في البداية، لم يكن البشر على دراية بأن التدخين مرتبط بحدوث مشكلات صحية، ولم نعرف بأنه المسبب الأول للإصابة بسرطان الرئة. بمعنى آخر، مرت سنوات قبل أن يفهم الناس أن السجائر تسبب أضراراً لأجسامهم، فلا يترتب على تدخين السجائر أي ألم ولا تُسبب سرطاناً بشكلٍ مباشر ولحظي، وإنما يحتاج الأمر إلى سنوات طوال. وفي حالة مماثلة، يمكن لنا أن نتساءل هل يمكن أن يكون السكر خطراً مثل السجائر وإننا ببساطة لم نعِ ذلك بشكلٍ دقيق بعد؟ الإجابة هي "نعم".
هل لاستهلاك السكر مخاطر تعادل مخاطر التدخين؟
في البداية من المهم توضيح أن السكر الذي نتحدث عنه ليس السكر الطبيعي الموجود في الفاكهة، فالسكر الموجود في الفاكهة والحليب ليس سيئاً لك، فهو يأتي دائماً مع كمية من البروتين والألياف التي تساعد الجسم على امتصاصه ببطء ما يؤدي إبطاء هضم السكر إلى منع ارتفاع هرمون الإنسولين بسرعة وإلحاق الضرر بالكبد، بل نتحدث عن السكر الأبيض المُضاف في أثناء معالجة الأطعمة والمشروبات المصنّعة كالحلويات والشوكولاتة والمشروبات الغازية ورقائق الذرة والكعك وغيرها، هناك كمية خفية من السكر المُضاف في أي منتج مُعلب نقوم بشرائه على اختلاف نوعه وإن كان ليس ذا مذاق حلو، فالسكر يساعد أيضاً على حفظ المواد الغذائية لمدة أطول.
اقرأ أيضاً: متى يمكن أن يسبب السكر مرض السكري؟
عندما نتحدث عن "التأثير التراكمي" لكلٍّ من التدخين والسكر، يكون تجنب السكر صعباً، فهو موجود في كل مكان، في حين يكون من السهل تجنب السيجارة، وبالتالي نحن نستهلك تلقائياً وبشكلٍ يومي كميات من السكر بينما قد لا ينطبق ذلك على التدخين.
يقول الصحفي والإعلامي غاري تاوبس في كتابه الجديد "الدعوى ضد السكر" (The Case Against Sugar) بهذا الخصوص: "السكر هو أكثر بكثير من مجرد سعرات حرارية وحسب، إذ جادلت مئات الدراسات التي امتدت على مدار القرنين الماضيين بأن السكر هو السبب الرئيسي للبدانة والإصابة بالسكري ويؤدي إلى تفاقم عدد من الحالات الصحية الأخرى مثل أمراض القلب والسرطان والسكتة الدماغية وارتفاع ضغط الدم والخرف ومرض الكبد الدهني غير الكحولي"، مشيراً في كتابه إلى أن هذا الشيء حلو المذاق يتسبب بعدد وفيات أكثر من التدخين، كما نصح في كتابه بالابتعاد عن السكر والتوقف من استهلاكه قدر الإمكان، وكان يقصد بذلك السكر الأبيض وشراب الذرة عالي الفركتوز.
اقرأ أيضاً: أضرار وأسباب التدخين: كيف تُتلف رئتك وتمرض بأموالك؟!
السكر مسؤول عن أعداد وفيات أعلى من التبغ
لا شك أن السكر "المحفز الغذائي" الذي يسبب مقاومة الإنسولين ومتلازمة التمثيل الغذائي والإصابة بداء السكري النمط الثاني، فارتفاع سكر الدم يعني حدوث البدانة، والبدانة تعني حدوث مقاومة على الإنسولين، والمقاومة على الإنسولين هي أحد أهم عوامل خطر الإصابة بداء السكري، فـ 68.8% من الأميركيين يعانون من السمنة، بينما لا تتجاوز نسبة المدخنين منهم 11.5%، وبالتالي احتمال وفاة الشخص بمضاعفات البدانة والسكري أعلى من التدخين في الولايات المتحدة الأميركية، وإن كان التدخين أخطر كعامل مسبب للسرطان، إلّا أن الأعداد الهائلة لمستهلكي السكر هي التي جعلت السكر أكثر خطورة.
من جهةٍ أخرى، استهلاك السكر يخلق حالة تُعرف بـ "نهم السكر" التي تتجلى بالشعور الدائم بالخمول والجوع الدائمين، والذي ينتهي أيضاً بالبدانة التي تشكّل بداية تطور داء السكري وخلق حالة من الإدمان على تناول السكر.
إدمان السكر وإدمان التدخين
في منتصف القرن التاسع عشر، أصبح السكر رخيص السعر، ومنذ ذلك الحين شهدنا ارتفاعاً هائلاً في استهلاكه لدرجة وضع فرضية حول "إدمان استهلاك السكر". الخطير أن السكر متاح للجميع والأخطر أن الأطفال هم أكثر فئة تتناوله، فأول ما يتردد إلى ذهن الأطفال عند دخول المتجر هو الحلويات والشوكولاتة، والأمر هذا مقلق إن كان الأهل مهملين للكمية المعقولة التي يُسمح لأطفالهم باستهلاك منتجات كهذه أو مهملين لدعم نظامهم الغذائي بالبروتينات والأغذية الصحية التي تقلل من الآثار السلبية للكميات المفرطة هذه من السكر.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أشهر 11 خرافة حول داء السكري
فمن المستحيل التحكم في دراسة السكر لأن الجميع يستهلكه، بينما على الأقل مع السجائر يمكن أن نقول إن لدينا مدخنين وغير مدخنين يمكننا دراستهم، أمّا عند الحديث عن السكر فلا يمكن فصل البشر إلى خانتين.
يمكننا أن نقول إن السكر هو التبغ الجديد، نجده في كل المنتجات جاعلاً من تناول الطعام الصحي شبه مستحيل وسامحاً لوباء البدانة أن يكون الأخطر في يومنا هذا وعبئاً هائلاً على المجتمعات.