فقد الرجل الآيسلندي "فيليكس جريتارسون"، وهو كهربائي يبلغ من العمر 49 عاماً، ذراعيه في حادث عمل مروع في عام 1998، إذ تعرض للصعق الكهربائي نتيجة خطأ في تحديد مكان وجود العطل في أحد الأسلاك الكهربائية، ما أدى إلى لمسه للسلك الخاطئ، وتعرضه للصعق الكهربائي، ليسقط بعد ذلك من ارتفاع 32 قدماً ويكسر فقراته الظهرية السفلية.
لم يتذكر جريتارسون تفاصيل الحادث، حتّى لم يشعر بحروق ذراعيه وبألم الكسر أسفل ظهره، وإنما ذكر زملاؤه في العمل أنهم هرعوا وحملوه إلى نهر قريب لإطفاء النيران المتبقية ولوضع حروقه تحت الماء البارد.
دخل جريتارسون في غيبوبة استمرت ثلاثة أشهر، أُجريت له خلالها 54 عملية جراحية، وكان بتر ذراعيه من جذر الكتفين أحدها. كانت المضاعفات عظيمة إذ استمرت آلامه على الرغم من بتر الذراعين، الأمر الذي تطلب إحالته إلى مركز إعادة التأهيل حيث تم تقليل مسكناته بشكل تدريجي.
اقرأ أيضاً: لماذا توفي "ديفيد بينيت" المريض الذي أُجريت له أول عملية زرع لقلب خنزير؟
لم ينجح مركز إعادة التأهيل في التقليل من آلامه الانعكاسية
تحسن جريتارسون في البداية، إلا أنه سرعان ما أصبح يعتمد على مواد أخرى للتغلب على آلامه الانعكاسية التالية للبتر، ما تسبب في تعريضه لخطر إدمان المسكنات والمهدئات، والتي قد تُحدث أذية غير عكوسة في كبده.
شاهد جريتارسون إعلاناً على شاشة التلفاز عام 2007، أي بعد 9 سنوات من حادثه، لمحاضرة طبية في جامعة آيسلندا للجراح الفرنسي "جان ميشيل دوبرنارد" والذي اشتهر بإجراء أول عملية زرع يد ناجحة في عام 1998.
اقرأ أيضاً: المُسكّن الذي تحول لمُخدر شهير: كيف تتخلص من الترامادول؟
تواصل جريتارسون مع الجراح وكان جواب الطبيب دوبرنارد أن العمل الجراحي لزرع ذراعين وكتفيين ممكن، لكنه سيحتاج إلى الانتقال إلى فرنسا حيث يوجد فريقه الجراحي وأدواته. كما أن جريتارسون لم يكن قادراً على تحمل تكاليف العمل الجراحي لذلك أطلق حملة لجمع التبرعات في آيسلندا لمساعدته في تأمين مبلغ 200 ألف يورو.
كان المبلغ المالي مؤمناً بشكل كامل بحلول عام 2013، وانتقل جريتارسون وزوجته بعد ذلك من آيسلندا إلى ليون في فرنسا لتبدأ عملية البحث عن متبرع مناسب له. ليأتي الرد بعد 4 سنوات، إذ تلقى جريتارسون مكالمة هاتفية محتواها العثور على متبرع متوافق وذلك في 11 من يناير لعام 2021، وبذلك تم تحديد موعد العمل الجراحي في 12 يناير/كانون الثاني، وهو اليوم الموافق للذكرى 23 لحدوث الحادث المروع الذي أدى إلى فقدانه طرفيه.
اقرأ أيضاً: بعد قرن من الأبحاث: نجاح أول عملية زرع قلب خنزير في جسم إنسان
تفاصيل العمل الجراحي الرائد
تم العمل الجراحي في مستشفى إدوارد هيريوت الفرنسي، والذي استغرق 15 ساعة بالمجمل. تحدث الجراح دوبرنارد عن العمل الجراحي وأكد أنه تم الحرص على أن تكون الأطراف الجديدة حية، كما تم وصل الأعصاب والأربطة العضلية والأوعية الدموية بشكل صحيح وتحقق من حيوية الأنسجة بعد وصل الطرفين. ووضح دوبرنارد أن جريتارسون سيعاني بشكل طبيعي من آلام تالية للعمل الجراحي، إلا أن هذه الآلام ستتضاءل بشكل تدريجي مع العلاج الفيزيائي وإعادة التأهيل.
توقع الأطباء بشكل مبدئي أن الأعصاب ستنمو بمعدل ميلي متر واحد كل يوم، أي أن الإحساس سيصل إلى مرفقه خلال أقل من عام، وإلى يديه خلال عامين تقريباً. إلا أن تحسن وتعافي جريتارسون كان أسرع وأفضل من المتوقع. حيث بدأ الإحساس في العودة إلى راحتي يديه في أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول. وبدأ يلاحظ الشعور بحرارة الأشياء التي تلمس يديه، كما كان قادراً على التمييز فيما إذا كانت باردة أو ساخنة.
اقرأ أيضاً: اكتشاف رائد يحسن من فرص نجاح عمليات زراعة الأعضاء
بعد ذلك، بدأ يشعر حينها أن الوظيفة الحركية بدأت تعود ليديه، حيث أصبح قادراً على تحريك أصابعه، وقال جريتارسون: "إنها عملية تدريجية والإحساس مختلف قليلاً، إنها أعصاب مختلفة تماماً". كان الفريق الجراحي مذهولاً لرؤية جريتارسون وهو يحرك أصابع يديه خلال 9 أشهر، وهو ما كان متوقعاً خلال عامين.
واليوم، أصبح فيليكس جريتارسون قادراً على ممارسة الرياضة ورفع الأثقال في صالة الألعاب الرياضية، إذ أن دور الرياضة جوهري في تقوية العضلات وفي تعزيز نمو الأعصاب وتقويتها. كما استطاع جريتارسون احتضان حفيدتيه بعد سنوات من عدم المقدرة على ذلك. وصحيحٌ أن جريتارسون خسر حياته المهنية، إلا أنه وصف مسيرة حياته وانتظاره الطويل بكونها "قصة خيالية" وأن هنالك أمل دائماً.