمية في مجال التكنولوجيا الحيوية تستثمر في الابتكار العلمي لإنشاء أدوية تحويلية للأشخاص المصابين بأمراض خطيرة.
استحوذت شركة فيرتكس على شركة سمّا، وأكمل ميلتون تجاربه معها. كان التحدي الذي يواجهه هو التأكد من نجاح عملية الإنتاج في كل مرة وأن الخلايا ستكون آمنة إذا تم حقنها في المرضى.
وفي عام 2019، سمحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية لشركة فيرتكس ببدء تجربة إكلينيكية شارك فيها 17 شخصاً مصاباً بالسكري من النوع الأول، وكانت الاختبار الأول لزراعة الخلايا الجزيرية المشتقة من الخلايا الجذعية.
في المقابل، اتخذت شركة تُدعى «فيا سايت» (ViaCyte) نهجاً مختلفاً قليلاً، فقد تمكّن الباحثون فيها من تحويل الخلايا الجذعية إلى خلايا سلف البنكرياس، ثم حقنوها مباشرة في الفئران المصابة بالسكري دون تحويل هذه الخلايا إلى خلايا جزيرية. على مدى 2-3 أشهر، نضجت الخلايا إلى خلايا جزيرية وبدأت الفئران التي تم تثبيط مناعتها في التحكم في مستويات السكر في الدم.
عند المقارنة بين الطريقتين، يعتقد ميلتون أن زرع خلايا متمايزة بالكامل سيوفر تحكماً أفضل في جرعة الخلايا التي يتلقاها الأشخاص. بينما زرع سلف الخلايا الجزيرية يتطلب الانتظار شهوراً حتى تظهر الخلايا الوظيفية، لكنها أكثر مرونة في إجراءات الزرع، وتصنيعها أسهل وأقل تكلفة. وتحديد أي الطريقتين أفضل يتطلب دراسات عملية، وقد أثبت ميلتون صحة اعتقاده لاحقاً، عندما أعلن عن أول حالة شفاء للسكري من النوع الأول الشهر الماضي، وذلك بعد 30 عاماً من إصابة طفله الرضيع بالمرض.
اقرأ أيضاً: 50 عاماً من التجارب على الخلايا الجذعية تقود لأول حالة شفاء من السكري
من غابات الأمازون إلى حافة الزمان: تلسكوب جيمس ويب الفضائي ينطلق بنجاح
بعد تأخيراتٍ في الإطلاق بلغت 14 عاماً، تسببت بها مشاكل تمويل وأعطالٌ فنية وسوء الأحوال الجوية وغيرها من العقبات، وتكاليف تجاوزت الـ 9 مليارات دولار، احتفلت ناسا هذا العام بعيد الميلاد 25 ديسمبر/كانون الأول على طريقتها الخاصة، وذلك بإطلاقها أحد أكبر مشاريعها وأكثرها طموحاً؛ تلسكوب جيمس ويب الفضائي، الوافد الجديد الثوري الذي طال انتظاره إلى مجموعة التلسكوبات الفضائية، الذي سيحكي لنا قصة لطالما وددنا سماعها، قصة نشأة الكون وتشكّل النجوم والمجرّات الأولى بُعيد الانفجار العظيم.
يأتي تسلكوب جيمس ويب ليخلف سلفه تلسكوب هابل الفضائي؛ المرصد البالغ من العمر 31 عاماً والمشهور بالتقاط صور مذهلة للكون. ويقول إريك سميث، عالم في برنامج ويب وكبير العلماء بقسم الفيزياء الفلكية بوكالة ناسا، إن ويب يتفادى نقاط ضعف سلفه، ويرصد في نطاق الأشعة تحت الحمراء، ولا يوجد تلسكوب مثل ويب حتى الآن.
التلسكوب الجديد هو تعاون مشترك بين وكالات الفضاء في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا. لذا، عندما ترى ويب يذهب إلى الفضاء، ترى القوة الكاملة للإبداع البشري، وتكامل جميع أنواع التخصصات التي تدفعه إلى هناك. تلسكوب جيمس ويب الفضائي هو أكثر التلسكوبات تعقيداً وقوة، والأكبر على الإطلاق.
سيشرع ويب في رحلة مدتها 29 يوماً إلى مداره الذي سيستقر فيه على بعد مليون ونصف كيلومتراً بعيداً عن الأرض؛ أي أربعة أضعاف المسافة بين الأرض والقمر تقريبًا، وهي أبعد نقطة يستقر فيها تلسكوب فضائي. بمجرد أن يصبح التلسكوب الفضائي جاهزًا للعمليات بعد ستة أشهر من الإطلاق، فإنه سيكشف عن الكون كما لم نره من قبل. ومن خلال رصده في نطاق الأشعة تحت الحمراء، سيكون جيمس ويب قادرًا على دراسة النجوم الأولى، والمجرات المبكرة، وحتى الأغلفة الجوية للكواكب خارج نظامنا الشمسي.
هذه الأداة الغريبة السابحة في الفضاء هي فريدة من نوعها بسبب إمكانياتها. أولاً، حجمه العملاق، مع مرآة أساسية يبلغ ارتفاعها 6.5 متراً وحاجب شمس بحجم ملعب تنس. ثانيًا، يرصد ويب الكون في نطاق الأشعة تحت الحمراء -أي المنطقة الموجودة في الطيف الكهرومغناطيسي ذات الأطوال الموجية الأطول قليلاً من الضوء المرئي-، ما يجعله التلسكوب الوحيد المتخصص بالأشعة تحت الحمراء في الفضاء الذي يمكنه رؤية مسافات طويلة. بينما أقرب منافسيه، تلسكوب هابل، يعمل بشكلٍ أساسي في المجال المرئي فقط، ولديه نطاق رؤية محدود بالأشعة تحت الحمراء.
اقرأ أيضاً: تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي سيتمكّن قريباً من البحث عن أول الفوتونات في الكون
تلسكوب جيمس ويب الفضائي هو أول تلسكوب من نوعه تماماً من حيث الحجم والحساسية ونطاق الطول الموجي، إذ تم بناؤه أساسًا لإحداث ثورة في علم الفلك. وبفضل قدراته، يتمتع العلماء بفرصة جيدة لرؤية شيء لم يروه من قبل. فهناك شيء لا نتوقعه قادمٌ لا محالة، وربما يكون ذلك الأكثر إثارةً في الأمر. ربما يكشف لنا عن ظاهرةٍ تقلب تمامًا النظريات الموجودة لدينا الآن حول الكون.