لطالما اكتسب الوشم شعبية كبيرة، وأصبح أسلوباً مميزاً في التعبير عن الذات والفن. سواء كان أعمالاً فنية ملونة أو تصميمات بسيطة. ولكن باعتبار أنه يتضمن إدخال مادة غريبة إلى الجسم وبقاءها مدى الحياة، ألا يحتمل أن يسبب مشكلات صحية في الجسم، بما فيها السرطان، على المدى الطويل؟ خلال العقدين الماضيين كان هذا السؤال هو محور الأبحاث المتعلقة بالوشوم، فماذا يقول العلم؟ وإلى أي مدى ينبغي لك الشعور بالقلق؟
هل يسبب الوشم سرطان الجلد؟
غالباً ما تظهر الأمراض المزمنة مثل السرطان بعد سنوات عديدة من التعرض للمحفزات، لهذا قد يكون من الصعب على الباحثين ربطها بالوشم. وفقاً لمراجعة لـ 51 دراسة نشرتها دورية الجراحة التجميلية (Aesthetic Plastic Surgery)، جرى الإبلاغ عن 64 حالة سرطان جلد مرتبطة بالوشم، بما في ذلك سرطان الخلايا القاعدية وسرطان الخلايا الحرشفية وسرطان الجلد الخبيث. ومن بين هذه الحالات ارتبطت 58% منها بالحبر الأزرق والأسود، و34% منها بالحبر الأحمر.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أبرز تقنيات إزالة الوشم وأسباب تكلفتها المرتفعة
على الرغم من الرابط الذي وجدته هذه الدراسات، فقد لا يعني ذلك وجود علاقة سببية بين الوشم والسرطان، أي ليس بالضرورة أن يكون حبر الوشم قد تسبب بالسرطان، فقد يكون سرطان الجلد موجوداً في الوشم عن طريق الصدفة.
ومع ذلك، أظهرت دراسة سابقة نشرتها دورية التقارير العلمية (Scientific Reports) أنه جرى العثور على جزيئات صغيرة من الحبر في الغدد اللمفاوية، وهذا يثبت أنه يستطيع الانتقال عبر الجسم، ما قد يؤدي إلى مشكلات صحية. حيث يجري حقن حبر الوشم باستخدام إبر دقيقة في عمق الجلد وصولاً إلى طبقة الأدمة حيث يبقى مدى الحياة، لأن طبقة البشرة السطحية تتجدد باستمرار بما لا يسمح ببقاء الوشم.
يتكون حبر الوشم من مواد صنفتها الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية على أنها مواد مسرطنة معروفة، مثل الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs)، أو مادة تسمى الآزو، والتي تستخدم في دهانات السيارات، ومواد أخرى قد تسبب السرطان مثل:
- الباريوم.
- النحاس.
- الزئبق.
- الأمينات.
- الكحوليات.
- الكادميوم.
- الرصاص.
- النيكل.
- البلاستيك.
- صبغات نباتية.
علاوة على ذلك، إذا كان الوشم يُخفي تحته شامات أو وحمات أو أي تغير في لون الجلد، فقد يحول دون ملاحظة علامات سرطان الجلد المبكرة مثل تصبغ الجلد وتغير لونه، خاصة في الورم الميلانيني.
هل يسبب الوشم سرطان الدم؟
توصل باحثون سويديون في جامعة لوند، في دراسة حديثة نشرتها دورية الطب السريري الإلكتروني (eClinicalMedicine) في أيار/مايو 2024، إلى رابط بين الوشم وزيادة خطر الإصابة بالورم اللمفاوي الخبيث (اللمفوما) بنسبة 21%؛ وهو نوع من سرطان الدم الذي يؤثر على الجهاز اللمفاوي.
لم يظهر أي تأثير لحجم الوشم على مخاطر الإصابة بالورم اللمفاوي، لكن خطر الإصابة تَباين باختلاف المدة التي مرت على وجود الوشم، كما يلي:
- كان أعلى بنسبة 81% في العامين الأولين بعد الوشم.
- انخفض هذا الخطر في الفترة ما بين 3-10 سنوات بعد الوشم.
- وصلت نسبة خطر الإصابة إلى 19% بعد مرور 11 عاماً على الوشم.
علاوة على ذلك، كان الخطر النسبي للإصابة بالورم اللمفاوي أعلى بكثير لدى الأشخاص الذين أزالوا وشمهم، وهو قد يكون سببه أن العلاج بالليزر لا يزيل الحبر من الجسم، بل يعمل على تقسيمه ببساطة إلى جزيئات صغيرة، تنتقل بعد ذلك عبر الجهاز اللمفاوي.
لم يحدد الباحثون السبب الدقيق الذي يجعل الوشم يزيد خطر الإصابة باللمفوما، علماً أن الدراسة أخذت في الاعتبار عدة عوامل قد تتداخل مع النتائج، مثل التدخين والوضع الاجتماعي والاقتصادي.
اقرأ أيضاً: كيف نُميّز سرطان الجلد عن الشامة السليمة؟
ومع ذلك، يشتبه الباحثون في أن المواد الكيميائية الموجودة في أحبار الوشم، تتفاعل بمرور الوقت مع الخلايا المناعية، وتنتقل معها إلى الغدد اللمفاوية في الجهاز اللمفاوي؛ حيث يمكن العثور عليها في العقد اللمفاوية المتضخمة خلال أسابيع من الوشم، ما يؤدي إلى استجابة التهابية مزمنة في الجسم، تزيد بمرور الوقت خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، بالإضافة إلى أن الجهاز المناعي قد يصبح ضعيفاً وأقل فعالية في مكافحة المواد المسببة للسرطان.
على الرغم مما توصلت له الدراسة، فإنها لا تستطيع إثبات أن الوشم هو الذي تسبب في مرض اللمفوما، إذ توجد عوامل أخرى تؤثر في المرض، وتنتشر على نحو أكثر شيوعاً بين الأشخاص الذين لديهم وشم.
المخاطر الصحية للوشم
قد يكون من الصعب دراسة الآثار الطويلة المدى للوشم، لكن له بعض المخاطر الصحية التي يمكن رصدها على المدى القصير، وهي:
- ردود الفعل التحسسية: قد يعاني البعض ردود فعل تحسسية لمواد الوشم، تستمر عادة أياماً أو أشهراً أو حتى عقوداً بعد إجراء الوشم؛ وتشمل طفحاً جلدياً، والحكة أو الاحمرار أو التورم والتقشر. كما قد يعاني البعض الحساسية للشمس بعد الوشم، حيث يصبح الجلد الموشوم أحمر ومنتفخاً مع حكة مزعجة.
- الأمراض المعدية: نظراً إلى أن عملية الوشم تنطوي على اختراق الجلد بآلاف الإبر، فثمة خطر الإصابة بالعدوى البكتيرية أو الفيروسية في حال استخدام معدات غير معقمة أو حبر ملوث؛ مثل عدوى المكورات العنقودية أو التهاب الكبد سي وبي.
- الندبات الجدرية: يمكن أن يحدث نمو مفرط للأنسجة الندبية مكان الجرح وتمتد إلى ما وراء الجرح الأصلي، ما يؤدي إلى مناطق مرتفعة حول الوشم وألم وحكة.
- التهابات الجلد: قد ينتج عن تفاعل الجلد مع مواد الوشم رد فعل التهابي في الجسم، يشمل الحكة وتشكل بثور مؤلمة والقيح والحمى.
- مضاعفات التصوير بالرنين المغناطيسي: نظراً إلى أن حبر الوشم يحتوي على عناصر معدنية، فقد يتأثر بالمجالات المغناطيسية المستخدمة في آلات التصوير بالرنين المغناطيسي، ما يسبب حروقاً من الدرجة الأولى أو الثانية حول منطقة الوشم.
اقرأ أيضاً: الأجهزة القابلة للارتداء تقيس مدى التعرُّض للأشعة، لكن هل يمكنها وقايتنا من سرطان الجلد؟
ما هي الآثار الصحية للوشم المؤقت (الحناء)؟
الحنّاء، هي نبات شجري (Lawsonia inermis)، تحتوي أوراقه على صبغة طبيعية تُدعى لوسون، ذات لون نحاسي. تتحرر هذه الصبغة لدى طحن الأوراق المجففة أو الخضراء، ثم يجري جمعها على شكل مسحوق، وخلطها مع الماء أو عصير الليمون أو الشاي أو الزيوت لتكوين عجينة.
يمكن لهذه الصبغة أن ترتبط مع بروتين الكيراتين الموجود في الشعر والأظافر والجلد، فتمنحها لوناً نحاسياً مائلاً للحمرة، يمكنه أن يستمر من بضعة أيام إلى عدة أسابيع، حسب طريقة التطبيق ونوع البشرة. تحتوي اليدان والقدمان على أكبر قدر من الكيراتين، ولهذا السبب تكون البقع أغمق لوناً على هذه الأجزاء من الجسم.
ينتشر استخدام الحناء بمنطقة الشرق الأوسط في الشعائر التقليدية بكثرة، وخاصة بين النساء، لكن دراسة قديمة أجراها فريق من الباحثين في جامعة الإمارات العربية المتحدة، ونشرتها دورية ابيضاض الدم واللمفوما (Leukemia & Lymphoma)، توصلت إلى زيادة نسبة الإصابة بسرطان الدم النقوي الحاد لدى النساء الإماراتيات بنسبة 93% مقارنة بالرجال الإماراتيين، وبنسبة 63% مقارنة بالنساء الوافدات. وفقاً للباحثين، ليست الحناء هي المادة المسببة للسرطان، بل المركبات المستخدمة بصفتها مذيباً لمسحوق الحناء، مثل البنزين، الذي قد يُستخدم في الطلاء الصناعي، وقد جرى تحديده على أنه عامل مسبب للسرطان ومحظور لهذا السبب في عدد من الدول.