يلزم نهج متخصص لفهم العلاقة المعقدة بين تأثر معدل الاستقلاب بالطعام، إذ لا يتأثر معدل الاستقلاب بكمية الطعام المتناولة وحسب، وإنما بتوقيت تناوله أيضاً، حيث يختلف تفاعل الجسم مع تناول حصة متوسطة من الكربوهيدرات ليلاً عنه إن أُكلت في الصباح، والعامل الحاسم الذي يؤثّر في هذا التفاعل هو الهرمونات التي ترتبط بالساعة البيولوجية.
وما أكد ذلك كان ملخص البحث الذي ترأسه الطبيب أحمد با همام، الطبيب والباحث المختص في اضطرابات النوم من جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية، الذي نص على أن الساعة البيولوجية تؤدي دوراً في القرار إن كان الوقت مناسباً لتناول الطعام أم لا، لوجود تفاعل معقد بين ارتباط عمل خلايا الأعضاء الداخلية بالإيقاع الطبيعي للساعة البيولوجية.
اقرأ أيضاً: هل تقدّم ممارسة الرياضة لمدة 15 دقيقة يومياً فوائد ممارستها نفسها لمدة أطول؟
أهمية مواءمة وقت تناول الطعام مع الإيقاع الطبيعي للجسم
اسم البحث الذي ترأسه الطبيب با همام هو "التوقيت يَهم: التفاعل بين تناول الطعام مبكراً والإيقاع الطبيعي للجسم والتعبير الجيني وهرمونات الساعة البيولوجية ومعدل الاستقلاب" (Timing Matters: The Interplay between Early Mealtime, Circadian Rhythms, Gene Expression, Circadian Hormones and Metabolism)
واهتم البحث بدراسة تأثير أنماط الأكل على إيقاع الساعة البيولوجية ومعدل الاستقلاب والصحة العامة، لاستكشاف العلاقة بينها ومعرفة أسسها لتحقيق التزامن المثالي بين ساعة الجسم البيولوجية وتوقيت تناول الطعام لضمان وظيفة التمثيل الغذائي المثلى.
من جهةٍ أخرى، ازداد انتشار الأمراض الاستقلابية وأمراض القلب والأوعية كثيراً في الآونة الأخيرة، التي تؤدي فيها زيادة الوزن دوراً مهماً، لذا كان لا بُدّ من الغوص بشكلٍ أعمق لدراسة سبب هذه الزيادة، إذ إنه من الواضح أن هناك سبباً خفيّاً لذلك، وهو عدم مواءمة توقيت تناول الطعام مع الإيقاع الطبيعي لهرمونات الجسم.
لمَ تترافق الاضطرابات الاستقلابية مع تناول الطعام في وقتٍ متأخر؟
تناول الطعام في وقتٍ متأخر من اليوم يرتبط بارتفاع معدل انتشار الأمراض الاستقلابية، في حين أن تناول الطعام في وقتٍ مبكر، كوجبة إفطار مبكرة ووجبة عشاء مبكرة، يُحسّن مستوى غلوكوز الدم ومعدل الاستقلاب.
اقرأ أيضاً: ما كمية الطعام الكافية لقتل الإنسان؟
لنأخذ وظيفة العمال المناوبين ليلاً على سبيل المثال، ففي معظم الأحيان نجد زيادة في الوزن عند عمال المناوبات الليلية بينما يكون وزن عمال المناوبات الصباحية أقرب إلى الطبيعي. الأمر نفسه عند ممارسي أي وظيفة تتطلب منهم البقاء مستيقظين وتناول الطعام ليلاً، والسبب هو تفاعل هرمونات الساعة البيولوجية مع الطعام، أي يتعلق الأمر بأن المناوبين ليلاً يتناولون الطعام في ذروة إفراز الميلاتونين بينما يتناول المناوبون صباحاً الطعام في ذروة إفراز الكورتيزول.
كيف يتفاعل الجسم مع تناول الطعام في وقتٍ مبكر من اليوم؟
توجد علاقة وثيقة بين هرمونات الساعة البيولوجية ومعدل الاستقلاب، فعند تناول الطعام صباحاً؛ أي في ساعات إفراز هرمون الكورتيزول الذي يُفرز في ساعات الفجر، تتنشط احتياطات الطاقة وتتحفز الشهية ويكون التزامن إيجابياً بين توقيت تناول الطعام والإيقاع الطبيعي للجسم.
يؤدي ذلك بدوره إلى تحسين معدل الاستقلاب ويقلل من خطر الإصابة بالبدانة والأمراض الاستقلابية، وعلى رأسها داء السكري، إذ يُحسّن تناول الطعام في توقيت مواءم للإيقاع الطبيعي للجسم من مستوى غلوكوز الدم ويقلل من خطر حدوث مقاومة الإنسولين والتي تعتبر عاملاً مهماً في تطوير داء السكري.
ماذا عن تناول الطعام في وقتٍ متأخر من الليل؟
تناول الطعام خلال ساعات الليل يتداخل مع توقيت النوم ومدته وجودته، والذي يعتبر بحد ذاته عامل خطر يزيد من خطر البدانة والإصابة بالأمراض الاستقلابية وأمراض القلب. وهذا ليس كل شيء، فتناول الطعام خلال الفترات المخصصة عادةً للنوم، أثناء ارتفاع مستوى هرمون الميلاتونين، الذي يعتبر الهرمون الذي يتحكم بساعات اليقظة والنوم، يزيد الوزن عن طريق التأثير على معدل الاستقلاب بشكلٍ سلبي والذي بدوره يؤثّر في مستوى سكر الدم وحساسية الإنسولين، كما يزيد من نشاط الجهاز العصبي الذاتي، ما يزيد قابلية حدوث زيادة الوزن وما يترتب عليها من زيادة خطر حدوث الأمراض الاستقلابية.
اقرأ أيضاً: هوس الطعام: لماذا الفرنسيون نحفاء؟
يساعدنا بحث الطبيب با همام على أن نعي هذه العلاقات المعقدة في أجسامنا، فهي تجعلنا أقرب إلى فهم ما يحدث والطريقة التي تتفاعل بها إيقاعات جسمنا الطبيعية مع نظام حياتنا. ومعرفة أن أحد أساليب تعزيز دور معدل الاستقلاب بشكلٍ صحي يتعلق بتوقيت تناول الطعام أمر مثير للاهتمام يُقربنا من أهدافنا بصورة سلسة دون بذل أي جهد إضافي، فلا يحتاج الأمر سوى إلى معرفة التناغم والعمل في ذلك الاتجاه.