تنبأ المدافعون عن حقوق كبار السن بأن جائحة كوفيد-19 ستكون جرسَ إنذار لأميركا، وأنها ستُبرز أدلة قاطعة على أن المسؤولين في البلاد لا يبذلون ما يكفي من الجهد لرعاية كبار السن المعرضين إلى الخطر.
كانت حصيلة الوفيات بين كبار السن في الجائحة صادمة، وكذلك التقارير التي تحدثت عن الفوضى التي سادت دور العجزة ومعاناة كبار السن العزلة والاكتئاب والأمراض غير المعالجة والإهمال. توفي نحو 900 ألف شخص من كبار السن بسبب كوفيد-19 حتى الآن، وهو عدد يمثّل نسبة 3 من كل 4 أميركيين توفوا بسبب الجائحة.
ولكن الإجراءات الحاسمة التي أمل فيها المدافعون عن حقوق المسنين لم تتبلور بعد. يبدو اليوم أن معظم الأشخاص والمسؤولين الحكوميين يتقبل مرض كوفيد-19 على أنه جزء من الحياة العادية. لا يحصل العديد من كبار السن المعرضين لخطر الإصابة بمرض كوفيد-19 على العلاجات المضادة للفيروسات، ولا يحصل معظم كبار السن في دور العجزة على اللقاحات المحدثة.
توقّفت الجهود المبذولة لتعزيز جودة الرعاية في دور العجزة ومراكز المعيشة المساعَدة وسط نشوب جدل حول التكاليف وتوافر الموظفين. ترتدي نسبة قليلة فقط من الناس الكمامات أو تتخذ الاحتياطات الأخرى في الأماكن العامة، على الرغم من انتشار الموجة الجديدة من حالات عدوى كوفيد-19 والإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي التي تتسبب بإقامة كبار السن في المستشفيات ووفاتهم.
كبار السنّ: الأكثر ضعفاً في مواجهة الأمراض التنفسية
وفقاً للبيانات التي قدمتها مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها، توفي 4,810 أشخاص يبلغون من العمر 65 عاماً أو أكثر بسبب كوفيد-19 في الأسبوع الأخير من عام 2023 وأول أسبوعين من عام 2024 فقط، وهو عدد كاف لملء أكثر من 10 طائرات كبيرة. لكن لم يصدر أي تحذير ينبّه من وقوع هذه الوفيات. (تسبب مرض الإنفلونزا بوفاة 1,201 شخصاً من كبار السن خلال الفترة نفسها؛ بينما تسبب الفيروس المخلوي التنفسي بـ 126 حالة وفاة من هذه المجموعة).
تقول كبيرة مستشاري الشيخوخة في معهد تحسين الرعاية الصحية البالغة من العمر 66 عاماً، أليس بونر: "يحيرني غياب الغضب بسبب ذلك. ووصلت إلى مرحلة أشعر فيها بضيق كبير. لماذا لا يستجيب الخبراء ويتخذون المزيد من الإجراءات لصالح البالغين الكبار السن؟"
هذا سؤال وجيه. هل الخبراء غير مهتمين ببساطة؟
طرحتُ هذا السؤال المصاغ من وجهة نظر شاملة، الذي لا يُطرح إلا نادراً في المناقشات حول الميزانيات والسياسات، على متخصصي الرعاية الصحية والباحثين وصانعي السياسات الذين هم أنفسهم من كبار السن وأمضوا سنوات عديدة في العمل في مجال الشيخوخة. وسأستعرض هنا بعضاً من أجوبتهم.
اقرأ أيضاً: المُسبب الأكثر شيوعاً للوهن والتعب: ما أسباب التجفاف عند كبار السن؟
التأثير السلبي للجائحة
قال أستاذ علم النفس وعلم الشيخوخة في جامعة كورنيل البالغ من العمر 69 عاماً، كارل بيليمر، إن الانحياز ضد كبار السن ليس جديداً؛ لكنه "يبدو أكثر حدة وعدائية" الآن أكثر من ذي قبل، وأضاف قائلاً: "أعتقد أن الجائحة ساعدت على تعزيز صورة كبار السن على أنهم مرضى وضعفاء ومعزولون وليسوا مثل غيرهم. وبسبب الطبيعة البشرية؛ فنحن نميل إلى أن نحب الأشخاص الذين يشبهوننا ولا نفضّل 'الآخرين' بالقدر نفسه".
قال الأستاذ الفخري في مركز تكساس الطبي في مدينة هيوستن البالغ من العمر 76 عاماً، أندرو أشينباوم، الذي ألّف 9 كتب عن الشيخوخة: "شعر الكثير منا بالعزلة والتهديد في أثناء الجائحة؛ إذ إنها دفعتنا إلى أن نقول لأنفسنا 'ما يهمني حقاً هو حماية نفسي وزوجتي وأخي وأطفالي، وتباً للآخرين'".
من الأشخاص الذي يمكن فعلاً الاستغناء عنهم في عالم تسوده عقلية 'نحن ضد الآخرين'؛ حيث يريد الجميع إلقاء اللوم على غيرهم؟ إنهم كبار السن الذين يستهلكون الموارد التي يُعتقد أنها شحيحة ولا يُنظر إليهم على أنهم منتجون. من الصعب حقاً أن تمنح كبار السن حقوقهم عندما تكون خائفاً بسبب وجودك بحد ذاته".
قال مدير إدارة الشيخوخة في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية البالغ من العمر 67 عاماً، إدوين ووكر، إنه على الرغم من استمرار انتشار كوفيد-19، الذي يؤثر على نحو غير متناسب في كبار السن، "يعتقد الناس الآن أن الأزمة انتهت، ولديهم رغبة عميقة في العودة إلى الوضع الطبيعي". يمثّل ووكر نفسه في هذا الكلام، وليس الحكومة الأميركية.
وأضاف قائلاً إن النتيجة هي "أننا لم نتعلم الدروس التي كان من المفترض أن نتعلمها"، وأن التحيز ضد كبار السن الذي ظهر خلال الجائحة لم ينحسر.
اقرأ أيضاً: لماذا يشيع الإعياء بين كبار السن؟
التحيز ضد كبار السن واسع الانتشار
قال المؤسس المشارك والمستشار الاستراتيجي في مركز الاستثمار الوطني لإسكان كبار السن ورعايتهم البالغ من العمر 74 عاماً، روبرت كريمر: "يحب الجميع آباءهم؛ ولكن المجتمع لا يثمّن كبار السن أو الأشخاص الذين يعتنون بهم".
يعتقد كريمر أن جيل طفرة المواليد يحصد ما زرعه؛ إذ يقول: "نحن سعينا إلى الشباب ومجدّناه، خلقنا خوفاً تلقائياً من التقدم في العمر وانحيازاً ضدّه بسبب إنفاق مليارات الدولارات في محاولة للحفاظ على الشباب وشكله وللتصرف مثل الشباب".
قال أستاذ سياسة الصحة والشيخوخة في كلية ميلمان للصحة العامة في جامعة كولومبيا البالغ من العمر 79 عاماً، جون رو، إنه من الواضح أن "جائحة كوفيد-19 أعاقت التقدّم الذي أحزرناه في تناول حاجات المجتمع الذي تزداد أعمار أفراده بسرعة"، وذلك بالنظر إلى الجمع بين الخوف من تناقص القيمة والتراجع والموت الذي يمكن أن يصاحب التقدم في العمر من جهة ومشاعر الصدمة والخوف التي نشأت في أثناء الجائحة من جهة أخرى. ووصمت الجائحة التقدّم في العمر بالعار أكثر".
قالت خبيرة السياسات الصحية في اللجنة الوطنية للحفاظ على الأمان الاجتماعي وبرنامج الرعاية الطبية (ميديكير) البالغة من العمر 65 عاماً، آن مونتغمري: "تنص الرسالة التي تُوجَّه لكبار السن الآن على أن وقتهم مضى وعليهم التخلي عن مكانتهم والتوقف عن استهلاك الموارد والالتزام بما قُرر لهم". مع ذلك، تعتقد مونتغمري أن مواليد جيل الطفرة يستطيعون "إحداث التغيير إذا أرادوا ذلك وإذا بذلوا جهداً لتغيير النظام الذي يجسّد قيم المجتمع الذي يتسم بالتحيّز الشديد ضد كبار السن".
اقرأ أيضاً: لماذا يجب على صغار السن الذين أصيبوا بمرض كوفيد-19 الحذر من داء السكري؟
الحاجة إلى دمج كبار السن في المجتمع، لا فصلهم عنه
قال طبيب الشيخوخة ورئيس قسم الابتكار في الشيخوخة والعته في معهد شليغل وجامعة واترلو لأبحاث الشيخوخة في كندا البالغ من العمر 70 عاماً، ألين باور، إن الطريقة الأفضل للتغلب على الوصم هو "التعرّف على الأشخاص الذين تصمهم بالعار. لكننا نفصل أنفسنا عن كبار السن حتى لا نضطر إلى التفكير في شيخوختنا وفنائنا".
الحل وفقاً لباور هو "التوصل إلى طرائق لدمج كبار السن في المجتمع بدلاً من نقلهم إلى أماكن تعزلهم عن الآخرين. يجب علينا ألا نركّز فقط على الخدمات التي قد يحتاج إليها كبار السن؛ بل علينا التفكير في كل ما يمكنهم تقديمه للمجتمع بدلاً من ذلك".
هذه الفكرة هي من المبادئ الأساسية لتقرير بعنوان "خارطة الطريق العالمية لطول العمر الصحي" الذي أصدرته الأكاديمية الوطنية للطب في عام 2022. قال مؤلفو التقرير في المقدمة حول النتائج التي توصلوا إليها إن كبار السن هم "مورد طبيعي" وهم "يقدمون إسهامات كبيرة لأسرهم ومجتمعاتهم".
تشمل هذه الإسهامات الدعم المالي للأسر والمساعدة على تقديم الرعاية والأعمال التطوعية والانخراط المستمر في القوى العاملة، وغيرها.
يخلص التقرير إلى أنه "عندما يعيش كبار السن حياة مزدهرة، سيزدهر المجتمع ككل".
اقرأ أيضاً: حتى الآن: دليلك الشامل للتعرف إلى أعراض كوفيد-19
الأجيال المستقبلية ستعاني المشكلات نفسها
هذه هي الرسالة التي ينقلها كريمر إلى طلابه في الفصول الدراسية التي يدرّسها في جامعة جنوب كاليفورنيا وجامعة كورنيل ومؤسسات أخرى؛ إذ إنه يقول لهم: "أنتم معنيون بتغيير الطريقة التي نعالج فيها مسألة الشيخوخة أكثر مني بكثير. وأنتم أكثر عرضة مني بكثير من الناحية الإحصائية إلى أن تتجاوزوا سن المائة عام. إذا لم تغيروا سلوك المجتمع تجاه الشيخوخة، فستعانون الإهمال من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في الثلث الأخير من حياتكم لا محالة".
يعتقد كريمر أن "الأوان فات" بالنسبة إليه وإلى أبناء جيل الطفرة الآخرين لإحداث التغييرات الهادفة التي يأمل أن تُحدث في المستقبل؛
إذ يقول: "أعتقد أن الظروف ستسوء للغاية في السنوات القادمة بالنسبة إلى أبناء جيلي. يستخف الناس إلى حد كبير بتكلفة رعاية كبار السن من السكان على مدى السنوات العشر إلى العشرين المقبلة، وأعتقد أن ذلك سيؤدي إلى نشوء صراع متفاقم".