تشكل أمراض القلب الوراثية أحد أهم أسباب الوفيات المفاجئة، حتّى أنها لا تُشخص في معظم الحالات إلّا بعد وفاة أحد أفراد الأسرة بشكل غير متوقع. تصيب أمراض القلب الوراثية جميع الأفراد بغض النظر عن العمر أو العرق أو الجنس، إذ يمكن أن تظهر بعمر الـ 20 عاماً أو قد تبقى لا عرضية طيلة الحياة. انتشرت أمراض القلب الوراثية بشكل أكبر في السنوات الأخيرة، أو بمعنى أدق ساعد التصوير القلبي بالأمواج فوق الصوتية وإجراء تخطيط القلب الكهربائي في الكشف عن الحالات وتشخيصها.
يمكن أن تصيب أمراض القلب الوراثية أنسجة العضلة القلبية أو قنواتها الكهربائية، والسبب يعود لوجود طفرة في أحد الجينات إمّا المسؤولة عن تشكيل العضلة القلبية أو المُنظمة لكهربائيتها. وكأي مرض وراثي آخر، تورث هذه الطفرات من الآباء إلى الأبناء، وفي بعض الحالات النادرة تظهر أمراض القلب الوراثية لدى أحد الأفراد بشكل مستقل عن باقي أفراد عائلته.
أعراض أمراض القلب الوراثية
يعتبر المرضى حملة طفرة أمراض القلب الوراثية أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات أمراض القلب مقارنة بغيرهم، وعلى رأس هذه المضاعفات نذكر اضطرابات النظم القلبية والقصور القلبي وإطلاق الخثرات المتسببة بحدوث السكتات الدماغية. قد لا تكون الأعراض جلية وصريحة عند جميع المرضى إلّا أن بعضهم قد يشكو من:
- الإرهاق والتعب.
- خفقان القلب.
- إغماءات.
- ضيق في التنفس عند الاستلقاء.
- ألم في الصدر.
- تراجع القدرة على ممارسة الرياضة.
- توذم وتورم الساقين والكاحلين والقدمين.
- ظهور النفخات القلبية والتي قد يكتشفها الطبيب أثناء الفحص البدني.
أنواع أمراض القلب الوراثية
تتنوع أمراض القلب الوراثية بحسب نوع الطفرة، فإمّا أن يتركز الخلل في عضلة القلب مثل اعتلال العضلة القلبية الضخامي واعتلال العضلة التوسعي، أو قد يتركز الخلل في العقدة الجيبية الأذينية أو العقدة الأذينية البطينية مسبباً ظهور طيف اضطرابات النظم القلبي.
اقرأ أيضاً: كيف تسبب الإصابة بفيروس كورونا التهاب القلب؟
اعتلال العضلة القلبية الضخامي
حالة قلبية موروثة تؤثر على واحد من كل 500 شخصاً، وهو زيادة في سماكة عضلة القلب، الأمر الذي يزيد العبء على جدران العضلة القلبية أثناء الانقباض، وضخ الدم من البطينات إلى الأوعية الكبيرة كالشريان الأبهري والشريان الرئوي. قد لا يؤثر هذا الاعتلال على الحياة اليومية، إلا أنه يمكن أن يسبب قصور القلب، حيث يعتبر السبب الأكثر شيوعاً للوفاة المفاجئة غير المتوقعة لدى الشباب.
حدد فريق بحثي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس مؤخراً سبباً جينياً جديداً متهماً بكونه سبباً لحدوث اعتلال العضلة القلبية الضخامي. قام الفريق الدولي من الباحثين بتحليل جينومات 2817 شخصاً مُحالين من إسبانيا والمملكة المتحدة والدنمارك وروسيا والبرازيل والأرجنتين، وممن يعانون من اعتلال العضلة القلبية الضخامي. بحث الباحثون عن انتشار متغيرات بروتين كيناز إلفا "ALPK3" وهو العامل الجيني المُتهم، وقارنوا انتشارها بين هؤلاء الأفراد وباقي السكان، حتّى وجدوا أنها كانت أكثر شيوعاً بـ 16 مرة عند المصابين باعتلال العضلة القلبية الضخامي.
بينما لا يُعرف الكثير حالياً عن النتائج الوظيفية لمتغيرات بروتين كيناز إلفا، إلّا أنه يُعتقد أنها تلعب دوراً في تنظيم وظيفة البروتينات الأساسية المسؤولة عن انقباض العضلة القلبية واسترخائها من خلال عملية الفسفرة.
اعتلال العضلة القلبية التوسعي
وفيه تترقق جدران البطين الأيسر وتتوسع بشكل كبير بالشكل الذي لا يسمح بالانقباض بشكل تام لضخ الدم بشكل فعال ويتظاهر على شكل بداية قصور عمل العضلة القلبية، الأمر الذي يتسبب بنقص نتاج القلب وحدوث اضطراب في النقل الكهربائي القلبي.
اقرأ أيضاً: القلب الصناعي: تاريخ طويل من البحث عن قلب دائم
اضطرابات النظم القلبية
وهي الشعور بحدوث نبضات قلب سريعة وغير منتظمة والتي قد تؤدي إلى الإغماء وتوقف القلب. هناك طيف واسع من اضطرابات النظم التسارعية وعلى رأسها متلازمة "وولف باركنسون وايت" ومتلازمة زوال الاستقطاب المبكر وتسرّع القلب البطيني والرجفان البطيني. يكون بعض هذه الأنماط متعلقاً بإفراز كميات زائدة من الأدرينالين والتي تتسبب في زيادة سرعة ضربات القلب بشكل خطير وخاصةً أثناء التمارين. تنتهي معظم هذه الاضطرابات بحدوث "الموت المفاجئ" وخاصةً عند الشباب، وهذه الوفيات المفاجئة ترفع الراية الحمراء بأن باقي أفراد الأسرة قد يكونون مصابين بأحد هذه الأمراض ما يتطلب إحالتهم لإجراء ما يُسمى بالتشخيص الوراثي أو الاستشارة الوراثية.
الاستشارة الوراثية
على الرغم من أنها أحد المصطلحات الطبية غير المألوفة لدينا، إلّا أنها أحد الأركان الأساسية للرعاية الصحية. تتكون عيادات الاستشارة الوراثية من مجموعة من المستشارين الجينيين الذين يساعدون العائلات المُحالة إليهم في تحليل بياناتها الوراثية والجينية لتشخيص أي أمراض كامنة. وبالمقابل، ولأنه قد يكون من الصعب تقبل فكرة الإحالة إلى العيادة الوراثية عند بعض الأفراد، يتخصص بعض الباحثين في شرح الاختبارات التي يقومون بها وآثارها على الأفراد لكسر الحواجز، كما يجيبون عن كافة استفسارات العائلات والأفراد، الأمر الذي يعزز من تقبل هذا النوع من التشخيص.
ساعدت الاستشارة الوراثية "روز بوتشر" البالغة من العمر 67 عاماً الناجية من السرطان ثلاث مرات، فقد كان السرطان كثير الانتشار في عائلة بوتشر حتّى أنها أصيبت بسرطان الرحم والمبيض والقولون في سن الأربعين، وهذا عمر صغير للإصابة بأنواع السرطانات هذه كلها معاً. الأمر الذي دفع "إياد الحطاب"، طبيب أخصائي أورام في مايو كلينيك ويسكونسن، إلى التوصية بأن تخضع روز للاستشارة الوراثية. ومن خلال مجموعة من الاستشارات والاختبارات تم الكشف عن إصابة بوتشر بـ "متلازمة لينش"، وهي حالة وراثية تزيد من خطر الإصابة بسرطان القولون وأنواع أخرى من السرطان.
بالنسبة إلى بوتشر لم يكن الاختيار صعباً فقد فضلت أن تتسلح بالمعلومات لكي تجنب أحفادها وأولادها هذه التجربة المريرة، تقول روز: "لكوني أبلغ من العمر 67 عاماً وقد أصبت بالفعل بثلاثة أنواع من السرطان، أعتقد أنني أستطيع أن أجنب أحفادي ذلك، فإذا علموا أنهم في خطر يمكنهم الذهاب لإجراء فحوصات مبكرة، إذ أن معدل نجاح العلاج والشفاء أعلى بكثير عند الكشف المبكر".
اقرأ أيضاً: ما هي فوائد الاختبار الوراثي
وبالمقابل، لا يتوجب إحالة الجميع إلى الاستشارة الوراثية وإنما فقط من لديهم:
- تاريخ من الوفيات المفاجئة وخاصة بعمر اليافعين، والذي قد يشير لوجود مرض قلبي مستبطن.
- تاريخ شخصي أو عائلي كبير للإصابة بالسرطان.
- تشخيص الإصابة بالسرطان دون سن 50 عاماً.
- الإصابة بالسرطانات النادرة مثل سرطان المبيض أو سرطان الثدي عند الذكور.
- وجود ثلاثة أقارب أو أكثر في نفس الجانب من العائلة يعانون من نفس النوع من السرطان.