إنه شهر رمضان، لقد حان هذا الوقت من العام مرة أخرى، ما يعني بالنسبة للمسلمين صيام شهر كامل عبر الامتناع عن الطعام والشراب من شروق الشمس حتى مغربها. قد يجد بعض الرياضيين صعوبة في المزج بين التمارين الرياضية والصيام، ولكن هذا لا يعني ضرورة توقف الرياضة، فكيف يمكن متابعة الرياضة في رمضان، وما هي الاعتبارات الغذائية الواجب مراعاتها؟
على المستوى الخلوي: كيف يؤثر الصيام في الجسم؟
يعد صيام رمضان نموذجاً مثالياً للصيام المتقطع؛ وهو نمط غذائي يحدد موعد الأكل وليس نوعه. حيث يعتمد نظام الصيام المتقطع على جملة التغييرات الخلوية والجزيئية التي تحدث في الجسم خلال الانقطاع لفترات طويلة عن الغذاء، وتكون سبباً في فوائده الصحية، ومنها:
- ارتفاع مستويات هرمون النمو البشري بمقدار خمسة أضعاف: وهو الهرمون المسؤول عن إصلاح الخلايا والتمثيل الغذائي، ويعزز نمو العضلات ويدعم أداءها خلال التمارين الرياضية.
- ارتفاع الحساسية للإنسولين: ما يقللّ من نسبته في الدم، وبالتالي يسهل الوصول إلى الدهون المخزنة لاستخدامها في إنتاج الطاقة.
- الإصلاح الخلوي: حيث تدخل الخلايا في عملية التهام ذاتي لإعادة تدوير العناصر الغذائية، والتخلص من البروتينات القديمة والمعطلة وظيفياً.
- تغييرات في التعبير الجيني للخلايا: ما يدعم صحة الجهاز العصبي.
اقرأ أيضاً: 3 طرق لاتباع حمية الصيام المتقطع بأمان
كيفية ممارسة الرياضة في رمضان والوقت الأمثل لها
يعد الغذاء الوقود اللازم لنستطيع ممارسة نشاطاتنا اليومية، حيث يحتوي الغذاء على ثلاثة مكونات رئيسية هي البروتينات والدهون والكربوهيدرات. يحول الجسم الكربوهيدرات إلى سكر الغلوكوز، ويخزنه على شكل بوليمر يُدعى "الغليكوجين"، هو مصدر الطاقة الرئيسي.
خلال فترة الصيام في رمضان، يستخدم الجسم مخزونه من الغليكوجين للحصول على الطاقة لأداء وظائفه اليومية، وهنا يكمن التحدي المتعلق بممارسة الرياضة في رمضان، إذ يعاني الجسم من نقص في مصادر الطاقة اللازمة لممارسة التمارين الرياضية، ويتحول إلى حرق الدهون بعد نفاد الغليكوجين. ولتحقيق أقصى استفادة من فقدان الدهون، يجب التوأمة بين نمط النظام الغذائي في صيام رمضان وبرنامج تمارين مخصص. إذاً، لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع، ولكن لممارسة الرياضة في رمضان يمكن اتباع النصائح التالية:
- لا تحاول بناء الكتلة العضلية: يساعد نظام الصيام في رمضان، والذي يتضمن ما يقارب 12- 16 ساعة صيام وفترة سماح بحدود 12- 8 ساعات في اليوم، على تقييد السعرات الحرارية التي يتناولها الجسم. لذلك، وفي ظل النقص الشديد بالسعرات الحرارية، لا يمكن بناء العضلات التي تحتاج إلى طاقة، ولكن يمكن فقدان كتلة الدهون الزائدة وفقدان الوزن للحصول على الطاقة.
- تمارين الكارديو (الهوائية) كالمشي أو ركوب الدراجة لمدة 30 دقيقة قبل الإفطار يساعد على نحت العضلات.
- تجنب ممارسة التمارين الرياضية في الليل أو قبل النوم لأنه يصيب بالقلق ويمنع النوم العميق، لذا فإن الوقت الأمثل لممارسة التمارين الرياضية في شهر رمضان يكون في الفترة الصباحية غالباً. وقد يفضل أخصائيو التغذية ممارسة التمارين الرياضية قبل وجبة الإفطار بحدود ساعتين من الزمن لتعزيز إفراز هرمون النمو الذي يساعد على حرق الدهون. أما بالنسبة للتمارين الرياضية الثقيلة كرفع الأثقال فيُفضل تأجيلها إلى ما بعد الإفطار.
اقرأ أيضاً: لكِ ولطفك: نصائح للمرأة الحامل في رمضان
النظام الغذائي المناسب لممارسة الرياضة في رمضان
وفقاً للمدرب الشخصي فيصل عبدالله، فلا يجب البدء بتمارين رياضية جديدة في شهر رمضان، ويمكن الاكتفاء بممارسة تمارين رياضية روتينية خفيفة، مع اتباع نظام غذائي مناسب لتزويد الجسم بالطاقة، ويتكون مما يلي:
- تجنب الأغذية المملحة والمعالجة: على سبيل المثال يساعد تقليل نسبة السكريات المكررة في رمضان على تنظيم مستويات الطاقة في الجسم. كما يساعد التخفيف من الأغذية المقلية والمالحة من المحافظة على ترطيب أطول خلال فترة الصيام، وتعويض الفاقد من الجسم بالتعرق خلال التمارين.
- المحافظة على الترطيب وشرب الماء بشكل معقول، حيث يحتاج الجسم لأداء التمارين الرياضية خلال الصيام إلى 2.5 لتراً من الماء، إلا أنه ليس من الممكن شربها مباشرة بعد الإفطار، لذا لا بد من توزيع الكمية على عدة فترات، بما يمنح الجسم الوقت الكافي لامتصاص المياه. وفي حال التمرين بعد الإفطار فيجب شرب المياه أثناء التمارين وبعدها.
- تعويض الجسم عن احتياجاته من الفيتامينات والعناصر الغذائية، بتناول المكملات وشرب العصائر أو الشاي مع الزنجبيل والكركم، وغيرها من المكونات ذات التأثير المضاد للأكسدة والمقوي لجهاز المناعة.
- تناول وجبة الإفطار باعتدال، والتركيز على العناصر الغذائية التالية:
- المكونات الغذائية الملونة والطبيعية، كالفواكه والخضروات، لغناها بمضادات الأكسدة.
- تناول الكربوهيدرات المعقدة والألياف، كالأرز والحبوب الكاملة والفول والعدس والبطاطا الحلوة لأنها بطيئة الهضم في الأمعاء، وتزود الجسم بالطاقة بشكل منتظم، بحيث تحافظ على نسبة ثابتة ومنتظمة للسكر في الدم.
- تناول الأطعمة الغنية بالبروتين كاللحوم الخالية من الدهون ومنتجات الألبان قليلة الدسم والبيض والبقوليات.
- تناول السكريات الطبيعية كالتمر أو الفاكهة المجففة لأنها مصدر غني بالطاقة، ما يؤدي لرفع نسبة السكر في الدم ويحد من الرغبة الشديدة في تناول الطعام. كما يعد التمر مصدراً غنياً بالبوتاسيوم الضروري لعمل العضلات والأعصاب.
اقرأ أيضاً: الصيام المتقطع: ما هي فوائده؟
نظام غذائي في رمضان لكمال الأجسام: صيانة العضلات بدلاً من فقدانها
بالنسبة للاعبي كمال الأجسام فإن رمضان ليس الوقت المناسب لبناء العضلات، فبعد انتهاء مخزون الطاقة من الغليكوجين يلجأ الجسم إلى الدهون وبروتينات العضلات للتزود بالطاقة. لذلك، حتى يحافظ لاعب كمال الأجسام على بنيته العضلية ويسعى لنموها عليه أن يجرب النظام الغذائي التالي:
- تناول نصف وجبة غنية بالكربوهيدرات المعقدة كالأرز والبطاطا على الإفطار، لسرعة تحولها إلى أدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP) وهو المركب الذي تُختزن فيه الطاقة، مقارنة بالبروتينات والدهون.
- شرب مخفوق البروتين بعد أداء تمارين كمال الأجسام، لترميم التمزقات العضلية الناتجة عن الانقباض خلال التمارين المكثفة.
- إدخال المزيد من البروتين والمواد الغذائية إلى الجسم من خلال تناول ألواح البروتين، كبديل لحلويات رمضان الغنية بالسكر.
- المحافظة على وجبة سحور غنية بالبروتين كالبيض والجبن.
- تناول بروتين الكازئين المستخرج من الحليب والغني بالأحماض الأمينية، لأنه يمنح القوة والقدرة على ممارسة المزيد من تمارين بناء الأجسام، بالإضافة إلى دوره في ترميم العضلات ليلاً.
بالإضافة للتحديات الذهنية التي يواجهها الصائمون خلال شهر رمضان، فهناك تحديات جسدية تتمثل بالجفاف وقلة النشاط وإجهاد الدورة الدموية. ومع ذلك، لا يجب التوقف عن ممارسة التمارين الرياضية بمختلف أنواعها، بتوجيهات ومتابعة الأخصائيين والمدربين.