الكمأة، مكون إضافي للأطباق يضفي عليها نكهة فريدة ورائحة مميزة. وبالنسبة للذواقة، تعد واحدة من أعظم الكنوز في فن الطهي، ويمكن وصفها بـ "ماس المطبخ" لتكلفتها الباهظة. فما هي الكمأة، وكيف تتشكل؟ وما سبب تكلفتها الباهظة؟
ما هي الكمأة؟
الكمأة هي أحد أنواع الفطور الصالحة للأكل والتي تنتمي لجنس الدرنة (Tuber). تنمو بشكل أساسي في المناطق المعتدلة، بما في ذلك منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.
يتنوع مذاق الكمأة وفقاً للمنطقة التي ينمو فيها، ولكن بشكل عام تمتاز جميعها بنكهة "الأومامي"، وهي المذاق اللذيذ أو اللحمي الذي يجعل لعابك يسيل. ويمكن وصفه بأنه ترابي، أو مسكي، أو بلوطي، أو جوزي.
تختلف الكمأة في الشكل عن باقي الفطريات ذات القبعة المستديرة، فهي تنمو تحت سطح الأرض، وذات شكل غير منظم وقشرة خشنة ومجعدة، مثل حبة بطاطا صغيرة. تظهر عينة منها نسيجاً لحمياً ذا لون بني معرق بالأبيض مع التقدم بالعمر.
كيف تتشكل الكماة؟
يتعايش فطر الكمأة مع بعض الأنواع الشجرية كالبلوط والبندق في علاقة تكافلية، حيث يشكل شبكة من الخيوط الفطرية (المايسليوم) حول جذور الأشجار، ليتزود منها بما تنتجه من نشويات وسكريات في عملية التمثيل الضوئي. في المقابل، يساعد الفطر الأشجار على امتصاص الماء والعناصر الغذائية الأخرى.
تنمو الكمأة في الطبيعة بشكل بري، ضمن مجال ضيق من الظروف البيئية. ومع ذلك، كثرت المحاولات في العقود الأخيرة لزراعة الكمأة خارج مناطقها التقليدية، ضمن مشاتل وبساتين متخصصة.
عموماً، تحتاج لشتاء معتدل الحرارة، وصيف دافئ وليس حاراً، ولا يناسبها الصقيع أو الجفاف. كما تحتاج لتوزع منتظم تقريباً للهطولات المطرية على مدار العام، إلا أن الرطوبة الزائدة قد تؤدي إلى إصابتها بالعفن. من حيث التربة، تفضل الكمأة التربة الطينية ذات المحتوى المتوازن من الرمل والطمي والطين، ودرجة حموضة ما بين (7.5-8.3).
اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن الأغذية العضوية الطبيعية؟ إليك أبرز فوائدها
أنواع الكمأة
يضم جنس الدرنية نحو 185 نوعاً من الفطور، والتي تتفاوت فيما بينها بالشكل واللون والحجم:
- الحجم: تتراوح أحجامها ما بين صغيرة مثل حبة البازلاء، إلى حجم برتقالة.
- الشكل: يمتاز بعضها بقشر خارجي متكتل وقلب رخامي، بينما تكون قشرة بعضها الآخر أكثر نعومة، وذات قلب أكثر صلابة.
- اللون: يتراوح لونها من العاجي إلى اللون العنابي والأسود الباهت.
عموماً، يوجد ثلاثة أنواع رئيسية من الكمأة هي الأكثر شيوعاً وانتشاراً، والتي تتفاوت في مواسم النمو ومتطلباتها الخاصة. وهي:
- الكمأة البيضاء (Tuber magnatum pico): هي الكمأة الإيطالية، وتمتاز بلون أصفر شاحب، ومذاق ثومي ذي نكهة لاذعة، وقد يشبهها البعض بالكراث. تعتبر الأغلى تكلفة، لأنها نادرة وقصيرة الموسم ولا يمكن تجميدها جيداً.
- الكمأة السوداء (Tuber melanosporum): تحمل اسم كمأة بيرجورد، أو الكمأة الفرنسية. تعد أقل تكلفة من الكمأة البيضاء، لأنها:
- أكثر شيوعاً وانتشاراً.
- مذاقها أقل نفاذية، حيث تمتاز بمذاق خشبي مع خلفية مرّة قليلاً.
- مدة صلاحية أطول وإمكانية التجميد.
- الكمأة العنابية (Tuber aestivum): تمتاز بلونها البني الداكن المحمر، ونكهة البندق. تُعرف بكمأة الخريف، لأنه الموسم الذي يتم حصادها فيه. وهي الأقل تكلفة بين أنواع الكمأة، بسبب مذاقها الخفيف.
اقرأ أيضاً: هوَسُ الطعام: لماذا الفرنسيون نحفاء؟
ما سبب التكلفة الباهظة الثمن للكمأة؟
اعتُبرت الكمأة تاريخياً طعاماً فاخراً للطبقة الاجتماعية الغنية لا يمكن لأي شخص تناوله. اليوم، تتراوح أسعار الكمأة الطازجة في أي مكان من 200 دولار إلى 10 آلاف دولار للكيلوغرام الواحد على مدار العام، حسب النوع والتوافر. تعزى هذه التكلفة الباهظة للكمأة إلى الأسباب التالية:
- لا يمكن زراعتها بسهولة: الكمأة ليست كباقي المحاصيل التي يمكن زراعتها أو حصادها بسهولة، فهي فطر بري يعتمد بشكل كبير على التأثيرات الخارجية مثل الظروف الجوية. عموماً، تفضل الكمأة المناطق المعتدلة، ذات النهار الدافئ والرطب، والليالي الباردة، ولا يناسبها الصقيع أو الجفاف. كما أنها تفضل أنواعاً شجرية محددة للنمو بجانبها، كالبلوط والبندق والصنوبر.
- موسم النمو الطويل: تمتاز الكمأة ببطء نموها، إذا قد تحتاج لفترة تتراوح ما بين 4-6 سنوات حتى تنضج.
- مدة صلاحيتها القصيرة: بمجرد أن تنضج ثمار الفطر، ويتم حصادها، تفقد قوتها بسرعة، حيث لا تدوم لأكثر من 7 -10 أيام. أما الرائحة، فتبدأ في التلاشي بمجرد حفر الكمأة.
- صعوبة الحصول عليها: عندما تنضج الكمأة فإنها تطلق رائحة كريهة، لكنها ليست قوية بما يكفي لتميزها أنوف البشر، لذا غالباً ما يتم اللجوء للحيوانات التي تمتلك حاسة شم قوية مثل الكلاب أو الخنازير للمساعدة على اكتشاف أماكنها.
- الخبرة: بعد أن يتم العثور على الكمأة، تبدأ عملية استخراجها وقطفها، وهي ليست بالعملية السهلة، والتي تحتاج لعمالة مكثفة وخبيرة، لحفر الأرض بعناية تجنباً لإتلاف الدرنات الرقيقة.
اقرأ أيضاً: كيف أختار النظام الغذائي المناسب لي؟
كيفية تحضير الكمأة
بمجرد قطف الكمأة، لديك نحو 10 أيام لاستخدامها قبل أن تبدأ بالتعفن:
- ابدأ بتنظيفها من التراب والأوساخ برفق.
- اقطع الأجزاء أو البقع المصابة.
- اشطف الكمأة برفق، ثم جففها.
- لف الكمأة بورق جاف، واحتفظ بها في الثلاجة إلى حين استخدامها.
- تجنب غلي الكمأة أو تجميدها لمحاولة إطالة مدة صلاحيتها، لأنها ستفقد نكتها وقوامها.
- قطّعها عند استخدامها إلى شرائح رفيعة وأضفها إلى الأطباق كلمسة نهائية، مثل البيض والمعكرونة واللحوم.
اقرأ أيضاً: 10 طرق لحفظ الأطعمة والفواكه من الفساد خارج البراد
فوائد الكمأة
ترتبط النكهة القوية والرائحة النفاذة للكمأة بمحتواها من المواد النشطة حيوياً، والتي تضيف لها مجموعة من الفوائد الصحية، بما في ذلك:
غنية بالمغذيات
قد تتفاوت نسب العناصر الغذائية في الكمأة باختلاف أنواعها، ومع ذلك فهي تمتلك ملفاً غذائياً غنياً. حيث أفادت الدراسة المنشورة في دورية الطب المبني على الأدلة والطب البديل (Evidence-Based Complementary and Alternative Medicine)، إلى أنه يمكن اعتبار الكمأة بروتيناً كاملاً لاحتوائها على الأحماض الأمينية الأساسية التسعة. بالإضافة إلى الكربوهيدرات والألياف والأحماض الدهنية المشبعة وغير المشبعة والمعادن والفيتامينات.
نسبة عالية من مضادات الأكسدة
تحتوي الكمأة على مضادات أكسدة يمكنها محاربة الجذور الحرة، مثل فيتامين سي، وحمض الغاليك، والليكوبين، وحمض الهوموجنتيسيك. بينت الدراسة المنشورة في دورية كيمياء الأغذية (Food Chemistry) أن محتوى الكمأة الفرنسية والإيطالية من مضادات الأكسدة يساعد في قتل الخلايا السرطانية وتقليل الالتهاب.
خصائص مضادة للبكتيريا
يمكن للكمأة أن تحارب نمو سلالات بكتيرية معينة، وفقاً لما أفاد به باحثون أردنيون في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، حيث أشار الباحثون في دراستهم المنشورة في دورية بحوث العلاج بالنباتات (Phytotherapy Research)، إلى أن مستخلص كمأة الصحراء ثبط نمو بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus) بنسبة 66%، ويمكن لهذه المكورات أن تسبب مجموعة واسعة من الأمراض لدى البشر.
كما وضحت دراسة أخرى لهم نشرت في المجلة الطبية السعودية (Saudi Medical Journal)، قدرة المستخلص ذاته في تقليل نمو بكتيريا الزائفة الزنجارية (Pseudomonas aeruginosa)، والتي تتميز بمقاومتها للمضادات الحيوية.
الوقاية من السرطان
بالإضافة إلى محتواها من المواد المضادة للأكسدة، تحتوي الكمأة أيضاً على:
- تريتربين.
- أحماض دهنية.
- فيتامينات.
- مواد نباتية قوية (فيتوسترولس) مثل مثل ستيغماستيرول وبيتا سيتوستيرول وسكوالين ولوبيول وحمض أوكتاديكاديونويك وحمض الأوليك.
حيث أفادت دراسة نشرت في دورية المجلة السعودية لعلوم الأحياء (Saudi Journal of Biological Sciences) بأن مواد الفيتوستيرول في مستخلص الكمأة العراقية (T. claveryi)، تمتلك خصائص مضادة لتكون الأوعية الجديدة، والتي تعمل على تغذية الخلايا السرطانية.
اقرأ أيضاً: ما الوجبات المصممة طبياً وكيف يمكن أن تؤثر على الصحة العامة والاقتصاد؟
إذاً، قد تبدو زراعة الكمأة، أو البحث عنها في البرية مشروعاً مربحاً، ولكن عليك ان تتمتع بالقليل من الصبر، والكثير من الخبرة. تذكر أن الكمأة مكون فاخر ويجب استخدامه باعتدال، إذ يكفي القليل منه لتدعيم الرائحة والنكهة.