أمراض المناعة الذاتية: عندما يبدأ جسمك في محاربتك

5 دقائق
أمراض المناعة الذاتية
Shutterstock.com/Kateryna Kon

يضم جسم الإنسان شبكةً معقدةً من الخلايا والأعضاء، وخلايا الدم التي تدافع عنه ضد العوامل الممرضة؛ مثل الفيروسات والبكتيريا وأي أنسجة خارجية ضارة، تُعرف بـ «جهاز المناعة»، وعندما يحدث خلل في هذا الجهاز المناعي، نصبح أمام أمراض متنوعة تُعرف باسم «أمراض المناعة الذاتية».

ما معنى أمراض المناعة الذاتية؟

مرض المناعة الذاتية هو حالة يهاجم فيها جهاز المناعة الجسم عن طريق الخطأ. يحمي الجهاز المناعي عادةً الجسم من العوامل الممرضة؛ مثل البكتيريا والفيروسات، هذه العوامل الممرضة والأنسجة الخارجية تحتوي على مستضدات، وعندما يقوم جهاز المناعة بعمله في حالته الطبيعية، فإنه ينتج أجساماً مضادةً تحارب وتدمر هذه المستضدات، فيقضي بالتالي على هذه المواد الضارة.

في بعض الحالات؛ قد يحدث اضطراب في جهاز المناعة، فيبدأ في مهاجمة الجسم وخلاياه السليمة عن طريق الخطأ. تستهدف بعض أمراض المناعة الذاتية عضواً واحداً فقط؛ مثل حالة داء السكري من النوع الأول؛ وفيها يهاجم جهاز المناعة البنكرياس، وفي أمراض أخرى؛ مثل الذئبة الحمامية، تؤثر على الجسم كله.

أنواع أمراض المناعة الذاتية

أمراض المناعة الذاتية
Shutterstock.com/Ralwell

تتسبب المناعة الذاتية في حدوث أكثر من 80 نوعاً معروفاً من أمراض المناعة الذاتية شائعة الحدوث، وأيضاً؛ الأمراض نادرة الحدوث. من أمراض المناعة الذاتية الآتي:

التهاب الغدة الدرقية «هاشيموتو»

فيه يهاجم جهاز المناعة خلايا الغدة الدرقية، ويسبب التهابها، وتتوقف الغدة عن إفراز هرموناتها، ويعد هذا المرض السبب الأكثر شيوعاً لقصور الغدة الدرقية.

مرض «جريفز»

يهاجم جهاز المناعة الغدة الدرقية؛ مما يؤدي إلى نموها، وفرط نشاطها، وإفراز المزيد من هرموناتها؛ مما يسبب بعض الأعراض؛ أبرزها: تضخم الغدة الدرقية، التوتر، انتفاخ العينين، وفقدان الوزن.

الذئبة الحمراء

لا يؤثر مرض الذئبة الحمراء على جهاز بعينه، وإنما من الممكن أن يصيب أي عضو في الجسم، ويظهر المرض بأشكال متنوعة؛ مثل أن يكون على هيئة طفح جلدي، والتهاب في الكلى، واضطرابات نفسية وعصبية.

التهاب المفاصل الروماتوئيدي

وفيه يهاجم جهاز المناعة المفاصل؛ مما يسبب التهابها، وزيادة سمك الأنسجة داخل المفاصل، ويترتب عليه تورم وألم المفاصل، وإذا لم يعالَج الالتهاب سريعاً، فإن الغضاريف والأنسجة التي تغطي العظام في المفاصل قد تتلف، وربما العظام نفسها.

مرض السكري من النوع الأول

يهاجم جهاز المناعة الخلايا المنتجة للأنسولين في البنكرياس؛ وهذا يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم.

أسباب الإصابة بأمراض المناعة الذاتية

أمراض المناعة الذاتية
Shutterstock.com/Kateryna Kon

سبب حدوث هذه الاضطرابات في جهاز المناعة غير معلوم على وجه الدقة؛ لكن هناك بعض الاقتراحات التي تفيد أن السبب قد يعود إلى أن بعض أنواع البكتيريا والفيروسات أو الأدوية، تُحدث تغييرات تعمل على إرباك جهاز المناعة؛ هنا لا يستطيع جهاز المناعة التفريق بين البكتيريا أو الفيروسات الضارة، وبين الأنسجة الطبيعية السليمة، فيبدأ بمحاربة الأنسجة السليمة، وعندئذٍ؛ يصاب الجسم بأمراض المناعة الذاتية، وقد تلعب عدة عوامل دوراً في الإصابة بأمراض المناعة الذاتية؛ منها:

الجنس

إن 75% من المصابين بأمراض المناعة الذاتية هم من النساء، وكثير منهن في سن الإنجاب، على سبيل المثال؛ يصيب التهاب المفاصل الروماتوئيدي النساء أكثر بـ 3 مرات من الرجال، وبالمقارنة مع الذكور؛ تبلغ نسبة النساء المصابات بمرض الذئبة الحمامية الجهازية 90%. على الرغم من وجود بعض أمراض المناعة الذاتية التي تصيب الرجال والنساء على حد سواء؛ إلا أنه لا يوجد أي منها يصيب الرجال بشكل أساسي، كما ثبت أن لانقطاع الطمث والحمل تأثير على أمراض المناعة الذاتية، وقد تلعب الهرمونات الأنثوية دوراً أساسياً في ذلك.

الوراثة

تنتشر أمراض المناعة الذاتية داخل العائلة الواحدة، كما أن بعض أمراض المناعة الذاتية أكثر انتشاراً في مجموعات سكانية معينة؛ وهذا ما دفع العلماء إلى القول بأن العوامل الوراثية لها دور في أمراض المناعة الذاتية. على سبيل المثال؛ يشيع مرض الذئبة عند النساء المنحدرات من أصل أمريكي، أكثر من النساء المنحدرات من أصل أفريقي وإسباني، ومن المثير للاهتمام أنه في حال وجود مرض مناعي ذاتي عند أحد أفراد العائلة؛ من غير الضروري أن يظهر نفس المرض عند أفراد العائلة الآخرين، فمثلاً؛ المرأة التي تعاني من التهاب المفاصل الروماتوئيدي، قد يظهر عند ابنتها مرض الذئبة. 

العوامل البيئية 

قد تلعب العوامل البيئية ونمط الحياة دوراً مهماً في تطور أمراض المناعة الذاتية، على سبيل المثال؛ يرتبط التدخين ارتباطاً وثيقاً بتطور التهاب المفاصل الروماتوئيدي وأمراض المناعة الذاتية الأخرى، كما أن أولئك الذين يعيشون في بيئة حضرية هم أكثر عرضةً للإصابة بأمراض المناعة الذاتية، بسبب التعرض لملوثات مختلفة، وقد يؤدي الهواء الملوث والمواد الكيميائية الموجودة في المدن إلى تهيج جهاز المناعة. 

الكائنات الحية الغريبة 

هذه الكائنات هي أي دخيل حيوي على جسم الإنسان؛ مثل البكتيريا، والمضادات الحيوية، لأنها لا تشكل جزءاً من النظام العادي، وتعد تلك الكائنات الحية الغريبة من العوامل البيئية التي تحفز الاستجابة للمناعة الذاتية.

توازن «ميكروبيوم الأمعاء»

تسمى الكائنات الحية الدقيقة المجتمعة في أمعاء الإنسان بـ «ميكروبيوم الأمعاء»، وهذه الكائنات الدقيقة مهمة لتطور الجهاز المناعي. يوفر ميكروبيوم الأمعاء وظيفةً مناعيةً للجسم؛ لكنه يدافع عن نفسه أيضاً ضد الجهاز المناعي الخاص بك، ويحدث هذا الدفاع نتيجة حدوث خلل في توازن الميكروبيوم بسبب العوامل البيئية أو الجينية.

بعض الأنظمة الغذائية

من المحتمَل أن يكون النظام الغذائي الغربي الغني بالدهون المشبعة والأملاح، مرتبطاً بمعدل زيادة الإصابة بأمراض المناعة الذاتية.

أعراض أمراض المناعة الذاتية

أمراض المناعة الذاتية
shutterstock.com/Flystock

تتشابه الأعراض المبكرة للعديد من أمراض المناعة الذاتية؛ وأبرزها:

  • الإعياء.
  • ألم في العضلات.
  • تورم واحمرار.
  • حمى خفيفة.
  • صعوبة في التركيز.
  • خدر ووخز في اليدين والقدمين.
  • تساقط الشعر.
  • الطفح الجلدي.

ويمكن أن يكون لكل مرض مختلف أعراضه الفريدة، على سبيل المثال؛ يتسبب مرض السكري من النوع الأول في العطش الشديد وفقدان الوزن والإرهاق، وبعض أمراض المناعة الذاتية؛ مثل الصدفية أو التهاب المفاصل الروماتوئيدي، قد تظهر أعراضها وتختفي.

أعراض أمراض المناعة الذاتية عند الأطفال

قد يعاني الطفل من أعراض غامضة تشير إلى مرض مناعي ذاتي؛ بما في ذلك:

  • التعب والإرهاق.
  • الحمى طويلة الأمد أو المتكررة.
  • الطفح الجلدي.
  • فقدان الوزن.
  • تورم أو تصلب أو ألم في المفاصل.

 أعراض أمراض المناعة الذاتية عند الكبار

يعاني الكبار من عدة أعراض أيضاً؛ نذكر منها:

  • الإعياء.
  • ألم وتورم في العضلات والأنسجة الضامة و / أو المفاصل.
  • ضعف عام.
  • طفح جلدي.
  • القرحة.
  • حمى خفيفة متكررة.
  • الدوخة.
  • صعوبة في التركيز.
  • خدر ووخز في اليدين والقدمين.
  • تورم الغدد.
  • آلام في البطن و / أو مشاكل في الجهاز الهضمي.

اقرأ أيضاً: هل يمكن تقوية الجهاز المناعي؟

الإناث أكثر عرضةً للإصابة بأمراض المناعة الذاتية

أمراض المناعة الذاتية
Shutterstock.com/ Agenturfotografin

تنتشر أمراض المناعة الذاتية بشكلٍ أكبر بين النساء، وتختلف شدة الأعراض والاستجابة للعلاج بين النساء والرجال، ويعود السبب في هذا إلى تأثير الهرمونات الجنسية، حيث تقوم هرمونات الأندروجينات الذكرية بدور وقائي، بينما يلعب هرمون الأستروجين الأنثوي كجاذب للعدوى الذاتية.

وفي دراسة أجريت عام 2016، لفحص الحالات المصابة بأمراض المناعة الذاتية، كانت النتيجة أن من بين 32 نوع من أمراض المناعة الذاتية، هيمنت النساء على 18 نوعاً، بنسبة إصابة 60% أكثر من الرجال.

أمراض المناعة الذاتية في فترة الحمل

يمكن للنساء المصابات بمرض من أمراض المناعة الذاتية أن يحملن ويلدن أطفالاً أصحاء؛ لكن هذا لا يمنع احتمال تعرض الأم والجنين للخطر حسب نوع المرض وشدته، وما قد يزيد الأمر سوءاً هو أن الأدوية المستخدَمة لعلاج بعض أمراض المناعة الذاتية غير آمنة للاستخدام في فترات الحمل، لذا؛ من الأفضل في جميع الأحوال استشارة الأطباء المختصين قبل اتخاذ قرار الحمل.

وتفيد دراسة علمية نُشرت عام 2009 في دورية «إيمانولوجيكال إنفزتيجيشن»، أن لأمراض المناعة الذاتية تأثيرات مختلفة على الحامل، فقد يحسن من الحالة الصحية لها إذا كانت مصابة بالتهاب المفاصل الروماتوئيدي؛ أما إذا كانت الأم الحامل مصابةً بمرض الذئبة، فقد تتفاقم الأعراض لديها.

ختاماً؛ جهاز المناعة قوي ويستطيع محاربة الجميع من أجلك؛ لكنه أيضاً قد يستخدم قوته ضدك لسبب غير معلوم.

المحتوى محمي