يوحي لنا مجرد ذِكر عارضات الأزياء بالقامة بالغة النحافة التي تُلائم معايير هذه المهنة، وعند التفكير سندرك أن هذا الشكل "القمة في المثالية" يخفي بيئة تزدهر فيها اضطرابات الأكل. حيث تلجأ عارضات الأزياء في كثيرٍ من الأحيان إلى سلوكيات الأكل المضطرب وممارسة الرياضة بإفراط خوفاً من أن عدم تلبية "معايير" هذه المهنة سيدفعهن إلى خسارة مهنتهن.
اقرأ أيضاً: "الساركوبينيا": ما سُبل الوقاية من فقدان العضلات الناجم عن التقدم بالعمر؟
وعند النظر في الآثار المترتبة على متطلبات صناعة الأزياء من حيث الهزال الشديد على صحة العارضات، نجد أن المخاطر ترتبط بعاملين؛ العامل الأول هو تأثير "التجويع" في صحة سائر أعضاء الجسم بما في ذلك الدماغ، وخاصةً عندما يترافق الحرمان من المغذيات مع فترة النمو. والعامل الثاني أن المبالغة في تقدير النحافة الشديدة والحكم على الوزن يزيد من خطر الإصابة باضطراب الأكل.
لمَ من الصعب الحصول على إحصائيات حول انتشار اضطرابات الأكل بين عارضات الأزياء؟
تكمن الإجابة عن هذا السؤال بأن العارضات لا يقمن في كثيرٍ من الأحيان بالإبلاغ عن المعايير والضغوط التي يتعرضن لها بسبب الخوف من أن تنقلب وكالاتهن أو علاماتهن التجارية عليهن. يُضاف إلى ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي سمحت بانتشار الكثير من المعلومات الطبية المغلوطة التي تتطلب التدقيق.
ومع ذلك، فإن أهم الإحصائيات تتلخص بـ:
- %40 من العارضات يصبن باضطرابات الأكل.
- %62 من العارضات اللاتي استُطلِع رأيهن طُلب منهن إنقاص الوزن أو تغيير شكلهن أو حجمهن من قبل وكالتهن.
- %54 من العارضات تتخطى إحدى وجبات الطعام يومياً.
- %39 من العارضات استخدمن السوائل المغذية الوريدية لتعويض سوء التغذية الناتج عن سلوكيات اضطرابات الأكل.
- %25 من العارضات حفّزن أنفسهن ذاتياً كي يتقيأن بعد الطعام.
- %81 من العارضات ذوات مؤشر كتلة جسم مُصَنف على أنه دون المستوى الطبيعي.
- %21 من العارضات أُخبرن أنهن سيفقدن وظيفتهن ما لم يفقدن وزناً.
- أكثر من 9% من العارضات كانت قد نُصِحت بإجراء جراحة تجميلية.
ما الحالات الصحية التي تُعانيها عارضات الأزياء؟
تعاني عارضات الأزياء أكثر من غيرهن من اضطرابات الأكل نتيجة قيامهن بتقييد تناول الطعام أو الإفراط في ممارسة الرياضة أو تناول المُسهلات أو المُقيئات لتحريض إنقاص الوزن. فهذا التقييد الشديد يمكن أن يؤدي أيضاً إلى حدوث نوب من الأكل المفرط نتيجة الحرمان الشديد، لهذا السبب يشيع حدوث علاقات مشوّهة مع الطعام وعدد من سلوكيات الأكل المضطربة عند عارضات الأزياء ومن أهمها:
- الشره العصبي أو البوليميا: الشره العصبي هو اضطراب يتميز بحدوث نوب من الشراهة عند تناول الطعام يتلوه استخدام المُسهلات أو الملينات أو مُحضرات الإقياء أو مدرات البول أو ممارسة الرياضة بشكلٍ مفرط للتخلص من السعرات الحرارية المستهلكة.
- القهم العصبي أو فقدان الشهية العصبي (الأنوريكسيا): يتميز فقدان الشهية العصبي بتقييد الفرد الشديد لنفسه بما يتعلق بتناول الطعام خشية زيادة الوزن، وأحد أشكاله "تخطي الوجبات"، حيث تتخطى الكثير من العارضات الوجبات من أجل إنقاص الوزن.
- الاضطرابات النفسية: تعاني عارضات الأزياء أكثر من غيرهن من حدوث طيف واسع من الاضطرابات النفسية كنتيجة لوجود حالة من اضطرابات الأكل وبسبب العبء والضغط الكبير الواقع عليهن، حيث تتضمن الاستجابة للجوع تعديل العمليات الأيضية والفيزيولوجية والتغيرات في الدوافع والأفكار والمشاعر والسلوك. ومن أكثر هذه الاضطرابات شيوعاً نذكر اضطراب صورة الجسد والقلق والتوتر المستمرين والأرق وحتّى الاكتئاب السريري.
- الاضطرابات الهرمونية: يتناقص هرمون الليبتين مع انخفاض وزن الجسم، وبدون مستويات كافية من الليبتين تتعطل سلسلة الأحداث الهرمونية التي تتحكم في الإباضة والانغراس، وتصبح الدورة الشهرية نتيجةً لذلك غير منتظمة أو غائبة، كما يتراجع مع ذلك معدل الخصوبة.
- سوء التغذية: كنتيجةٍ لنقص الوارد الغذائي أو استخدام المقيئات والمُسهلات، تتراجع مخازن المعادن والفيتامينات في الجسم ويتظاهر ذلك كاضطراب في عمل الأعصاب نتيجة نقص فيتامين B12 أو هشاشة العظام نتيجة عوز فيتامين D.
اقرأ أيضاً: هل يساعد الصيام على تقليل من مقاومة الإنسولين؟
ما المخاطر الصحية المترتبة على الإصابة باضطرابات الأكل وخسارة الوزن الشديدة؟
في حال لم تحصل العارضات اللواتي يعانين المشكلات الصحية التي ذُكِرت أعلاه، فقد تتفاقم الحالة الصحية لتؤثّر في أجسامهن وأذهانهن ومعظم جوانب حياتهن اليومية بصورة سلبية. أولى هذه المضاعفات تراجع أداء الخلايا العصبية الدماغية لدى اللواتي يعانين القهم العصبي الشديد، بكلماتٍ أخرى ينكمش الدماغ نتيجة تراجع مكوناته لهذا يشيع ضعف في التركيز لدى المصابات.
وأبعد من ذلك تتأثر خطوط الدفاع المناعية لدى المصابات، والذي يتظاهر على شكل زيادة حدوث في الإنتانات والشعور بالضعف المستمر، بالإضافة إلى ازدياد حدوث مضاعفات القلب والأوعية الدموية والإصابة بقصور القلب وبخسارة العضلات. تزداد أيضاً خسارة الشعر نتيجة تراجع مخزون الفيتامينات والمعادن في الجسم مثل الحديد وفيتامين E، ويُصبح الجلد أكثر جفافاً وأرق.
تزداد خطورة هذه المضاعفات مع صغر السن، على سبيل المثال إذا حدثت الشراهة في مرحلة المراهقة -عندما يكون الدماغ النامي أكثر عرضة للمكافأة- فقد يتبع ذلك حدوث نوب شديدة من النهم، وعادةً ما يكون الأفراد الذين يتعرضون للنهم أكثر عرضة لإساءة استخدام المواد المخدرة وإدمان الكحول والتدخين، وهنا تكمن الخطورة.
اقرأ أيضاً: ما هي متلازمة "اللكنة الأجنبية" إليك التفسير العلمي وراءها
تزداد شدة أعراض الأمراض العقلية مثل الاكتئاب الشديد واضطراب القلق العام واضطراب ما بعد الصدمة وتعاطي المخدرات لدى هؤلاء الأفراد أيضاً، كما يكون الأشخاص الذين يستخدمون المواد المحرضة للقيء بكثرة أكثر عرضة لحدوث أمراض اللثة وتسوس الأسنان وفقدانها، إلى جانب قرحة المعدة وقرحات المريء وتلف العضلة العاصرة للمريء.