من رمضان لدى المسلمين إلى كارفا شوت في التقاليد الهندية والصوم الكبير لدى المسيحيين، لقرون عديدة كان الصيام المتقطع جزءاً من الطقوس الدينية والثقافية لدى العديد من الحضارات. اليوم، وإلى جانب ارتباطاته الروحانية، يشيع انتشار الصيام المتقطع كنمط غذائي يوفّر العديد من الفوائد الصحية للجسم، بما في ذلك حرق الدهون وفقدان الوزن وما يرتبط بها من مشكلات صحية، فكيف يمكن للصيام المتقطع أن يساعد في حرق الدهون؟
ما هو الصيام المتقطع؟
وفقاً لعالم الأعصاب في جامعة جونز هوبكنز مارك ماتسون، والذي درس الصيام المتقطع لنحو 25 عاماً، طوّر الإنسان القديم جسمه ليكون قادراً على البقاء دون طعام لفترات طويلة قد تصل لأيام، إلا أنه قد فقد شيئاً من هذه القدرات خلال الخمسين عاماً الماضية. يقول ماتسون: "تعلّم الإنسان القديم البحث عن غذائه في الصيد والزراعة، لأن الغذاء لم يكن متوفراً بشكل دائم، فاستطاع الحفاظ على وزن وجسم صحي". منذ نحو نصف قرن، دخلت التكنولوجيا الحياة، فأصبح الطعام أكثر توافراً، وتنوعت وسائل الترفيه لتسيطر على معظم أوقاتنا، حتى بتنا نجلس ونتناول وجبات خفيفة طوال الوقت، فزادت نسبة الإصابة بالسمنة والأمراض المرتبطة بها حول العالم.
في الصيام المتقطع، تتم محاكاة النمط القديم لتناول الطعام، أي يتم تناول الطعام خلال مدة محددة في الصيام المتقطع، ثم الصوم عنه لعدد من الساعات أو حتى عدة أيام، بعبارة أخرى هو تجويع الجسم لفترات متقطعة ومتفاوتة في الزمن، فهو نمط غذائي يتعلق بوقت تناول الطعام وليس بنوعه. يمكن خلال فترة الصيام تناول وشرب المأكولات والمشروبات المنخفضة المحتوى بالسعرات الحرارية كالماء والقهوة والخضروات الورقية.
اقرأ أيضاً: بماذا يختلف الصيام المتقطع عن الصيام العادي؟
أنواع الصيام المتقطع
يوجد عدة أنواع للصيام المتقطع وفقاً لفترة الانقطاع عن الطعام، ومنها:
-
الصيام لمدة 12 ساعة في اليوم: صيام المبتدئين
لمَن يجرّب الصيام المتقطع لأول مرة يمكن اتباع خطة الصوم 12 ساعة، أي بتخطي وجبة أو بحيث يكون معظم فترة الصيام خلال فترة النوم. على سبيل المثال، يمكن اختيار الصوم من الساعة الـ7 مساءً حتى الـ7 صباحاً.
-
الصيام لمدة 16 ساعة
هو النمط المتّبع لخسارة الوزن بشكل أساسي، حيث يصوم الرجال خلالها لمدة 16 ساعات، تليها فترة سماح لنحو 8 ساعات، بينما تصوم النساء لمدة 14 ساعة ثم فترة سماح لنحو 10 ساعات. على سبيل المثال، يمكن تناول وجبة عشاء في الساعة الـ8 ثم الانقطاع عن الطعام حتى وجبة الغداء في اليوم التالي، أي بتخطي وجبة الفطور.
-
الصيام ليومين في الأسبوع (2:5)
في هذا النمط يقيد الأفراد السعرات الحرارية لمدة يومين كاملين، متتالين أو منفصلين، ثم فترة سماح لمدة 5 أيام من الطعام الصحي، بحيث يستهلك الرجال نحو 600 سعرة حرارية خلال يومي الصيام، وتستهلك النساء 500 سعرة حرارية.
-
صيام اليوم البديل
في نمط الصيام البديل يمكنك الصيام يوماً كاملاً، ثم تأكل ما تريد في اليوم التالي، بحيث لا تتجاوز كمية السعرات الحرارية في يوم الصيام 55 سعرة حرارية.
-
حمية المحارب
في نظام صيام المحارب تصل فترة الصيام إلى نحو 20 ساعة، تليها فترة سماح لنحو 4 ساعات يمكن خلالها تناول وجبة كبيرة من الطعام الصحي الغني بالبروتينات والدهون الصحية وبعض الكربوهيدرات المفيدة.
اقرأ أيضاً: 3 طرق لاتباع حمية الصيام المتقطع بأمان
كيف يحرق الصيام المتقطع الدهون؟
في الصيام المتقطع، وخلال فترة تقييد السعرات الحرارية والامتناع عن تناول الطعام، تستخدم خلايا الجسم مخزونها من سكر الغلوكوز من آخر وجبة طعام تناولها الجسم، وبعد نفاده يتحول الجسم نحو مخزونه من الدهون كمصدر بديل للطاقة، هذا ما يُعرف بالتحول الأيضي، أو الحالة الكيتوزية.
أثناء الكيتوزية تنخفض نسبة هرمون الإنسولين الذي ينظّم نسبة السكر في الدم، ما يؤدي إلى إطلاق الأحماض الدهنية من مخازن الدهون في الجسم. تنتقل الأحماض الدهنية مع الدم إلى الكبد حيث تتأكسد إلى بيتا هيدروكسي بوتيرات، وهي الكيتونات أو الأجسام الكيتونية، والتي تُستخدم كمصدر للطاقة عوضاً عن الغلوكوز. بمتابعة الصيام المتقطع يخسر الجسم مخزونه من الدهون، ما ينتج عنه فقدان في الوزن، وتقليل خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالسمنة.
اقرأ أيضاً: الصوم المتقطع: حيلة خسارة الوزن التي ستغير حياتك!
فوائد الصيام المتقطع
يترافق الصيام المتقطع مع حرق الدهون وانخفاض في الوزن، وهو ما تنتج عنه مجموعة من الفوائد الصحية بما في ذلك:
- انخفاض مقاومة الإنسولين: ترتبط مقاومة الإنسولين بارتفاع نسبة السكر في الدم والإصابة بمرض السكري من النوع 2، إلا أن الصيام المتقطع يساعد على ضبط مستويات السكر في الدم، ما يقلل من خطر الإصابة بالسكري من النوع 2.
- تقليل الالتهاب: يساعد الصيام المقطع وتقييد السعرات الحرارية في تقليل مستويات الالتهابات، حيث تعد الالتهابات المسبب الرئيسي للإصابة بالأمراض في الجسم، كالإجهاد التأكسدي الذي ينتج عن مهاجمة الجذور الحرة للجزيئات في الخلايا كالبروتينات والحمض النووي وإتلافها، مسبباً أمراض الشيخوخة والسرطانات.
- يعزز صحة القلب: يساعد الصيام المتقطع على دعم صحة القلب والأوعية الدموية من خلال ما يلي:
- انخفاض مستويات الإنسولين في الدم.
- انخفاض مستوى الدهون الثلاثية.
- تراجع نسبة السكر في الدم.
- انخفاض ضغط الدم الانقباضي.
- خفض نسبة الكوليسترول الضار في الجسم.
- يعزز صحة الدماغ ووظائفه: يمكن لانخفاض مستويات الكوليسترول الضار وخفض ضغط الدم الانقباضي أن يحمي من الإصابة بالسكتات الدماغية. بالإضافة إلى ذلك يمكن للصيام المتقطع أن يعزز الوظائف الإدراكية والتركيز ويحمي من الإصابة بالاضطرابات العصبية.
- شفاء الجسم: خلال الصيام المتقطع يُمنح الجسم الفرصة لإزالة السموم والنفايات وتدوير الخلايا التالفة، ضمن ما يُعرف بعملية الالتهام الذاتي.
- تحسين النوم: يمكن للصيام المتقطع أن ينظّم عمل ساعتك البيولوجية، ويحدد أنماط النوم، ما يعني نوماً هادئاً بحيث تشعر بالانتعاش بعد الاستيقاظ.
اقرأ أيضاً: ما فوائد الصيام المتقطع وما طرق تطبيقه؟
إذاً، فالصيام المتقطع ليس نظاماً غذائياً تقليدياً، بل هو نمط غذائي وطريقة شائعة لحرق الدهون وفقدان الوزن، إلا أن فوائده تتعدى ذلك، إذ يمكن له أن يكون وسيلة لعيش حياة أطول وأكثر صحة.