علاج تجريبي واعد ضد السرطان ينجح في معالجة مرض مناعي ذاتي

علاج تجريبي ضد السرطان ينجح في معالجة الأمراض المناعية الذاتية
رسم توضيحي لإحدى الخلايا التائية المعدّلة، التي تُستخدم في علاج كار تي. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمتلك كل شخص جهازاً مناعياً فريداً. إذ تعتمد استجابة الجهاز المناعي لمسببات الأمراض على العوامل الوراثية ونمط الحياة وعوامل أخرى. على الرغم من ذلك، تمتلك أجهزة المناعة البشرية السليمة جميعها خطاً دفاعياً أولياً: عندما تظهر جرثومة أو عدوى ما، تنطلق خلايا الدم البيضاء، التي تسمى الخلايا التائية، لمواجهة هذا الخطر.

لكن ماذا لو فشل نظام الدفاع الطبيعي في الجسم بالتصدي لهذه التهديدات؟ يمثل هذا السؤال واقع الأشخاص المصابين بأمراض المناعة الذاتية. لأسباب لم يتمكن العلماء من معرفتها بعد، يهاجم الجهاز المناعي خلايا الجسم السليمة عن طريق الخطأ، ويتعذر عليه التمييز بين الخلايا الصحية والخلايا المصابة بالعدوى. لا يوجد علاج واحد لأمراض المناعة الذاتية، لأن كل حالة قد تكون مختلفة عن الأخرى، لذلك، يجب الحصول على علاج مصمم خصيصاً وفقاً لاحتياجات المريض.

علاج أمراض المناعة الذاتية بمستقبلات المستضدات الخيمرية للخلايا التائية

تقدم تجربة سريرية تجريبية نهجاً جديداً لعلاج أمراض المناعة الذاتية. نشر مؤلفو البحث النتائج الأولية لدراستهم حول العلاج بمستقبلات المستضدات الخيمرية للخلايا التائية، الذي يسمى اختصاراً “كار تي” (CAR T)، في مجلة ذا لانسيت نيورولوجي (The Lancet Neurology) في الشهر الماضي، إذ تضمنت الدراسة تأثير هذا العلاج على نوع نادر من أمراض المناعة الذاتية، والذي يسمى الوهن العضلي الشديد (myasthenia gravis).

يعتمد الأطباء في علاج كار تي على تعديل الجهاز المناعي للمريض، بحيث يتمكن من تحديد بروتينات معينة على أسطح الخلايا ومهاجمتها وتدميرها. كان العلاج المعدّل آمناً للاستخدام، إذ تحسنت الأعراض لدى مجموعة مكونة من 14 شخصاً مصابين بهذه الحالة.

يقول اختصاصي الأورام العصبية والمدير الطبي الإقليمي لشبكة بروفيدنس جنوب كاليفورنيا (Providence Southern California) للرعاية الصحية، والذي لم يشارك في الدراسة، سانتوش كيسري (Santosh Kesari): “يمثل هذا النهج الجديد نقلة نوعية في مجال علاج اضطرابات المناعة الذاتية، وذلك من خلال استخدام طريقة علاج كار تي، بوصفها الطريقة الأحدث والأسهل والأكثر أماناً”. يعتقد كيسري أن هذه الدراسة مثيرة للاهتمام، لكنه يؤكد أن فهم الفائدة الحقيقية لهذا العلاج يعتمد على نتائج التجارب العشوائية المزدوجة التعمية، إذ كانت هذه الدراسة تجريبية فقط لاختبار مدى سلامة إعطاء هذا العلاج لهذه الفئة من المرضى.

اقرأ أيضاً: ما المكملات والفيتامينات التي يُنصح بتناولها بعد سن الثلاثين؟

علاج كار تي (CAR T)

يقول المشارك في الدراسة، الذي أصيب بالوهن العضلي الشديد منذ 14 عاماً، داني ديبيري (Danny DeBerry)، لموقع بوبيولار ساينس في بيان صحفي: “استعدت قدرتي على العمل والسفر بعد تلقي عدة جرعات. كما ذهبتُ مؤخراً في رحلة مع زوجتي، وتمكنت من ركوب الدراجة لمسافة 16 كيلومتراً تقريباً، أنا أتماثل للشفاء الآن، وأشعر أنني استعدت حيويتي التي كنت أشعر بها قبل 15 عاماً”.

تُستخدم هذه الطريقة العلاجية في الأساس لعلاج السرطان، إذ تساعد في إيقاف نمو الخلايا المسؤولة عن تكوين الأورام وانتشارها. على الرغم من فعالية علاج كار تي، لكنه لا يخلو من بعض الجوانب السلبية. إذ تتطلب العملية جمع الخلايا التائية وإزالتها من الجسم وتغيير الحمض النووي للخلايا في المختبر، ثم إعادة إدخالها مرة أخرى إلى جسم المريض.

قد تؤدي الخلايا التائية المعدّلة إلى زيادة نشاط الجهاز المناعي بصورة مفرطة، ما يؤدي إلى إفراز عدد كبير من المواد الكيميائية، التي تسمى السيتوكينات (cytokines)، في الدم. إذ يؤدي إفراز هذه المواد إلى تشكيل استجابة التهابية للعدوى أو السرطان، وإذا استمر الالتهاب لفترة طويلة، يمكن أن يسبب تلف الخلايا السليمة أيضاً، كما يمكن أن يؤدي علاج كار تي إلى حدوث مضاعفات عصبية كبيرة.

تجنب مضاعفات علاج كار تي

استخدمت الدراسة الحالية الحمض النووي الريبي (RNA) بدلاً من الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين (DNA) لتعديل الخلايا وراثياً بحيث تستمر لفترة محدودة، وبعد ذلك تتحلل الخلايا بشكل طبيعي في جسم المريض دون أن تسبب أي آثار جانبية. على عكس الخلايا التائية المعدّلة باستخدام الحمض النووي الريبي المنقوص الأوكسجين، والتي يمكن أن تعيش لفترة أطول، ما يؤدي إلى ظهور آثار جانبية سلبية.

في التجربة السريرية، عُدّلت خلايا الدم البيضاء للتعرف على مؤشر يسمى مستضد نضج الخلايا البائية (BCMA)، والذي يحفز الخلايا على إنتاج الأجسام المضادة. في حالة الوهن العضلي الشديد، تدمّر هذه الأجسام المضادة الأنسجة السليمة التي تربط الأعصاب والعضلات. يقول أستاذ علم الأعصاب في جامعة كارولاينا الشمالية في بلدة تشابل هيل (University of North Carolina at Chapel Hill)، والمؤلف الرئيسي للدراسة، جيمس هوارد (James Howard): “تظهر على الأشخاص المصابين بهذا المرض عدة علامات، مثل تدلي الجفون وضعف الذراعين أو الساقين، وفي الحالات الشديدة، يمكن أن يواجهوا صعوبة في التنفس أو البلع”.

اقرأ أيضاً: كار تي-سل: دواء «حي» لعلاج السرطان ساعد مريضين في التخلص من السرطان لعقد من الزمن

أعطى مؤلفو الدراسة 3 جرعات مختلفة من علاج كار تي لمعرفة أعلى جرعة يمكن أن يتحملها المرضى. ثم تلقّى كل شخص 6 جرعات من الجرعة الأعلى التي حُددت سابقاً. بعد المتابعة لمدة تراوحت بين 3 إلى 9 أشهر، ظهرت آثار جانبية طفيفة فقط عند تلقي الجرعة الأعلى. تضمنت أبرز الآثار الجانبية الخفيفة الصداع والغثيان والإقياء والحمى، لكن هذه الأعراض جميعها اختفت بعد 24 ساعة من تلقي آخر جرعة. لكنّ مؤلفي الدراسة لم يلاحظوا أي مؤشرات على الإصابة بالسمّيّة العصبية أو الإصابة بحالة التهابية تسمى “متلازمة إفراز السيتوكين” (cytokine release syndrome)، وهما من الآثار الجانبية الشديدة والشائعة الحدوث عند تلقي علاج كار تي التقليدي.

علاج لاضطرابات الجهاز المناعي

كانت هذه التجربة الصغيرة بغرض إثبات المفهوم فقط، إذ يتطلب تقييم الآثار الجانبية والتحسينات السريرية إجراء دراسة أكبر بكثير. حالياً، يجري مؤلفو الدراسة المرحلة الثانية من التجارب لتقييم فعالية العلاج على مجموعة أكبر من المشاركين. يقول هوارد: “بناءً على البيانات التي نجمعها، ربما نضع خططاً لإجراء تجارب بإشراف الجهات التنظيمية للحصول على الموافقة الرسمية على اعتماد العلاج”.

إذا أظهرت التجارب الإضافية نتائج إيجابية، فمن الممكن أن يستفيد الأشخاص المصابون بحالات أخرى غير السرطان، مثل اضطرابات الجهاز المناعي، من علاج كار تي التقليدي. لكن ثمة سؤال مهم يحتاج إلى الإجابة، وهو عدد المرات التي يحتاج فيها المرضى إلى تلقي هذا العلاج. نظراً لأن الخلايا، التي تُستخدم في هذا النوع من العلاج، تعيش لفترة زمنية محدودة، يجب تلقي أكثر من جرعة لتحقيق الفعالية المطلوبة.

يقول هوارد: “ستحدد التجارب المستقبلية، التي تشمل عدداً أكبر من المشاركين وتستمر لفترة أطول، مدى حاجة الشخص إلى تكرار العلاج. وعلى الرغم من ذلك، إذا تمكّنا من تحقيق نتائج تدوم لعدة سنوات، فسيكون ذلك بمثابة تحول جذري بالنسبة للأشخاص المصابين بأمراض المناعة الذاتية الذين قد يكتفون بتلقي العلاج مرة واحدة فقط سنوياً”.