بعد مرور شهر كامل من الصيام في رمضان الكريم، والانقطاع عن الطعام والشراب لمدة قد تصل وسطياً إلى 16 ساعة يومياً، تبدو فكرة قطع الصيام واستقبال عيد الفطر بحلوياته ومشروباته مغرية للبعض، إلا أنها ليست كذلك لأجسامهم، فالعودة إلى روتين الحياة متعدد الوجبات الغذائية ما قبل رمضان بالانتقال المباشر إلى احتفالات العيد وأطعمته، قد يتسبب بصدمة للجسم تفقده ما اكتسبه من فوائد صحية في رمضان، فما هو النظام الغذائي الأنسب بعد صيام رمضان؟
شهر رمضان: تأثيرات روتين الصيام المتقطع
رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري للمسلمين، ويتضمن الامتناع عن الأكل والشرب في الفترة ما بين الفجر والغسق، وهي فترة قد تصل حتى 19 ساعة في بعض المناطق. خلال الوقت المتبقي، يمكن للفرد تناول وجبتي طعام هما الإفطار والسحور، ما يُحدث جملة من التغييرات في الجسم تساعد على إعادة ترميمه، وتضم:
- تغيرات أيضية: يعتمد الجسم على الطاقة المُستمدة من وجبتي السحور والإفطار على شكل كربوهيدرات، ولدى نفادها يتحول إلى مخزونه من الدهون. للمحافظة على إمداد ثابت من الطاقة (الغلوكوز)، ينتج الجسم كمية أقل من هرمون الإنسولين الذي يرسل الإشارات لخلايا الجسم لاستقبال الغلوكوز من الدم واستخدامه، ويزداد إفراز الهرمونات المضادة كالجلوكاجون والابينفرين، ما يسمح للجسم بالوصول إلى الجليكوجين والدهون.
- انخفاض وزن الجسم، نتيجة استهلاك مخزونه من الدهون، مع المحافظة على كمية السعرات الحرارية التي يتناولها الجسم.
- انخفاض نسبة الكوليسترول الضار منخفض الكثافة وزيادة في نسبة الكوليسترول المفيد مرتفع الكثافة، ما يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري واعتلال وظائف الكلى.
- تخلص الجسم من السموم، حيث يقوم بإعادة تدوير الخلايا التالفة والبروتينات القديمة المعطلة وظيفياً، للحصول على العناصر الغذائية.
اقرأ أيضاً: كيف تجعل صومك مختلفاً هذا العام؟
النظام الغذائي الصحي بعد صيام رمضان
وفقاً لأخصائية التغذية في عيادة أستر بدبي "جاسنا كيزاكيفيتيل"، بعد انتهاء شهر رمضان وتوقف نظام الصيام المتقطع خلاله، يتغير التمثيل الغذائي نتيجة تغير مواعيد الوجبات الغذائية وكميتها، لذا لا بد من عودة تدريجية ومتسلسلة إلى النمط الغذائي متعدد الوجبات الاعتيادي، وذلك من خلال اتباع مجموعة النصائح التالية:
1- موازنة العناصر الغذائية في النظام الغذائي
لا بد من اتباع نظام غذائي غني بكافة العناصر الغذائية من كربوهيدرات وبروتين ودهون، بحيث يتم تجنب الدهون غير الصحية، والكربوهيدرات المعالجة كما في السكر الأبيض والخبز النشوي، والتركيز على الكربوهيدرات الطبيعية كما في الفواكه وألياف الخضراوات. توزع المواد الغذائية على 2-3 وجبات رئيسية وبكميات صغيرة، لتجنب ارتفاع السكر المفاجئ في الدم الناتج عن الوجبات الكبيرة، والحلويات ما بين الوجبات، ما يسبب صدمة للجسم والشعور بالإرهاق والأرق.
2- التراجع التدريجي عن نظام رمضان
من خلال تناول وجبات إفطار صباحية أكبر من الوجبات المسائية بحيث نقلل من كمية السعرات الحرارية بعد الساعة 7 مساءً قدر المستطاع. كما لا بد من تجنب المأكولات المقلية وذات المحتوى العالي من الدهون والمشروبات المحتوية على الكافيين والمشروبات الغازية، واستبدالها بالفواكه والخضراوات التي تمد الجسم بمعظم احتياجاته وتمنح المعدة شعوراً بالامتلاء.
3- ممارسة التمارين الرياضية
تجنباً للصدمة التي قد يُصاب بها الجسم بالعودة إلى النظام الغذائي متعدد الوجبات الغذائية، تنصح أخصائية التغذية الطبيبة شيري رزق بممارسة التمارين الرياضية لمدة تتراوح ما بين 30-45 دقيقة كل صباح، سواء بممارسة المشي الصباحي، أو بعض التمارين الرياضية في صالات الألعاب الخاصة، أو حتى في المنزل. يمكن للرياضة تنظيم عمل القلب والرئتين، وإعادة النشاط والحيوية للجسم، وتجنبه الإصابة بالإرهاق نتيجة الارتفاع المفاجئ لنسبة السكر في الدم، بالإضافة إلى حرق السعرات الحرارية.
اقرأ أيضاً: الرياضة في رمضان: كيف يحافظ الصائمون على لياقتهم؟
4- الصيام لمرتين في الأسبوع
يعد نظام الصيام في رمضان من نوع الصيام المتقطع، وهو ما أثبت فائدته للصحة الجسدية والذهنية. أشارت دراسة التي أجراها باحثون في جامعة ماري هاردين بايلور الأميركية ونُشرت في دورية "مراجعات التغذية" (Nutrition Reviews)، إلى دور الصيام المتقطع في إزالة السموم من الخلايا وحماية الجسم من الأمراض المرتبطة بها كالسرطان والشيخوخة والسكري وغيرها. علاوة على ذلك يمكن للصيام المتقطع تحسين القدرة على النوم وتحسين الذاكرة.
اقرأ أيضاً: 3 طرق لاتباع حمية الصيام المتقطع بأمان
5- تقليل الوجبات الغذائية بعد رمضان إلى 2-3 وجبات
غالباً ما يعتاد الأفراد على تناول أكثر من 5 وجبات صغيرة في اليوم، ما لا يعطي الجسم الفرصة للشعور بالجوع، إلا أنه في الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة ألاباما الأميركية، ونُشرت في دورية "بلوس ون" (PLOS ONE)، يمكن للجوع أن يحمي من الإصابة ببعض الأمراض العصبية التنكسية مثل مرض ألزهايمر، ويحسن من القدرات العقلية والإدراك.
اقرأ أيضاً: كيف احافظ على وزني في رمضان؟
6- تناول مكمل بروبيوتيك للحفاظ على صحة الجهاز الهضمي
يتسبب تناول كمية كبيرة من الحلويات والوجبات الغذائية المتنوعة في أيام عيد الفطر وبعد صيام شهر رمضان في اختلال توازن ميكروبيوم الأمعاء (البكتيريا المفيدة في الجسم)، لذا لا بد من تناول مكملات البروبيوتيك لإعادة التوازن لها. أشارت الدراسة الأسترالية التي نُشرت في دورية "التقدم في الطب التجريبي وعلم الأحياء" (Advances in Experimental Medicine and Biology) إلى دور البروبيوتيك في الوقاية من الأمراض وتحسين امتصاص العناصر الغذائية والتمثيل الغذائي.
ختاماً، النظام الغذائي الصحي بعد رمضان هو استكمال لما بدأت به خلال صيام الشهر الكريم، من تهذيب لعادات النفس والجسد، لذا للحصول على نتائج صحية لشهر رمضان لا بد من متابعة العادات الغذائية السليمة بعد انتهائه.