حرائق الغابات الواسعة تؤثّر سلباً على الصحة العقلية لرجال الإطفاء

6 دقائق
حرائق الغابات
حقوق الصورة: برايدوف/ ديبوزيت فوتوز.

عندما شاركت «بلير لويس»، وهي عاملة في إطفاء حرائق الغابات تسكن في يوجين في ولاية أوريغون، في محاربة حريق في مونتانا، لم تتوقع أبداً أن يستغرق الأمر شهرين. تدوم مهام رجل الإطفاء النموذجية أسبوعين. ولكن طُلب منها مراراً وتكراراً البقاء حتى انقضاء 8 أسابيع مع 5 أيام من الراحة فقط. قالت لويس: «لم يتوقع أي منا أن يبقى هناك لفترة طويلة أو أن يبقى بعيداً عن المنزل أو العائلة لفترة طويلة».

خلال ذلك الوقت، عملت لويس 12 ساعة في اليوم. في إحدى المرات، أجبرتها ألسنة اللهب الزاحفة هي وطاقمها على صعود تل للوصول إلى منطقة آمنة حيث كانت ألسنة اللهب التي يبلغ ارتفاعها 36 متراً على بعد 121 متراً فقط منهم. شاهدت لويس ألسنة اللهب تجتاح إحدى المنازل، عاجزة عن فعل أي شيء حيال ذلك. لأول مرة في حياتها، كانت تكافح الحرائق في الواجهة بين الأراضي البرية والمناطق السكنية، وهي حالات ازداد عددها في السنوات الأخيرة بسبب عدد من العوامل: وجود عدد متزايد من المنازل المبنية بالقرب من الغابات، والسياسات المتعلقة بإدارة الغابات التي تركّز على إخماد الحرائق، وتغيّر المناخ. عندما عادت إلى يوجين في سبتمبر/أيلول، كانت مستنفدة تماماً.

كانت الأشهر التي أعقبت مهمّتها غريبة. لم تكن لويس متأكدة مما يجب أن تفعله بعد قضاء أسابيع وأسابيع من الإجهاد والتوتر المتواصلين، لذلك شغلت نفسها بالنوم وغسيل الملابس وقضاء الوقت مع كلبها. تغيرت مجموعتها الاجتماعية أيضاً، باستثناء أولئك الذين يعملون في إخماد الحرائق، لم يفهم أي من أصدقائها حقاً ما مرت به، حتى أن إحدى صداقاتها انتهت تماماً. بشكل عام، لويس في حالة جيدة، لكنها أدركت وقع هذا الموسم عليها.

اقرأ أيضاً: إذا كنت تسكن بالقرب منها: نصائح للوقاية من دخان حرائق الغابات

ازدياد فترات الحرائق أرهق عمال إطفاء حرائق الغابات

وقع أكثر من نصف أكبر 20 حريقاً في تاريخ ولاية كاليفورنيا و8 من أكبر 20 حريقاً في ولاية أوريغون في السنوات الـ 4 الماضية. ازداد عدد «أيام الطقس الحار» (عندما تتحد عوامل الهواء الساخن والجاف السريع لخلق الظروف المثالية لحرائق الغابات) عبر غرب الولايات المتحدة خلال العقود الـ 4 الماضية، وتضاعف 3 مرات في بعض الأماكن. ازداد عدد المنازل والمجتمعات التي أصبحت عرضة للحرائق، ما يضيف المزيد من الضغط على رجال الإطفاء، والذين يشعر بعضهم بالمسؤولية أو حتى بالذنب عندما يكونون غير قادرين على منع النيران من حرق المنازل والشركات. خلال حريقي «كار» و«كامب» في 2018، تلقى رجال الإطفاء مكالمات هاتفية من أشخاص محاصرين في منازلهم مع اقتحام النيران. تقول «باتريشيا أوبراين»، وهي عاملة سابقة في إطفاء حرائق الغابات، وأخصائية نفسية سريرية تسكن في بورتلاند، أوريغون: «لم نكن نشهد احتراق بلدات بأكملها في الماضي»، وتضيف: «أصبحت المخاطر أكبر اليوم».

مع اشتداد مواسم الحرائق، فإن الإجهاد المزمن المرتبط بالسيطرة عليها يضر بالصحة العقلية لرجال الإطفاء. كان موسم الحرائق يدوم لمدة 4 أشهر من العام، والآن، أصبح يستمر على مدار العام. قال رجل إطفاء للباحثين في دراسة نوعية أجريت عام 2019 حول الصحة العقلية لرجال إطفاء حرائق الغابات: «لا يمكنني الاسترخاء أبداً»، وأضاف: «نمضي 56 ساعة بدون نوم أثناء النوبة الأولى من الحريق، ما لا يؤدي إلى الإرهاق فحسب، بل إلى الارتياب. كنت أنام من قبل أثناء المهمّات، لكن الآن إذا نمت، فقد يموت أحد زملائي».

دراسة تلقي الضوء على الصحة النفسية لعمال إطفاء حرائق الغابات

البيانات المتعلقة برجال إطفاء حرائق الغابات محدودة، وهم الذين يكافحون حرائق الغابات بدلاً من الحرائق التي تحدث في المباني وغيرها من الأبنية من صنع الإنسان. لكن تشير بعض الأبحاث إلى أن معدلات القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة وتعاطي المخدرات أعلى بنسبة تتراوح بين ضعفين و 10 أضعاف بين رجال إطفاء الحرائق البرية مقارنة بعامة السكان. بينت نتائج دراسة أجريت عام 2018 ونشرت في دورية «أبحاث في الطب النفسي» أن رجال الإطفاء يعانون من أعلى معدلات من الانتحار مقارنة بأي مجموعة مهنية أخرى، وقد تكون هذه المعدلات أعلى بين رجال إطفاء الحرائق البرية. وجدت الدراسة، والتي حللت بيانات متعلقة بـ 1131 رجل إطفاء، أن 15% من رجال إطفاء الحرائق البرية حاولوا الانتحار، مقارنة بـ 4% من رجال الإطفاء الإنشائيين (الذين يعملون عادة في المناطق الحضرية أو السكنية).

غياب العدالة

بينما يعمل رجال الإطفاء الإنشائيين على مدار السنة، ويتقاضون راتباً، ويعودون إلى منازلهم ليلاً، يعتبر رجال إطفاء الحرائق البرية عمالاً موسميين، إذ أنهم يُوظّفون بموجب عقود، وقد يعملون مع طاقم مختلف كل موسم، كما أنهم يعملون لأسابيع في كل مهمة، ثم يعودون إلى المنزل عندما ينتهي الموسم. يقول «جيف ديل»، رجل إطفاء سابق ومؤسس منظّمة «فايرفايتر بيهيفيورال هيلث ألاينس»، والتي تقوم بتدريب المستشارين على كيفية العمل مع رجال الإطفاء الذين يستجيبون أولاً للحرائق، وتجمع البيانات عن حالات انتحار رجال الإطفاء، إن هؤلاء لا يتلقون الأجور خارج مواسم الحرائق.

المشاكل النفسية التي يواجهها عمال إطفاء حرائق الغابات

الجدول الزمني غير المنتظم يعني أن رجال الإطفاء يعملون في ظروف متطرفة. تقول «سوزان كونولي»، أخصائية العلاج في أريزونا والمتخصصة في اضطراب ما بعد الصدمة، إن هؤلاء يواجهون ضغوطاً شديدة تمتد لأسابيع إلى شهور في كل مرة، وغالباً ما تكون هذه ظروف حياة أو موت. وفقاً لكونولي، والتي شاركت في مؤتمرات لنقاش الصحة العقلية لرجال إطفاء الحرائق البرية، يمكن أن تسبب الأحداث المرعبة، مثل إعصار النار الذي حدث أثناء حريق كار أو اليوم الذي اشتعلت فيه النيران في بلدة «بارادايس»، الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة بالنسبة لبعض رجال الإطفاء.

تطلق كونولي اسم «الصدمات البالغة» على هذه الحالات. لكن الحالات المزمنة من الإجهاد الشديد، والتي تسميها كونولي «الصدمات العادية»، يمكن أن يكون لها آثار عقلية وجسدية طويلة الأمد. يُفعّل الإجهاد استجابة «الكر أو الفر» في الجسم، ويغمره بالأدرينالين والكورتيزول، وهما هرمونان يساعدان الجسم على الاستجابة للمواقف التي تهدد الحياة من خلال زيادة معدل ضربات القلب وزيادة معدّل استخلاص الطاقة من الغلوكوز. يقلل الكورتيزول أيضاً من نشاط الأجهزة التي لا يحتاجها الجسم عندما تكون الحياة في خطر، مثل الجهاز التناسلي والجهاز المناعي.

استجابة الكر أو الفر مفيدة على المدى القصير، وتقول كونولي: «لكن عندما تضطر إلى البقاء في ظروف مثل الحرب أو القتال، فهي تتسبب بإجهاد الجسم». عادة، يفترض أن يعود الجهاز العصبي نظير الودي، والذي يعمل على وقف استجابة الكر أو الفر، إلى نشاطه المعتاد، ويعيد الجسم إلى حالة الاستقرار. لكن يعتقد بعض الباحثين أنه عندما يستمر التوتر لفترة كافية، يمكن أن يتسبب بفرط نشاط الجهاز العصبي وإجهاده حتى الإنهاك.

وفقاً لكونولي، يعرّض تغيّر موسم الحرائق رجال الإطفاء إلى خطر أكبر، إذ تقول: «نحن الآن نشهد حرائق الغابات التي يمكن أن تستمر شهوراً دون انقطاع. هذه فترة طويلة للغاية من تفعيل استجابة الكر أو الفر».

تتدرّب «مارلين وولي»، وهي أخصائية علاجية تسكن في مدينة ريدينغ في ولاية كاليفورنيا، على العمل مع رجال إطفاء حرائق الغابات، وتتلقى الإحالات من «إدارة الغابات والحماية من الحرائق» في كاليفورنيا. شهدت وولي زيادة في عدد الإصابات الناجمة عن الصدمات النفسية البالغة. تقول وولي: «أصبحت هذه الحالات هي المسيطرة الآن». لا يزال العديد من عملائها الحاليين يتعافون من آثار الصدمات، مثل اضطراب ما بعد الصدمة، من حرائق كار وكامب المدمرة التي وقعت خلال موسم الحرائق المروع في كاليفورنيا عام 2018.

ترى وولي أن المزيد من عملائها يتقاعدون مبكراً وهم يعانون من إعاقات، غالباً بسبب الصدمة والإجهاد المزمن. إنها تفكر في رجال الإطفاء، بشكل عام، كمجموعة من الأشخاص الشغوفين بما يفعلونه. تقول وولي: «إنهم يعتقدون أنها أفضل وظيفة»، وتضيف: «والآن هم يقولون 'لا يمكننا تحمّل الإجهاد بعد الآن' و 'بدأ الأمر يؤثر على عائلاتنا وصحتنا'».

اقرأ أيضاً: حظر الهواتف المحمولة في مكان العمل قد يؤدي إلى تعريض الموظفين للخطر

تحرك واسع لتغيير الوضع

يطالب بعض رجال إطفاء حرائق الغابات بالتغيير. كتب رجل إطفال مجهول في عام 2020 رسالة مفتوحة إلى ممثلي الولايات يطلب فيها المزيد من الدعم وتحسين ظروف العمل. كتب رجل الإطفاء: «كثيراً ما نسمع المواطنين المحليين، أو المحطات الإخبارية، أو حكام الولايات أو أعضاء مجلس الشيوخ يقولون إننا 'أبطال'. لقد أجريت محادثات لا حصر لها مع زملائي من رجال الإطفاء مفادها أن هذه العبارات تبدو زائفة»، وأضاف: «أجورنا تتأخر كثيراً عن أجور رجال الإطفاء، كما أننا لا نتلقى أجراً مقابل عبء العمل المتزايد خلال مواسم الحرائق التي تصبح أطول».

طالب رجل الإطفاء بتوظيف الأطباء النفسيين في المقرات التي توجد في الغابات الوطنية، وبمنح إجازات مدفوعة في حالات الأمراض العقلية، وبزيادة الأجور، وبتوظيف رجال الإطفاء برواتب خارج موسم الحرائق».

يقول «مارك تايتوس»، رجل إطفاء سابق ترك المهنة منذ 10 سنوات بعد إصابته باضطراب ما بعد الصدمة والقلق، والاكتئاب الذي تطلّب دخول المستشفى: «لقد بدأ الرأي العام بالتغير». يتم جمع المزيد من البيانات حول الصحة العقلية لرجال الإطفاء ومعدّلات الانتحار بينهم. خصصت «مجموعة التنسيق الوطنية لحرائق الغابات» أسبوعاً وطنياً للوقاية من الانتحار في أوائل سبتمبر/أيلول، وعقدت إدارة الغابات والحماية من الحرائق في كاليفورنيا مؤخراً اجتماعاً سنوياً للسلامة مخصصاً للصحة العقلية فقط. يقول تيتوس إنه لا يزال هناك الكثير من الأمور التي يجب إنجازها، بينما يميل مجتمع مكافحة حرائق الغابات إلى تجنّب خوض نقاشات حول خطر الأمراض العقلية الذي يواجه رجال الإطفاء.

مع ذلك، أوبراين لديها أمل في المجتمع، وتقول: «إن العلاقة التي تربط رجال الإطفاء ببعضهم بعضاً قوية للغاية، فهم مجموعة من الأشخاص ذوي المهارات العالية والموهوبين والمرنين».

المحتوى محمي