ما أسباب ازدياد حالات الإصابة بسرطان القولون بين الشباب وكيف يتم كشفها؟

ما أسباب ازدياد حالات الإصابة بسرطان القولون بين الشباب وكيف يتم كشفها؟
تصوير بالأشعة السينية للبطن بواسطة الباريوم للكشف عن سرطان القولون والمستقيم. كافاليني جيمس/ موقع بي إس آي بي للصور الطبية/ يونيفرسال إميدجيز غروب عن طريق غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حذر تقرير حديث صادر عن جمعية السرطان الأميركية (ACS) من أن عدد حالات سرطان القولون والمستقيم المشخصة قد تضاعف تقريباً لدى الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 55 عاماً.

ارتفعت حالات سرطان القولون بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 55 عاماً في جميع أنحاء البلاد من 11% في عام 1995 إلى 20% في عام 2019،  كما لوحظت زيادة بنسبة 8% بالحالات المتقدمة للمرض في مختلف الفئات العمرية منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وكان معظم الشباب الذين شُخصت إصابتهم بهذا المرض يعانون أوراماً سرطانية في المراحل المتأخرة.

وعلى الرغم من أن هذه الإحصائيات تثير القلق، لكنها لم تفاجئ الأطباء المختصين في هذا المجال، لأنهم لاحظوا ارتفاعاً في عدد المرضى الشباب في السنوات القليلة الماضية. تقول رئيسة قسم جراحة القولون والمستقيم في مستشفى جامعة ستوني بروك ميديسن (Stony Brook Medicine) في مدينة نيويورك، ديبورا نيغل (Deborah Nagle): "تؤكد هذه البيانات الملاحظات السريرية".

يُعد تنظير القولون أفضل طريقة للكشف عن سرطان القولون والمستقيم، ولكن قد يجد البعض صعوبة في التحضير لهذا الإجراء والتعافي منه الذي يستغرق وقتاً طويلاً. لحسن الحظ، ثمة تقنيات وبدائل أخرى غير جائرة للكشف عن سرطان القولون، ويمكن إجراء بعضها في المنزل.

أسباب ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان القولون

لماذا يصاب البعض بسرطان القولون؟ يقول اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي والأستاذ في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في مدينة سان دييغو، سمير غوبتا (Samir Gupta): "لا دليل واضح على أسباب ارتفاع معدلات الإصابة بهذا المرض". إذ تؤثر عدة عوامل في المخاطر العامة للإصابة بسرطان القولون والمستقيم،

وأحد هذه العوامل هو المضادات الحيوية: قد تسهم الأدوية في الإصابة بسرطان القولون والمستقيم من خلال تغيير تركيب الميكروبيوم المعوي (مجموعة الميكروبات التي تعيش في الأمعاء بصورة طبيعية)، ما قد يسمح بانتشار البكتيريا الضارة التي تقلل من مناعة الفرد وتنتج مركبات تعزز نمو الخلايا السرطانية وتضر بالحمض النووي. كشفت دراسة أجريت عام 2021 في السويد عن ارتفاع خطر الإصابة بسرطان القولون الصاعد بنسبة 17% لدى البالغين الذين استخدموا المضادات الحيوية. كلما زاد استخدام المضادات الحيوية، زادت المخاطر. يقول غوبتا إنه من الممكن وجود علاقة محتملة بين استخدام المضادات الحيوية في مرحلة الرضاعة والإصابة بسرطان القولون والمستقيم في المستقبل.

تبلغ نسبة البقاء على قيد الحياة لمدة 5 سنوات بعد الإصابة بسرطان القولون والمستقيم نحو 91%، وهي من أعلى المعدلات بين الأمراض السرطانية الأخرى.

البدانة هي إحدى العوامل الأخرى التي تسهم في الإصابة بأنواع مختلفة من أمراض السرطان، ومنها سرطان القولون والمستقيم في مراحله المبكرة. تقول نيغل إن معدل البدانة ارتفع بدرجة كبيرة ضمن الولايات المتحدة في العقود القليلة الماضية، إذ إن مؤشر كتلة الجسم (BMI) لدى نحو 42% من الأميركيين يساوي 30 أو أكثر، علماً أن هذه النسبة هي الحد الأدنى لتشخيص البدانة. تعزز الدهون الزائدة في الجسم الالتهاب وتزيد من إنتاج الإنسولين والهرمونات، وبالتالي يمكن أن تزيد عدد الخلايا السرطانية. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الالتهاب الناتج عن الدهون نفسها في بعض الأحيان إلى إتلاف الخلايا السليمة، كما يؤدي إلى حدوث طفرات سرطانية في الحمض النووي الخلوي.

تُعدّ المواد الكيميائية التي تُضاف إلى الأطعمة عاملاً محتملاً يسهم في الإصابة بالسرطان، على الرغم من عدم دراسة تأثيرها على البشر بدرجة كافية. إذ تشير بيانات الأبحاث التي أُجريت على الحيوانات إلى أن المستحلبات الغذائية التي تضاف عادة إلى الأطعمة المصنّعة لزيادة فترة صلاحيتها ترتبط بالإصابة بسرطان القولون. وفي إحدى الدراسات التي أجريت في عام 2022، ساعد ثاني أوكسيد التيتانيوم، وهو ملوّن غذائي شائع في الحلويات ومنتجات الخبز، في تعزيز نمو الأورام السرطانية في القولون والمستقيم لدى فئران التجارب.

اقرأ أيضاً: لمَ ترتفع إنزيمات الكبد عند الإصابة بالسرطان؟

يهتم الباحثون في علم الأورام بدراسة دور الوراثة في تشكيل سرطان القولون والمستقيم، إذ يحمل واحد من كل 5 أشخاص مصابين بسرطان القولون والمستقيم طفرة جينية مرتبطة بنمو الورم السرطاني.

وعلى الرغم من ذلك، فالوقاية ممكنة. نسبة البقاء على قيد الحياة لمدة 5 سنوات بعد الإصابة بسرطان القولون والمستقيم هي الأعلى بين الأمراض السرطانية الأخرى، وتصل إلى 91%. العامل الرئيسي في الوقاية من سرطان القولون والمستقيم هو الكشف المبكر والفحص الدوري، ويوصي كل من غوبتا ونيغل بإجراء فحص تنظير القولون للكشف عن أي علامات مبكرة للإصابة. فقد أظهرت دراسة لاحقة أجريت في أوروبا العام الماضي انخفاض خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم لدى الأشخاص الذين خضعوا لتنظير القولون بنسبة 31% وانخفاض خطر الوفاة بسبب هذا المرض بنسبة 50%.

متى يجب إجراء تنظير القولون؟

على الرغم من وجود إرشادات موحّدة حول الأوقات المناسبة لإجراء تنظير القولون، يحث كلا الخبيرين أي شخص يعاني نزيفاً دائماً في المستقيم وتغيرات في عادات الأمعاء (عادات التبرز) على الخضوع لرعاية طبية فورية.

توصي جمعية السرطان الأميركية (ACS) بإجراء فحوص روتينية ودورية بدءاً من سن 45 لمن لا يعانون أي أعراض وليس لديهم تاريخ عائلي مع الإصابة بسرطان القولون والمستقيم. أما من لديهم تاريخ عائلي مع المرض، أو الذين تلقوا علاجاً بالإشعاع في منطقة البطن لعلاج السرطان في الماضي، أو الذين يعانون متلازمة الأمعاء الالتهابية؛ فهم معرضون بدرجة كبيرة لخطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، ومن الأفضل أن يخضعوا لتنظير القولون قبل سن 45.

يجب على المصابين بمتلازمة لينش (Lynch)، وهي حالة وراثية تعرّض الشخص للإصابة بأنواع متعددة من السرطان، إجراء تنظير القولون كل عام أو عامين بدءاً من أوائل العشرينيات أو قبل سنتين إلى 5 سنوات من بلوغ أصغر سن ظهرت فيها الإصابة بسرطان القولون والمستقيم في العائلة.

اقرأ أيضاً: لفرص شفاء أفضل: تعرف على المؤشرات المبكرة للإصابة بالسرطان

إليك الخيارات المتاحة للفحص

تقول نيغل إنه على الرغم من أن تنظير القولون هو الأداة الأساسية لفحص القولون والمستقيم، لكنه لا يحظى بشعبية كبيرة بين المرضى. إذ يمكن أن يثير التحضير اللازم لإجراء تنظير القولون، مثل تناول المليّنات (لتنظيف القولون) وتعديل النظام الغذائي قبل الفحص بأيام قليلة، قلق الناس ويجعلهم يترددون في إجرائه. كما يمكن أن يستغرق هذا الإجراء الطبي وفترة الاستشفاء منه وقتاً طويلاً، وقد لا يكون ممكناً لمن لا يستطيعون الحصول على إجازة من العمل.

توفر الاختبارات التي تعتمد على فحص عيّنات البراز، مثل اختبار كولوغارد (Cologuard)، وهو مزيج من اختبار الدم واختبار الكشف عن خلل في الحمض النووي، فحصاً بديلاً أسهل يمكن إجراؤه في المنزل. لا يتطلب هذا النوع من الفحوص أي تحضير مسبق، وتكون النتائج دقيقة بشكل عام، على الرغم من أنها لا تصل إلى مستوى الدقة الذي يوفره تنظير القولون. كما تتوفر أيضاً اختبارات كيميائية مناعية للبراز (FIT)، للكشف عن وجود دم خفي فيه. ويمكن إجراء هذا الاختبار في المنزل سنوياً، لكنه أقل دقة في الكشف عن الأورام الحميدة التي يقل حجمها عن 6 ملم مقارنة بتنظير القولون.

يلجأ بعض أطباء الأورام إلى استخدام طريقة غير جائرة بالدرجة نفسها، وهي تنظير القولون الافتراضي. إذ يستخدم هذا الإجراء التصوير المقطعي المحوسب (CT scans) لإنشاء صور للأمعاء الغليظة والبحث عن التقرحات والأورام الحميدة والأورام السرطانية.

اقرأ أيضاً: لماذا لا يستخدم معظم الأطباء كلمة «شفاء» عند التعامل مع مرضى السرطان؟

ثمة أبحاث مستمرة لتحسين نتائج الفحص باستخدام مجموعة من هذه الأساليب. ويتضمن بعض هذه الأبحاث استخدام تركيبة ميكروبيوم الأمعاء لتحديد فقدان بعض أنواع البكتيريا الجيدة، ما قد يكون مؤشراً للتنبؤ بمخاطر الأورام الحميدة التي قد تتحول إلى أورام سرطانية. فيما تتضمن الأبحاث الأخرى عمليات فحص متعددة الخطوات، تشمل تنظير القولون الموصى به. تشير دراسة أجريت الربيع الماضي إلى ضرورة إجراء تنظير القولون بعد اختبار البراز في المنزل؛ فمن لم يتبعوا هذا الإجراء كانوا أكثر عرضة للوفاة بسبب هذا المرض مقارنة بمن تابعوا الفحص.

يقول غوبتا: "لدينا فرصة لمنع حدوث بعض أنواع السرطان بإجراء الفحوص الدورية، فعندما يُشخّص المرض مبكراً، يكون العلاج أسهل".