عند الحديث عن التسمم الغذائي يتبادر إلى الأذهان مباشرة تناول طعام فاسد أو ملوث، وهو ما يُعرف بالتسمم الغذائي الحاد، لكن ما لا يخطر على البال أن العناصر الغذائية الأساسية قد تسبب التسمم الغذائي أيضاً، لكن عند الإفراط في تناولها، خاصة البروتينات والدهون، وهو ما يُعرف بالتسمم الغذائي المزمن.
التسمم الغذائي المزمن
يسهل تمييز التسمم الغذائي الحاد الناتج عن ملوثات الطعام، لكن تسبب بعض الحالات تسمماً غذائياً مزمناً وطويل الأمد، ويحدث لأسباب غير متوقعة، إذ يشمل الإفراط في تناول العناصر الغذائية الأساسية الضرورية للجسم، خاصة البروتينات والدهون.
التسمم البروتيني
يسبب اتباع الأنظمة الغذائية الغنية بالبروتين مع عدم وجود ما يكفي من الدهون والكربوهيدرات فترة طويلة من الزمن ما يُعرف بالتسمم البروتيني. يحصل الجسم في هذه الحالة على حاجته من السعرات الحرارية من البروتين، لكن يعاني سوء التغذية بسبب نقص العناصر الغذائية الأخرى، مثل الدهون والكربوهيدرات.
ولأن كلاً من الكبد والكلى هي الأعضاء المسؤولة عن استقلاب البروتين، فقد يؤدي الإفراط في تناوله إلى الاضطرابات بهذه الأعضاء، ما ينجم عنه زيادة مستويات الأمونيا واليوريا والأحماض الأمينية في الدم، ما يؤدي بدوره أيضاً إلى التسمم بالبروتين، والذي يمكن أن يكون قاتلاً بسبب هذه المستويات المتزايدة.
تتمثل أعراض التسمم بالبروتين بالغثيان والصداع، وتغيرات في المزاج، والتعب والجوع والإسهال، وانخفاض ضغط الدم، وبطء معدل ضربات القلب.
يوصى عموماً بتناول 0.8 غرام من البروتين لكل كيلوغرام من وزن الجسم، وتوفير 35% فقط من حاجة الجسم من السعرات الحرارية من البروتين، وتسبب الزيادة في هذه النسبة التسمم البروتيني.
يُعالَج التسمم بالبروتين باستهلاك المزيد من الدهون والكربوهيدرات، وتقليل تناول البروتين؛ أي أن النظام الغذائي المتوازن هو الحل، حتى إن معظم الأنظمة الغذائية الغنية بالبروتين، مثل نظام الكيتو، تشجّع على تناول كميات أكبر من الدهون وبعض الكربوهيدرات، لذلك لا تسبب التسمم بالبروتين.
اقرأ أيضاً: ما هو التسمم المائي؟
التسمم الدهني
تتمثل سمية الدهون باكتساب الوزن الزائد والسمنة، فعلى الرغم من أن الدهون هي مخازن الطاقة الإضافية في الجسم، فإنها تنتج موادَّ كيميائية وهرمونات يمكن أن تكون ضارة بالجسم، خاصة الدهون المخزّنة في منطقة البطن، أو ما يُعرَف بالدهون الحشوية.
يُعدّ الإفراط في استهلاك الدهون تسمماً مزمناً لأنه يؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة مثل داء السكري من النمط الثاني وأمراض القلب وبعض أنواع السرطان مثل سرطان المريء والبنكرياس والأمعاء والثدي، والتهاب الكبد الدهني غير الكحولي، كما أنه يزيد من فرصة الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض المرارة والنقرس وضعف الخصوبة وآلام أسفل الظهر وهشاشة العظام والعديد من المشكلات الصحية الأخرى.
ينتج التسمم الدهني بسبب الإفراط في استهلاك الأحماض الدهنية المهدرجة والفركتوز المكرر، وهي عناصر موجودة بنسب عالية في كثير من المنتجات الغذائية، خاصة مأكولات الأطفال والحلويات.
يعتمد خطر الإصابة بهذه الأمراض على عوامل عديدة مثل مقدار الوزن الزائد، ومكان تخزين الدهون، خاصة الدهون الحشوية، ويمكن تحديد ذلك عبر قياس مؤشر كتلة الجسم (BMI) أو قياس الخصر.
لتنّب الإصابة بالتسمم بالدهون، من المهم اتباع نمط غذائي صحي ومتوازن إلى جانب ممارسة التمارين الرياضية، والحصول على 20 إلى 35% من إجمالي السعرات الحرارية اليومي من الدهون، مع الانتباه إلى عدم الوصول إلى مرحلة نقص الوزن المفرط.
يُوصى أيضاً بالحصول على 45 إلى 65% من إجمالي السعرات الحرارية من الكربوهيدرات.
اقرأ أيضاً: هذه القواعد تحميك من الإصابة بالتسمم الغذائي
التسمم الغذائي الحاد
يشار إلى التسمم الغذائي بالأمراض المنقولة بالغذاء، وهو ما يُسمَّى بالتسمم الغذائي الحاد، ينتج عن تناول طعام ملوث أو فاسد أو سام، لكنه لا يشكّل تهديداً للحياة في معظم الحالات، ويمكن الشفاء منه في غضون أيام قليلة حتى دون علاج.
تختلف أعراض التسمم الغذائي تبعاً لمصدر العدوى، وتشمل الأعراض الأكثر شيوعاً ألم البطن والغثيان والقيء والإسهال، وفقدان الشهية والحمى والصداع. يستخدم الجسم القيء والإسهال لتخليص الجسم من السموم، لذا لا داعي للقلق من هذه الأعراض.
اقرأ أيضاً: بكتيريا تسبب التسمم الغذائي لكنها أيضاً تمنح الجسم العناصر الغذائية الأساسية
في بعض الحالات، قد يصبح التسمم الغذائي خطيراً ويتطلب رعاية طبية. تشمل الأعراض في هذه الحالة إسهالاً مستمراً لأكثر من 3 أيام، وحرارة أعلى من 38.9 درجة مئوية، وصعوبة في الرؤية أو التحدث، والجفاف الشديد، وعدم القدرة على التبول.
تعتمد مدة الشفاء منها أيضاً على العامل المسبب، فقد يستمر نصف ساعة أو عدة أسابيع، لكن تُشفى معظم الحالات خلال أسبوع.
من أكثر الأطعمة الناقلة للعوامل الممرضة والتي تتطلب طهياً جيداً قبل تناولها: اللحوم والبيض ومنتجات الألبان، كما قد تكون المياه ملوثة أيضاً بالكائنات الحية الممرضة.
تُعدّ البكتيريا والطفيليات والفيروسات العوامل المسببة لحالات التسمم الغذائي المختلفة، وتوجد في الأطعمة كلها التي يتناولها الإنسان تقريباً، لكن حرارة الطهي كافية لقتلها، وتصل إلى الجسم عند تناول الأطعمة النيئة.
البكتيريا هي السبب الأكثر شيوعا للتسمم الغذائي، خاصة الإشريكية القولونية والليستيريا والسالمونيلا والكلوستريديوم والمكورات العنقودية الذهبية، والشيغيلا. وتعتبر الإصابة ببعض هذه الأنواع، خاصة الكلوستريديوم، المسبب للتسمم الوشيقي، إصابة قاتلة إذا لم يتلقَ المريض العلاج العاجل.
التسمم الغذائي الناجم عن الطفيليات ليس شائعاً كالتسمم الناجم عن البكتيريا، ولكن الطفيليات المسببة له خطيرة للغاية، ومنها وحيدات الخلية مثل التوكسوبلازما والجيارديا المعوية، والديدان الشريطية والأسكارس وغيرها من أنواع الديدان الطفيلية. يمكن أن يحدث التسمم الغذائي أيضاً بسبب الفيروسات، مثل النوروفيروس وفيروس الروتا وفيروس التهاب الكبد أ.
يمكن عادة علاج التسمم الغذائي عن طريق:
- الإكثار من شرب السوائل، والابتعاد عن السوائل التي تحتوي على الكافيين. ويمكن شرب الأعشاب المهدئة مثل البابونج والنعناع.
- تناول الأدوية التي لا تستلزم وصفة طبية.
- تناول الأدوية الموصوفة طبياً، خاصة كبار السن والحوامل، إذ يصف الطبيب العلاج المناسب لكل حالة.
- تناول مضادات السموم في حالة الإصابة بالكلوستريديوم.
- الحصول على قسط وافر من الراحة.
تتطلب حالات التسمم الغذائي الشديدة الرعاية في المستشفى، كما يجب اتباع حمية غذائية تتضمن أطعمة سهلة الهضم وقليلة الدهون، مع الابتعاد عن منتجات الألبان والأطعمة الدسمة والمقلية والتي تحتوي على التوابل والطعام الحار والكحول والكافيين والنيكوتين.
ُيصاب الجميع بالتسمم الغذائي، لكن تزداد خطورة الإصابة لدى الأشخاص الذين يعانون ضعف المناعة والحوامل وكبار السن والأطفال.
يُنصح عموماً بتجنب تناول الأطعمة النيئة لتجنب الإصابة بالتسمم الغذائي، والعناية بتنظيف الأيدي والأسطح والأدوات المستخدمة في تحضير الطعام. بالإضافة إلى غسل الخضروات والفواكه جيداً قبل تناولها، والتركيز على شراء المنتجات التي تُؤكل نيئة مثل الجبن من مصادر موثوقة.
اقرأ أيضاً: دليلك الشامل لتقديم الإسعافات الأولية في حالات التسمم
يؤدي الإفراط في تناول نوع واحد من المغذيات الأساسية إلى الإصابة بالتسمم الغذائي المزمن. وإن اعتماد نظام غذائي متوازن على العناصر الغذائية الأساسية كافة هو مفتاح الصحة الجيدة، وتجنب خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.