هل وجود تاريخ عائلي للإصابة بالسرطان يعني حتماً الإصابة به؟ الإجابة من الدكتورة ملاك الثقفي

4 دقيقة
هل وجود تاريخ عائلي للإصابة بالسرطان يعني حتماً الإصابة به؟ الإجابة من الدكتورة ملاك الثقفي
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تعديل: مهدي أفشكو.

وفقاً لدراسة أجرتها الدكتورة ملاك عابد الثقفي، وهي خبيرة عالمية بمجال علم الأورام العصبية والجينية، تصل نسبة حالات السرطان الوراثية لدى الأطفال في السعودية إلى نحو 40%، وهذه النسبة كبيرة مقارنة بالنسبة العالمية التي تبلغ 10% عند الأطفال، فما هو السرطان الوراثي؟ وكيف يمكن تشخيصه باكراً وما هي مميزاته في العالم العربي؟ تُجيب الدكتورة ملاك الثقفي رئيسة قسم علم الأمراض العصبية ومديرة برنامج الزمالة في كلية الطب من جامعة إيموري الأميركية في مقابلة حصرية مع مجرة.

اقرأ أيضاً: ديب مايند تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أسباب الأمراض الجينية

هل توجد طفرات أو تغيرات وراثية منتشرة في العالم العربي تؤهب للإصابة بالسرطان بشكلٍ نوعي لدى العرب تحديداً؟

أحب التوضيح دائماً بأن السرطان مرض جيني، أي يحدث غالباً بسبب تغيرات أو طفرات جينية وأحياناً فوق جينية، ومن جهةٍ أخرى له بُعد وراثي أحياناً، أي ينتقل عن طريق الآباء والأمهات للأبناء، ويُعدّ الجزء الوراثي نادراً بشكلٍ كبير، فهو ممكن لكن معظم الحالات تكون نتيجة الإصابة بخلل جيني قد لا يكون موروثاً.

هناك متغيرات وراثية متنوعة في العالم العربي والعالم الغربي، بالتأكيد هناك تغيرات جينية مكتسبة مماثلة لتلك الموجودة في السرطانات التي تنتشر في العالم الغربي، لكن مَن يعمل في مجال أبحاث السرطان في العالم العربي يعرف بوجود متغيرات جينية بعضها مختلفة أيضاً عن الدراسات الغربية.

مثلاً في سرطانات الثدي وسرطانات القولون، هناك بعض الطفرات الشائعة بشكلٍ أكبر في المجتمعات العربية مقارنة بالغربية، والعكس صحيح، هناك طفرات منتشرة في العالم الغربي ليست موجودة في سرطانات مماثلة في العالم العربي. 

لا يُعدّ السرطان الوراثي النوع الرئيسي من السرطانات، ووفق الدراسات الغربية، يشكّل السرطان الوراثي الذي ينتقل من الأب أو الأم أو كليهما نحو 5-10% من السرطانات. من الأمثلة التي درسناها مع زملاء من الأردن متلازمة السرطان الوراثية التي تُسمَّى الخلل في تعديل أخطاء عدم التطابق في أثناء تصنيع الحمض النووي (Constitutional Mismatch Repair Deficiency) وتعبّر عن خلل في الجينات التي وظيفتها تصحيح الأخطاء التي تحدث عند تضاعف الجينوم، حيث عملية الانقسامات في مليارات الخلايا بالجسم، ويحتوي الجسم على أكثر من 3 مليارات وحدة بنائية للدي إن أيه في كل خلية، وتضاعف فيها دون خلل، لكن في بعض الحالات النادرة يحدث خلل، ولكن يمتلك الجسم عدة آليات لإيقاف الخلل وإصلاحه في وقتٍ محدد من أوقات الانقسام، لكن في بعض متلازمات السرطان مثل الخلل في جينات الترميم مثل (MSH2 وPMS2 وMLH1 وMSH6 وMMR)، تُصاب آليات إصلاح الأخطاء بخلل ما يؤدي الى تراكم الخلل في المادة الوراثية والإصابة بسرطانات مختلفة في الجسم.

ووجدنا في دراسة بالسعودية ودراسات أخرى في الأردن، أن نحو 25-27% من الأطفال العرب المصابين بأورام الدماغ الدبقية من الدرجات العالية، لديهم طفرة في جين "سي إم إم آر دي" (CMMRD)، وهو يؤهب للإصابة بمرض السرطان الوراثي وله صفة متنحية، أي يجب أن يكون الأب والأم حاملين لهذه الطفرة كي يُصاب الأطفال بهذا المرض. وتُعدّ الأمراض الوراثية المتنحية السرطانية وغير السرطانية منتشرة لدينا في العالم العربي بسبب زواج الأقارب، هذا يفسّر لماذا لدينا عدد حالات أكثر من المصابين بهذه المتلازمة مقارنة بالغرب.

ما يُثير الاهتمام بهذه المتلازمة السرطانية هو عدم الفائدة من القيام بالعلاج الإشعاعي للورم، إذ يسبب الإشعاع تلفاً في الحمض النووي، وعند وجود خلل في إصلاح الدي إن أيه، لا يُنصَح بإعطاء العلاج الإشعاعي، إذ قد تزيد الحالة سوءاً ويُصاب بسرطانات أخرى. لهذا، عالجنا أول حالة في العالم العربي باستخدام العلاج المناعي لطفلة مصابة بسرطانة دماغية دبقية من الدرجة الرابعة عندها متلازمة "سي إم إم آر دي" (constitutional mismatch repair deficiency) ، وأظهر العلاج المناعي فاعلية كبيرة، وهذه واحدة من أبرز استخدامات العلاج المناعي التي تفيد بشكلٍ خاص عند وجود خلل في جينات إصلاح الدي إن أيه.

هل وجود تاريخ عائلي للإصابة بالسرطان يعني حتماً الإصابة به؟ وما هي نسبة السرطان الوراثي العائلي عربياً وفق أبحاثك وتقديراتك؟   

وجود سرطان وراثي لا يعني أنه محتوم عليك الإصابة بالمرض، إذ تطور العلم ويمكنك اتخاذ عدة تدابير تساعدك على تقليل احتمال الإصابة وتخفيف المضاعفات بشكلٍ كبير.

وبالحالة العامة يوجد نوعان من السرطان الوراثي؛ الأول يكون بالصفة السائدة والثاني بصفة متنحية، تنتشر الحالة المتنحية للأسف في بلداننا العربية بشكلٍ أكبر بسبب زواج الأقارب، لكن نسبة الحالات السائدة لدينا تشبه النسب العالمية، لذا تُعدّ معرفة تاريخ العائلة الطبي مهمة للوقاية، أي معرفة من بعائلتك مصاب بالسرطان من والديك أو أقاربك، فهذا يساعد المستشار الوراثي والطبيب على اختيار أفضل طريقة للقيام بالاختبارات المسحية والكشف المبكر وتوفير التوصيات التي تحقق نمط الحياة الأفضل للوقاية من السرطان وتقليل احتمال الإصابة به. 

كيف يمكن للتشخيص الوراثي أن يساعد على كشف الأورام الدماغية والأورام بشكلٍ عام؟

يُعدّ التشخيص الوراثي، خصوصاً في المتلازمات السرطانية الوراثية، مهماً بشكلٍ كبير، ويوفّر التشخيص الوراثي نوعين من الوقاية من الإصابة بالأورام وكشفها المبكر، وهما:

  •  الوقاية من النوع الأول: هي تعزيز الالتزام بنمط حياة صحي، أي أن تأكل طعاماً صحياً وتحاول ممارسة الرياضة وتتجنب التدخين والكحول وتقليل التعرض لأشعة الشمس المباشرة وغيرها إذا كان لديك استعداد وراثي من أهلك للإصابة بالسرطان، إذ يحدث السرطان بسبب خلل جيني نتج عن التعرض لهذه المسببات الكيميائية والإشعاعية الضارة ونمط الحياة الضار.
  • الوقاية من النوع الثاني: يساعد التشخيص الوراثي على مساعدة المستشار الوراثي وطبيبك على معرفة وجود متلازمة وراثية مرتبطة بالسرطان ويسهم في تصميمهم لطريقة تساعدك على الوقاية والتشخيص المبكر من خلال القيام بفحوصات دورية للسرطان. 

اقرأ أيضاً: هل تكون الخطوة التالية لتقنية كريسبر هي تعديل الجينات للعموم؟

ما هو تقييمك لوضع السرطان الوراثي في العالم العربي؟ 

يجب ألّا نخيف الناس من السرطان الوراثي، لكنه نوع سرطان موجود في العالم العربي، ولكن العيادات المتخصصة في الأورام الوراثية ليست كثيرة للأسف، لذا أطلب من الناس أن يكونوا واعيين بتاريخهم المرضي عن طريق الأب والأم، لكي يساعدوا الطبيب المعالج وخصوصاً طبيب الأورام على التشخيص وتحديد الأسباب المحتملة لنشوء السرطان وكيفية علاجه، لأنه لا يوجد لدينا متخصصون بكثرة في الأورام الوراثية في العالم العربي على عكس العالم الغربي الذي لديه عيادات متخصصة بمتلازمة معينة، بينما في العالم العربي، ستكون محظوظاً إن وجدت طبيباً متخصصاً ويفهم بعمق في الأورام الوراثية.

بالنسبة للاختبارات الخاصة بالأورام الوراثية، هناك طريقتان لتشخيصها:

  • الطريقة السريرية التي لديها معايير معينة يشخّصها الطبيب، مرتبطة بالتاريخ المرضي الشخصي والعائلي وبعض العلامات السريرية.
  • الطريقة الجينية التي يرسل بها الطبيب عينات لفحص الجينات المسببة للمرض.

 يجب دائماً أخذ السياق المرضي، فلا يوجد شيء واحد يسبب حدوث السرطان، بل مجموعة عوامل مرتبطة ببعضها، حتى وإن كان الشخص يمتلك طفرات لها علاقة بالسرطان الوراثي، هذا لا يعني بالنهاية أنه سيُصاب حتماً، فهناك أشخاص لديهم النمط الجيني المسبِّب للسرطان الوراثي لكنهم لا يصابون بالسرطان، وهناك أناس يصابون به مبكراً.

وفق دراسة سعودية تم نشرها عن سرطان الأطفال لتقدير نسبة احتمال الإصابة بالسرطان الوراثي عند الأطفال في السعودية، وجدنا أن نحو 4 من كل 10 من حالات السرطان التي تُصيب الأطفال بالسعودية تكون وراثية، بينما عالمياً تصل هذه النسبة إلى 10% عند الأطفال، فالنسبة عالية وتحتاج إلى دراسات بشكلٍ أكبر، كنا محدودين في عدد الأشخاص بالدراسة بسبب التكلفة وغيرها، فأفضل شيء يمكنك القيام به للوقاية هو معرفتك بتاريخ عائلتك بشكلٍ جيد، خصوصاً فيما يتعلق بالأورام.