لا يختلف اثنان على أن الحمية العالية المضمون من السكر والدهون تضر بالصحة، وآثارها السلبية مُثبتة، ولكن وعلى الرغم من الشعبية الكبيرة التي تحظى بها الحميات الخالية من الغلوتين أو تلك العالية البروتين التي تدّعي أنها تخدم الصحة، فلا يوجد دليل قاطع يُثبت أنها الأكثر صحة.
ومن الطبيعي أن تجد نفسك في حيرة من أمرك نظراً للترويج الذي لا نهاية له للفوائد الصحية المتعددة لهذه الحميات. لذا، أوردنا لك في المقال وجهة نظر العلم بهذا الخصوص.
مَن يحصد الفوائد العظمى للحمية الخالية من الغلوتين؟
الحمية الغذائية الخالية من الغلوتين هي علاج للمرضى المصابين بالداء الزلاقي الذين يشكّلون 1% من مجمل سكان الكرة الأرضية، كما أنها نظام غذائي مناسب للمصابين بالتحسس الغذائي أو متلازمة الأمعاء الهيوجة أو اضطرابات المعدة، وأثبتت فاعليتها في تحسين الحالة العامة لبعض مرضى التوحد ومرضى الألم العضلي الليفي. لكن في ظل وجود نسبة قليلة من هؤلاء المرضى حول العالم، لماذا تجاوزت مبيعات المنتجات الخالية من الغلوتين بما يقارب 7 مليارات دولار في عام 2020؟ فهل لهذه الحميات فوائد صحية حقاً تستحق كل هذا الضجيج؟
ما حقيقة فاعلية الحمية الخالية من البروتين لدى العامة؟
وعلى حد علمنا لا توجد دراسة أو بحث أو تجربة سريرية على حد علمنا تؤكد أن الالتزام بالحمية الخالية من الغلوتين يحسّن الصحة العامة لمَن لا يشكو من أي اضطراب صحي هضمي، على العكس قد يعزز الالتزام الطويل الأمد بها نقص بعض العناصر الغذائية مثل الألياف والحديد والكالسيوم والفيتامينات بما في ذلك الثيامين والريبوفلافين والنياسين وحمض الفوليك. ونتيجة لذلك، من الممكن أن تزيد الحمية الخالية من الغلوتين من خطر الإصابة ببعض الأمراض المزمنة بما في ذلك زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري النمط الثاني.
وأبعد من ذلك، يُقال إن الحميات الخالية من الغلوتين تُنقص الوزن لأنها تخلو من الأغذية الغنية بالكربوهيدرات، وهذا غير دقيق؛ حيث يؤدي الغلوتين دوراً كدور البروبيوتيك الذي يغذّي البكتيريا "الجيدة" في أجسامنا، كما يحفّز نشاطها، وعندما يغيب الغلوتين يغيب معه التوازن الصحي لبكتيريا الأمعاء، وهذا بدروه يؤدي إلى زيادة الوزن، بالإضافة إلى أن التوازن الميكروبي الصحي في الأمعاء عامل حماية ووقاية من طيفٍ واسعٍ من الأمراض مثل التهاب الأمعاء وسرطان القولون والمستقيم ومتلازمة القولون العصبي.
اقرأ أيضاً: الوجبات الخالية من الجلوتين غير مرتبطة فعلياً بمرض السكر
تناول المزيد من البروتين لا يعني بالضرورة بناء المزيد من العضلات
النظام الغذائي الذي يحتوي على نسبة عالية من البروتين لا يحدث فرقاً ملموساً في كتلة الجسم النحيل أو أداء العضلات أو الوظيفة البدنية عندما يُلتزم به وحده دون إرفاقه بالتمارين رياضية، أو حتى عند القيام بتمارين رياضية منخفضة الكثافة مثل المشي أو تسلق السلالم.
فعلى الرغم من أن البروتين هو الغذاء الرئيسي للعضلات، فإن دوره الرئيسي يتجلى في الحفاظ عليها والحد من تدهورها، ولا يتسبب بزيادة حجم العضلات إلا عند تناوله مع ممارسة تمارين رياضية ذات كثافة عالية أو رفع الأثقال. إذ أن التمارين القاسية تتسبب بتمزق الألياف العضلية جزئياً ما يساهم بدوره في تعزيز انتقال البروتين من مجرى الدم إلى مكان التمزق وتحفيز نمو الألياف العضلية بشكل أكبر.
ما المخاطر الصحية للأنظمة الغذائية العالية البروتين؟
بالنسبة لمعظم الأشخاص الأصحاء، فإن اتباع نظام غذائي غني بالبروتين لا يضر عموماً وذلك عند اتباعه فترة قصيرة، بل تساعد مثل هذه الأنظمة الغذائية على إنقاص الوزن عن طريق تعزيز الشعور بالشبع وتعزيز حرق الدهون، ولا تظهر المشكلات الصحية المرافقة للأنظمة الغذائية الغنية بالبروتين إلّا بعد الالتزام بها لفترة طويلة.
حيث تحد هذه الأنظمة من استهلاك الكربوهيدرات لدرجة أن الجسم لا يحصل على ما يكفيه من العناصر الغذائية أو الألياف، الأمر الذي يؤدي إلى طيفٍ من المشكلات الصحية على رأسها رائحة الفم الكريهة والصداع والإمساك، واضطراب توازن ميكروبيوم الأمعاء كما ذكرنا أعلاه.
من جهةٍ أخرى، يزيد بعض الأنظمة الغذائية الغنية باللحوم الحمراء واللحوم المُصنّعة ذات النسبة العالية من الدهون المُشبّعة من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية؛ إذ إنها ترفع من مستويات الكوليسترول الدهني المنخفض الكثافة الذي يُطلق عليه أيضاً اسم "الكوليسترول الضار".
إضافة إلى ذلك، يؤدي اتباع نظام غذائي غني بالبروتين إلى إجهاد الكليتين، لهذا السبب تكون لهذه الأنظمة مخاطر أكبر لدى مرضى الكليتين أو مرضى السكري على سبيل المثال ممن يعانون مضاعفات كلوية، عندئذ تضعف قدرة الجسم على التخلص من مخلفات البروتين التي تُفكك وتبقى في الجسم.
اقرأ أيضاً: كيف يحدد حمضك النووي اتجاهك في التغذية؟ دراسة حديثة تُجيب
إذاً، لا الحمية الخالية من الغلوتين ولا الأنظمة الغذائية عالية البروتين مناسبة للجميع، ولا شك أنها ذات فوائد متنوعة لمجموعة من الأفراد إلّا أن هذه الفوائد لا تُعمم، ويمكننا القول إن تطبيق هذه الأنظمة الغذائية لدى "من ليسوا بحاجة إليها" يكون ذا آثار سلبية تفوق تلك الآثار الإيجابية التي تُحصد منها.