التخدير هو واحد من الاكتشافات "الرحيمة" التي جعلت غرف العمليات الجراحية تعم بالسكينة بدلاً من تأوهات الألم، حيث يقي التخدير المريض من الشعور بالألم كما أنه يسمح للجراح من جهةٍ أخرى بالعمل بهدوء دون أن يتشتت بألم المريض. وللتخدير عدة أنواع، من ضمنها التخدير القطني أو النصفي، الذي يصفه الأطباء بأنه أقل خطورة من التخدير العام لأنه لا يشتمل على تخدير الجملة العصبية المركزية، ولكنه على الرغم من ذلك ذو مجموعة من المخاطر الصحية التي لا ينبغي إهمالها.
اقرأ أيضاً: ما هو الفرق بين التخدير العام والتخدير الموضعي؟ إليك ما يجب أن تعرفه لتختار الأفضل لك
المخاطر الصحية للتخدير القطني (النصفي)
غالباً ما يختار المرضى التخدير القطني لأنه أكثر أماناً وراحة للمرضى، إلّا أنه مُفضل أيضاً من قِبل الأطباء اعتماداُ على الحالة الطبية والعمل الجراحي. فمن العمليات الشائعة المناسبة للتخدير القطني استبدال مفصل الورك أو الركبة، والجراحة على عظام الساق أو الكاحل، كذلك بالنسبة لجراحة الفتق الإربي والبواسير وجراحة الدوالي والعمليات التوليدية القيصرية، بالإضافة إلى جراحة المسالك البولية كالعمليات على البروستات.
وبما يتعلق بكيفية إجراء التخدير القطني، يُحقن مخدر موضعي من خلال إبرة صغيرة في أسفل الظهر لتخدير الأعصاب من الخصر إلى الأسفل. ويستغرق تنفيذ هذا الإجراء بين 5 إلى 10 دقائق عادةً، وفي بعض الأحيان تؤدي العوامل الفردية إلى صعوبة العثور على المكان الصحيح لحقن العمود الفقري لذلك يستغرق وقتاً أطول، وأمّا بما يخصُّ فترة التخدير فتتراوح بين 2-3 ساعات بشكل وسطي.
وعلى الرغم من الفوائد الإيجابية التي يقدّمها التخدير القطني، فإنه ينبغي ألّا نُهمل أن الإجراءات الطبية جميعها تنطوي على مخاطر، حتى عندما يقوم بها خبراء. حيث يعتمد معدل وشدة هذه المخاطر على الحالة الصحية والعمر ونمط الحياة، ومن أكثر المضاعفات والمخاطر التي يمكن مواجهتها شيوعاً:
المضاعفات الصحية التي تحدث في أثناء تطبيق التخدير
من الشائع أن يشعر المريض بألم عابر في الظهر أو الساقين عند إدخال الإبرة في المسافة فوق الجافية –أي التي تفصل بين العمود الفقري والأم الجافية التي تحمي النخاع الشوكي- وهذا الألم يزول عادةً بعد إزالة الإبرة.
يُعدُّ انخفاض ضغط الدم من المضاعفات الشائعة للتخدير القطني أيضاً، حيث يشعر المريض بدوار وكأنه على وشك الإغماء، وهنا على طبيب التخدير إعطاء السوائل وأدوية ترفع ضغط الدم وريدياً لمعاكسة انخفاض ضغط الدم. من جهةٍ أخرى، يمكن للمريض أن يشعر بحكة في الجلد، وهذا يحدث كأثر جانبي لاستخدام المورفين والمسكنات الأفيونية الأخرى.
من المخاطر والمضاعفات التي تحدث في أثناء تطبيق التخدير القطني أيضاً التشنج العضلي وصعوبة التنفس واضطراب في نظم القلب، والسبب في ذلك يعود لحقن المسكنات والأدوية المخدرة في الأوعية الدموية عن طريق الخطأ بدلاً من المسافة فوق الجافية، وتعتبر هذه المضاعفات إسعافية وينبغي تدبيرها على الفور باستخدام الأدوية المناسبة والمساعِدة على التنفس.
اقرأ أيضاً: ما الأخطاء الطبية الأكثر شيوعاً التي تقف وراء حدوث الوفاة؟
المضاعفات الصحية التي تتلو الانتهاء من التخدير
يشتمل التخدير القطني على حدوث مضاعفات أخرى لا تظهر حالاً وإنما بعد الاستيقاظ من التخدير، وأكثر هذه المضاعفات شيوعاً:
- الصداع: يشيع حدوث الصداع بعد انتهاء العمل الجراحي وبعد التخدير لأسباب متعددة، بما فيها التجفاف والامتناع عن تناول الطعام ساعات طويلة، بالإضافة إلى القلق المترافق مع العمل الجراحي.
- صعوبات التبول: نادراً ما يشكو المرضى ممن خضعوا إلى تخدير قطني من حدوث احتباس بولي تالي للتخدير، وعادةً ما يكون الاحتباس مؤقتاً وناجماً عن ضعف تنبيه الأعصاب التي تتحكم بالمثانة. تُعالج صعوبات التبول التالية للتخدير القطني مؤقتاً بتركيب قثطرة بولية لتساعد المثانة على التفريغ.
- تلف الأعصاب: تُعتبر هذه المضاعفة نادرة الحدوث ولكن قد يستمر فقدان الإحساس وشعور الوخز الناجم عن التخدير القطني حتّى بعد زوال فاعلية المخدر، وهذا يشير إلى حدوث تلف في الأعصاب، وينبغي في هذه الحالة استشارة طبيب مختص بالعلوم العصبية.
- ضعف العضلات: من الطبيعي أن يشعر المرضى بالضعف العضلي بضعة أيام أو حتى أسبوع بعد التخدير القطني، ويزداد مع ذلك خطر السقوط. لهذا ينبغي على المريض أن يكون حذراً في هذه الفترة.
- حدوث إنتان موضعي: من غير المستبعد أن يحدث إنتان موضعي في ظل غياب التعقيم أثناء تحضير المنطقة، أو بما يتعلق بالأدوات المستخدمة، ويجب معالجة الإنتان إسعافياً بالصادات الحيوية الملائمة خشية أن يمتد ويؤثّر في العمود الفقري.
اقرأ أيضاً: ما تحتاج إلى معرفته قبل الخضوع للجراحة: دليلك للاستعداد قبل الجراحة
بشكلٍ عام، قد تكون هذه المضاعفات والمخاطر نادرة نسبياً، ولكنها يمكن أن تكون مدمرة لكلٍّ من المريض والطبيب في حال حدثت. لهذا ينبغي التركيز على الوقاية من حدوثها وذلك عن طريق التقييم الجيد للمريض جسدياً وتقييم تاريخه الطبي بدقة ومناقشة مخاطر التخدير القطني قبل الجراحة والبحث في تقنيات التخدير البديلة. كما ينبغي الحرص على تقييم المريض بعد إتمام العمل الجراحي على المدى الطويل لتدبير العجز العصبي في حال حدوثه قبل أن يتقدم ويصبح صعب العلاج.