قد يعاني البعض حكة شديدة واحمراراً وتقشراً في الجلد أو تساقط الشعر؛ ما يسبب لهم إزعاجاً وحرجاً في التجمعات. وعلى الرغم من إمكانية علاج الأعراض فمن الممكن أن تظهر مجدداً لأنها حالة مزمنة وإن لم تكن خطيرة. تلك هي الأكزيما الدهنية، أو ما يُعرف بـ "التهاب الجلد الدهني" (Seborrheic dermatitis)، وهي حالة جلدية شائعة تُصيب أجزاءً مختلفة من الجسم، خاصة المناطق التي تحتوي على الغدد الدهنية مثل فروة الرأس والوجه والجزء العلوي من الصدر. ومع أنها تصيب الملايين في جميع أنحاء العالم، إذ يعانيها نحو 11% من السكان، فهي لا تشكل خطورة على صحة الفرد عموماً، وليست معدية. في هذا المقال، نتعرف إلى العوامل التي قد تسهم في حدوثها، واستراتيجيات العلاج والوقاية منها.
ما هي الأكزيما الدهنية؟
يمكن أن تظهر الأكزيما الدهنية على هيئة قشور دهنية بيضاء أو صفراء على الجلد، يصاحبها حكة متباينة في الشدة وشعور بالحرقان خاصة في فروة الرأس وطفح جلدي. وفي الحالات الشديدة، يمكن أن تظهر قشور سميكة تسبب الإزعاج للمريض، والتهاب يؤدي إلى تساقط الشعر. تؤثر الأكزيما الدهنية عادة في مناطق الجسم التي يزداد فيها نشاط الغدد الدهنية، فيسبب بقعاً دهنية أو زيتية على الجلد، إلى جانب احمرار الجلد وتقشره. وفي بعض الحالات، قد يلتهب الجفنان، ما يسبب احمرارهما وتورمهما وتقشر الرموش.
يمكن أن تظهر هذه الحالة بأشكال مختلفة عبر الفئات العمرية، حيث يصيب الرضع عادةً ما يعرف بـ "قلنسوة المهد"، وهي لا تسبب مشكلة غالباً وتختفي تلقائياً. لكن قد يعاني الأشخاص تقشراً وحكة واحمرار واسع النطاق، خاصة في المناطق الغنية بالغدد الدهنية؛ مثل فروة الرأس والوجه، وطيات الأنف والأذنين وأعلى الجذع؛ ما يزيد الشعور بالانزعاج والحرج الاجتماعي ويعكر الحالة المزاجية، ويؤثر في نوعية الحياة بسبب وضوح أعراضها وطبيعتها المزمنة؛ إذ قد تظهر على فترات متقطعة وتتفاقم في أوقات معينة، خاصة عند التعرض إلى الضغط النفسي أو الإرهاق.
اقرأ أيضاً: هل تؤدي الجينات دوراً في حدوث الأكزيما؟
ما أسباب الأكزيما الدهنية؟
على الرغم من عدم معرفة الأسباب الدقيقة للأكزيما الدهنية على نحو كامل، فإن هناك عدة عوامل تسهم في ظهورها، من بينها:
- فرط نمو الفطريات: قد يتمثل أحد أسباب تحفيز الأكزيما الدهنية في زيادة نمو فطر الملاسيزية (Malassezia)، الذي يعيش بصورة طبيعية على الجلد. تتغذى هذه الفطريات على الدهون التي تفرزها الغدد الدهنية، لكن عندما تغزو الملاسيزية الطبقة الخارجية من الجلد وتطلق إنزيم الليباز، تتكون أحماض دهنية فيلتهب الجلد في المناطق المصابة.
- زيادة إفراز الدهون: تفرز الغدد الدهنية زيت طبيعي يسمى الزهم، ويتأثر إنتاجه بالتغيرات الهرمونية خاصة في أثناء البلوغ والدورة الشهرية والحمل، ما يسهم في تهيئة بيئة مناسبة تعزز نمو الفطريات وقد تؤدي إلى التهاب الجلد.
- حالات صحية: قد تزداد احتمالات اللإصابة بالأكزيما الدهنية لدى الأشخاص المصابين بأمراض الجهاز المناعي، مثل فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب، أو لديهم ضعف في المناعة أو يعانون بعض الحالات الصحية مثل باركنسون والصرع وحب الشباب واضطرابات الطعام والاكتئاب.
- عوامل وراثية وبيئية وحياتية: يمكن أن تزيد احتمالية ظهور الأعراض أو تفاقمها بسبب وجود تاريخ عائلي للإصابة بالمرض، والتغيرات البيئية والحياتية ونمط الحياة مثل الإجهاد، أو تغير الفصول واستخدام بعض منتجات العناية بالبشرة.
أبرز العلاجات المتاحة للأكزيما الدهنية
تتوفر عدة خيارات علاجية للأكزيما الدهنية تختلف حسب شدة الحالة ومدى تأثر الجلد، وتهدف إلى تخفيف الأعراض وتقليل العلامات المرئية للحالة ومنع تفاقم المرض، وتتضمن:
- الشامبو الطبي: في الحالات البسيطة، يعد شامبو قشرة الرأس المتاح دون وصفة طبية، الذي يحتوي على مكونات نشطة مثل السيلينيوم أو بيريثيون الزنك أو قطران الفحم، خياراً أساسياً في علاج الحالات التي تصيب فروة الرأس. أو قد يصف الطبيب أحد أنواع الشامبو المضاد للفطريات الذي يحتوي على مواد مثل كيتوكونازول، التي تستخدم يومياً أو مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع إلى أن تتحسن الأعراض، ثم يمكن تقليل الاستخدام تدريجياً لمنع تكرار الإصابة، ويمكن الاستمرار باستخدام هذه الأنواع على فترات متقطعة للوقاية. يتضمن علاج الأعراض لدى الأطفال الرضع استخدام المُطريات مثل الفازلين أو الزيوت المعدنية لتليين القشور.
- العلاجات الموضعية: يمكن استخدام مراهم تحتوي على الكورتيكوستيرويدات أو الكريمات المضادة للفطريات مثل الكيتوكونازول على المناطق المتأثرة من الجلد لتقليل الالتهاب والسيطرة على نمو الفطريات.
- العناية المنزلية: يُنصح بغسل المناطق المتأثرة بانتظام بالماء الدافئ والصابون الملطف، ويمكن استخدام زيوت طبيعية مثل زيت الزيتون لتخفيف القشور.
وفي السياق ذاته، تنصح طبيبة الأمراض الجلدية، هبة يوسف العجيل، من يعانون الأكزيما الدهنية وتساقط الشعر الوراثي، بضرورة البدء بعلاج الأكزيما الدهنية أولاً قبل استخدام علاجات تساقط الشعر التي تحتوي على المينوكسيديل، حيث يمكن أن تفاقم هذه المادة التهاب فروة الرأس، وتزيد تهيج الأكزيما الدهنية بها.
اقرأ أيضاً: الحد من التساقط ومعالجة فروة الرأس: فوائد الزعتر للشعر
كيف يمكن الوقاية من الأكزيما الدهنية؟
تسهم التدابير الوقائية والاستشارة الدورية لأطباء الجلدية في تقليل فرص تكرار الإصابة بالأكزيما الدهنية، وتشمل:
- إدارة الإجهاد: قد يحفز الإجهاد الأكزيما الدهنية ويؤدي إلى تفاقم أعراضها. يمكن أن تساعد ممارسة الرعاية الذاتية وممارسة أنشطة تخفيف التوتر، مثل التأمل أو اليوغا أو قضاء الوقت في الطبيعة، على إدارة مستويات التوتر بفعالية وتحسين الصحة العامة وتقليل احتمالات عودة الحالة مرة أخرى.
- النظام الغذائي: قد يسهم اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن وشرب كميات كافية من الماء في تقليل ظهور الأعراض، إلى جانب الابتعاد عن الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من السكر والأطعمة المصنعة ومنتجات الألبان التي قد تحفز الأكزيما الدهنية أو تفاقم أعراضها. بالإضافة إلى تجنب استهلاك المشروبات الكحولية، إذ يمكن أن يهيج الكحول الجلد ويزيد الأعراض سوءاً.
- العناية بالبشرة: من المهم استخدام صابون لطيف وخالٍ من العطور، وتجنب المنظفات القاسية التي يمكن أن تجرد الجلد من زيوته الطبيعية المرطبة ما يؤدي إلى تفاقم الحالة. يمكن أن يساعد وضع المرطبات والمراهم مباشرة بعد الاستحمام في الحفاظ على ترطيب الجلد وتلطيف البشرة، مع مراعاة اختيار المنتجات المناسبة للبشرة الحساسة، والخالية من المهيجات المحتملة مثل الكحول أو المواد الكيميائية القاسية، لأنها قد تؤدي إلى تفاقم الأعراض.
- معرفة مثيرات الحالة: يجب تحديد مثيرات الحالة، مثل الطقس البارد أو الهواء الجاف أو الساخن، وبعض المنظفات أو المواد الكيميائية، ومن ثم تجنبها؛ هذا أمر أساسي في إدارة أعراض الأكزيما الدهنية.
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: الملوثات الكيميائية قد تزيد خطر الإصابة بالإكزيما
على الرغم من أن الأكزيما الدهنية حالة مزمنة يمكن أن تتكرر، فهي قابلة للإدارة. وقد تسهم التدخلات العلاجية المناسبة واتباع التدابير الوقائية في السيطرة على الأعراض ومنع تكرارها وتعزيز راحة المرضى.