الخَرَف ليس حالة مرضية محددة؛ إنما هو مصطلح يشير إلى مجموعة من الاضطرابات المعرفية التي تسبب ضعفاً في الذاكرة ومعالجة المعلومات والقدرات اللغوية. وعلى الرغم من أنه أكثر شيوعاً عند الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، لكن يمكن أن يؤثّر أحياناً في أشخاص في الثلاثينيات أو الأربعينيات أو الخمسينيات من العمر، وذلك نتيجة أسباب مختلفة. لذلك، من الضروري الإلمام بالعلامات والأعراض المبكرة للخرف، لأنه من الممكن مع التشخيص والعلاج المبكرين إبطاء التدهور المعرفي والحفاظ على الوظيفة الذهنية لفترة أطول من الزمن.
اقرأ أيضاً: 5 مهن تزيد خطر الإصابة بالخرف
9 علامات مبكرة على الخَرَف
الخَرَف مرض تقدمي؛ ما يعني أنه يتفاقم مع مرور الوقت. ومع ذلك، قد تظهر الأعراض عند بعض الأشخاص بين عشية وضحاها، في حين قد تظهر ببطء على مدار أشهر عديدة عند البعض الآخر. وعلى الرغم من أن العرَض الأكثر شهرة للخرف هو مشكلات الذاكرة، لكن ضعف الذاكرة لوحده لا يعني الخَرَف، بل لا بد من وجود نوعين على الأقل من المعوقات الأخرى التي تتداخل مع الحياة اليومية على نحو كبير؛ مثل مشكلات تؤثّر في المهارات اللغوية أو التواصل أو التركيز أو القدرة على التفكير أو حل المشكلات. عموماً، يمكن القول إن العلامات المبكرة للخرف هي:
1- مشكلات في الذاكرة
غالباً ما تتضمن الأعراض المبكرة للخرف تغييرات طفيفة في الذاكرة قصيرة المدى؛ مثل أن يكون الشخص قادراً على تذكر ما حدث منذ سنوات طويلة، لكنه لا يتذكر ما تناوله على الإفطار، بالإضافة إلى أنه ينسى الأحداث الأخيرة، أو الأمكنة التي وضع فيها أغراضه، أو سبب دخوله إلى غرفة معينة، أو صعوبة تذكر المهام اليومية. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يؤدي الخَرَف في مرحلة مبكرة إلى الارتباك فيما يتعلق بالوجوه أو معرفة اليوم أو الشهر أو معرفة المكان.
2- صعوبات لغوية
من الأعراض المبكرة للخرف أن يواجه الفرد صعوبة في التعبير عن أفكاره، أو صعوبة في تذكُر الكلمات المناسبة لشرح أمر ما، وقد يتوقف الشخص فجأة في منتصف الجملة دون أن يعلم كيفية الاستمرار، وقد يتحدث بصوت أعلى من المعتاد. علاوة على أنه قد ينسى معنى الكلمات التي يسمعها ويجد صعوبة في متابعتها، سواء مع المحادثات أو البرامج التلفزيونية. ومما لا شك فيه أن التواصل مع شخصٍ مصابٍ بالخَرَف يُعدُّ أمراً صعباً؛ إذ يستغرق التعبير عن أفكاره أو مشاعره وقتاً أطول من المعتاد، ما يتطلب الصبر.
اقرأ أيضاً: إليك ما نعرفه عن أول دواء لمرض ألزهايمر
3- تغيرات في المزاج والشخصية
من الشائع حدوث تغيرات مزاجية سريعة ودون سبب واضح في المراحل الأولى للخرف؛ مثل الاكتئاب، أو القلق، أو الخوف، أو سرعة الانفعال والتهيج. كما قد يظهر المصاب بالخَرَف تقلبات في الشخصية؛ مثل التحول المفاجئ من الخجل إلى الانفتاح أو العكس، أو الشك الشديد، أو فقدان التعاطف. عموماً، يصعب على مريض الخَرَف إدراك هذه التغيرات بنفسه ويتوجب على أفراد العائلة التعرف إليها.
4- اللامبالاة أو الخمول
فقدان الاهتمام بالأنشطة والهويات التي كان يستمتع بها الشخص سابقاً، والانسحاب من التفاعلات الاجتماعية، والبرود العاطفي هي أيضاً من العلامات المبكرة للخرف.
5- صعوبة إكمال المهام
قد يواجه الشخص في المراحل المبكرة من الخرف صعوبة في التخطيط أو حل المشكلات أو أداء المهام المعقدة؛ مثل إدارة الشؤون المالية، أو اتباع الوصفات، أو ممارسة الألعاب ذات القواعد، كما يصبح تعلم الأنشطة الجديدة أمراً صعباً.
6- صعوبات في القدرات البصرية والمكانية
يضعف الإحساس بالاتجاه والتوجه المكاني، ما يجعل من الصعب التعرف على المعالم أو التنقل في الأماكن المألوفة، كما قد يواجه الشخص صعوبة في اتباع إشارات المرور أو قراءة الخرائط. على سبيل المثال، قد يقود الشخص المصاب بالخَرَف أو يسير فترات طويلة دون أن يدرك أنه تائه، وينسى أين هو ولا يعرف كيف وصل إلى هناك.
اقرأ أيضاً: إشارات تحذيرية: كيف تعرف عندما تحتاج إلى تعديل نظامك الغذائي وخطتك الرياضية بعد عمر الأربعين؟
7- التكرار
السلوكيات المتكررة هي أيضاً من الأعراض المبكرة للخَرَف، نتيجة فقدان الذاكرة والتغيرات السلوكية؛ وتشمل: طرح الأسئلة نفسها أو تكرار القصة نفسها عدة مرات أو تكرار أداء المهام اليومية، مثل تكرار الاستحمام أو تكرار الحلاقة.
8- صعوبة التكيُّف مع التغيير
قد تسبب هفوات الذاكرة المفاجئة الخوف والقلق عند الشخص في المراحل المبكرة من الخَرَف، فعدم تذكر الأشخاص الذين يعرفهم أو عدم القدرة على متابعة ما يقوله الآخرون، أو عدم تذكر سبب الذهاب إلى المتجر، أو الشعور بالضياع ضمن المنزل نفسه، قد تكون تجربة مخيفة. لذلك، يتوق الشخص إلى الروتين ويخاف التجارب الجديدة ويصعب عليه التكيُّف مع التغيير أيضاً.
9- سوء تقييم المواقف
يؤثّر التدهور المعرفي في القدرة على اتخاذ القرارات الجيدة، ما يؤدي إلى سوء الحكم ويجعل الشخص ينخرط في سلوكيات غير آمنة نتيجة عدم قدرته على إدراك الخطر؛ مثل المشي في شارع مزدحم دون الانتظار حتى يصبح المشي ممكناً أو الخروج بملابس شتوية في حر الصيف، وما إلى ذلك. بالإضافة إلى عدم المسؤولية المالية، فالشخص الذي كان حريصاً سابقاً قد ينفق الأموال فجأة لأسباب غير مفهومة.
أسباب الخَرَف
ينتج الخَرَف عن تلف الخلايا العصبية في الدماغ، وتتوقف الأعراض على المنطقة المصابة من الدماغ، وتتباين آثار الخَرَف من مريض إلى آخر. عموماً أسباب تلف الخلايا العصبية في الدماغ كثيرة ومنها:
- تراكم بروتينات معينة في الدماغ.
- انخفاض تدفق الدم إلى الدماغ.
- صدمة الرأس.
- نقص بعض الفيتامينات.
- رد فعل على بعض الأدوية.
اقرأ أيضاً: الباحثون يكتشفون مسببات جديدة للخرف يمكن اكتشافها وعلاجها مبكراً
أنواع الخَرَف
يشمل بعض الأنواع المختلفة للخرف ما يلي:
- داء ألزهايمر (Alzheimer's disease): هو السبب الرئيسي للإصابة بالخَرَف، وفيه تتفاقم الأعراض تدريجياً وتسبب تراجع القدرات المعرفية على نحو بطيء، على الرغم من أنها قد تتقدم بسرعة أكبر عند بعض الأشخاص. غالباً ما يظهر عند الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على الـ 60 عاماً، وقد يحدث ألزهايمر المبكر عند الأشخاص بين 30-60 عاماً، لكنه نادر جداً. وعلى الرغم من عدم معرفة العوامل المسببة جميعها لداء ألزهايمر، فإن الخبراء يعزون بعض الأسباب إلى عوامل جينية موروثة بالإضافة إلى ترسبات بروتينية تُدعى بُروتين بيتا أميلويد (Amyloid beta)، حيث تسبب هذه اللويحات المتكتلة تدمير خلايا الدماغ السليمة والألياف التي تربط بينها.
- الخَرَف الوعائي (Vascular dementia): ناجم عن نقص الأوكسجين في الدماغ، ويحدث في حالة السكتة الدماغية أو تضيق الأوعية الدموية. ومن أعراضه الأكثر شهرة صعوبة حل المشكلات وبطء التفكير وفقدان القدرة على التركيز والتنظيم، وتكون هذه الأعراض أكثر وضوحاً غالباً من فقدان الذاكرة.
- خرف أجسام ليوي (Lewy body dementia): من أكثر أنواع الخَرَف شيوعاً، ويحدث عندما تبدأ كميات غير عادية من البروتين المعروف باسم ألفا سينوكلين (Alpha synuclein) بالتراكم في الدماغ، ومن أعراضه التفاعل مع الأحلام في أثناء النوم بتحريك الجسم ورؤية أمور غير موجودة، أو ما يُعرف بالهلوسة البصرية، بالإضافة إلى مشكلات التركيز والانتباه والحركة غير المنسقة أو البطيئة أو الرعاش.
- الخَرَف الجبهي الصدغي (Frontotemporal dementia): ينتج عن تلف الخلايا ووصلاتها العصبية الموجودة بالفصين الجبهي والصدغي في الدماغ، ونتيجة ارتباط هذه المناطق بالشخصية والسلوك واللغة، فإن هذا الخَرَف يؤثر كثيراً في السلوك والشخصية والتفكير والقدرات اللغوية. وعلى الرغم من أن العلماء لم يحددوا سبباً محدداً لهذا النوع من الخَرَف، فإن له مسبباً وراثياً، كما يمكن أن تؤدي هياكل البروتين غير النمطية التي تُسمَّى أجسام بيك (Pick bodies) دوراً في نشوئه.
- مرض هنتنغتون (Huntington disease): مرض تقدمي وراثي، يسبب ضمور خلايا عصبية معينة في الدماغ والحبل الشوكي. ومن أعراضه تدهور مهارات التفكير المعروفة بالمهارات الإدراكية، وتظهر الأعراض عادة في الثلاثينات أو الأربعينيات من العمر.
اقرأ أيضاً: كيف تحافظ على نشاطك الذهني؟ إليك أفضل 7 تمارين
يُذكر أن ثمة بعض الحالات الشبيهة بالخَرَف التي يمكن علاجها؛ مثل:
- العدوى والاضطرابات المناعية: ينتج بعض الأعراض المشابهة للخرف نتيجة الإصابة بالحمى أو عندما يحاول الجسم مقاومة العدوى أو عند الإصابة بالتصلب المتعدد أو الحالات الأخرى الناتجة عن مهاجمة الجهاز المناعي للخلايا العصبية.
- مشكلات الاستقلاب أو الغدد الصم: قد تسبب اضطرابات الغدة الدرقية وانخفاض نسبة السكر في الدم ظهور أعراض مشابهة للخرف أو تغيرات في الشخصية، وهذا ينطبق أيضاً على الارتفاع أو الانخفاض الشديدين في نسبة الصوديوم أو الكالسيوم، أو مشكلات امتصاص فيتامين ب 12.
- نقص بعض العناصر المغذية: قد يسبب نقص بعض الفيتامينات والمعادن ظهور أعراض الخَرَف؛ مثل عدم الحصول على الثيامين المعروف باسم فيتامين ب1، أو فيتامين ب 6، أو فيتامين ب 12، أو النحاس، أو فيتامين إي، أو فيتامين د.
- الآثار الجانبية للأدوية: قد تسبب استجابة الجسم لدواء ما أو بعض الآثار الجانبية للأدوية أو تفاعل عدة أدوية مع بعضها بعضاً، ظهور أعراض مشابهة للخرف.
- نزيف تحت الجافية: يقصد به النزيف الذي يحصل بين سطح الدماغ والغلاف المحيط به، وهي حالة شائعة عند البالغين الأكبر سناً بعد تعرضهم للسقوط، حيث يسبب النزيف ظهور أعراض مشابهة لأعراض الخَرَف.
يُذكر أن عدة عوامل محددة تؤثّر في صحة الأوردة والشرايين قد تفاقم خطر الإصابة بالخَرَف؛ مثل ضغط الدم المرتفع، وداء السكري، والتدخين، والأمراض القلبية، وانسداد الأوعية الدموية أو نقص في تدفق الدم إلى الدماغ.
الوقاية من الخَرَف
لا يمكن التحكم في بعض عوامل الخطر المرتبطة بالخَرَف؛ مثل العمر والجنس والتاريخ العائلي، لكن ثمة فرصة للتحكم في بعض العوامل القابلة للتعديل مثل النظام الغذائي، وعوامل الخطر المرتبطة بالقلب والأوعية الدموية، وانخفاض مستويات بعض الفيتامينات، ومشكلات النوم وغيرها. وعلى الرغم من عدم وجود طريقة مجربة ومضمونة لمنع ظهور الخَرَف، لكن يمكن اتخاذ بعض الخطوات لتقليل خطر الإصابة به؛ مثل:
- تحفيز النشاط العقلي من خلال حل ألغاز الكلمات وألعاب الذاكرة والقراءة.
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
- تجنب التدخين أو الإقلاع عنه.
- التأكد من عدم وجود نقص في المغذيات والحرص على تناول ما يكفي من الفيتامينات يومياً.
- اتباع نظام غذائي متوازن لما له من فوائد عديدة على صحة الدماغ، ويُنصح أن يكون غني المحتوى بالأحماض الدهنية أوميغا 3 والفاكهة والخضروات والحبوب الكاملة.
- علاج الحالات المرضية أو إدارتها.
اقرأ أيضاً: القهوة والشاي قد يقللان خطر الإصابة بالخرف
يُعدُّ التعرف إلى العلامات المبكرة، وفهم الأسباب، ومعالجة عوامل الخطر أمراً بالغ الأهمية في إدارة الخَرَف. فالتدخل في الوقت المناسب يمكن أن يحسّن نوعية الحياة للأفراد وأسرهم.