في عام 2003، شُخِّصت إصابة ستيف جوبز بنوع نادر وقابل للعلاج من سرطان البنكرياس، يُسمى الورم العصبي الصماوي البنكرياسي (pNET). يُوصى عادة بالجراحة لعلاج هذا النوع من السرطان، لكن بدلاً من الخضوع للجراحة المُوصى بها فوراً، اختار اتباع علاجات بديلة مدة تسعة أشهر، بما في ذلك اتباع نظام غذائي نباتي، والوخز بالإبر، والعلاجات العشبية، وغيرها من الطرق غير المُثبتة. ولكن بحلول الوقت الذي وافق فيه جوبز على الجراحة في 2004، كان الورم قد نما، وقلل فعالية العلاج الجراحي، وتوفي جوبز بعد ذلك بـ 7 سنوات في عام 2011، فهل العلاج البديل كان سبباً في وفاته؟
لمحة عن الورم العصبي الصماوي البنكرياسي
أُصيب جوبز بالورم العصبي الصماوي البنكرياسي، ويُمثل عدد المصابين به نحو 1% من أنواع سرطانات البنكرياس جميعها، وهو سرطان يصيب الخلايا الصماء، المعروفة باسم جزر لانغرهانس، وهي مجموعات من الخلايا التي تفرز هرمون الإنسولين الذي يُخفض سكر الدم، وهرمون الغلوكاغون الذي يرفعه، واللذين يعملان معاً على ضبط سكر الدم.
لا يصنَّف هذا النوع من السرطانات ضمن السرطانات المميتة، إذ تنمو الخلايا السرطانية ببطء، وبالتالي لا ينتشر السرطان إلى مناطق أخرى من الجسم بسرعة، ولا يوجد علاج كيميائي فعال له، ويعني ذلك أن استئصال الورم جراحيّاً قد يكون علاجاً شافياً عند 87% من المرضى الذين لم ينتشر لديهم الورم. أما المرضى الذين انتشر لديهم السرطان خارج البنكرياس، فيبلغ متوسط بقائهم على قيد الحياة 27 شهراً. يختلف هذا النوع من سرطان البنكرياس عن سرطان البنكرياس الغدي شديد العدوانية والذي غالباً ما يسبب الوفاة بسرعة.
اقرأ أيضاً: ما هي أبرز العلاجات لمكافحة السرطان؟
العلاجات الطبيعية التي اتبعها ستيف جوبز
لم يُكشف عن التفاصيل الدقيقة للعلاجات الطبيعية والبديلة التي جربها ستيف جوبز، لذلك، لا يمكننا الجزم بأنه اتخذ أفضل القرارات بشأن علاجه أم لا، ولا يمكننا التحقق من أنه كان سيحصل على نتائج مختلفة لو اختار نهجاً علاجياً مختلفاً، أو إذا كان خضوعه للجراحة فور تشخيص المرض سيغيّر النتيجة، ومن غير المعروف مدى فعالية أي من أساليب الوخز بالإبر والعلاجات النباتية والغذائية التي يُعتقد أنه اتبعها قبل الجراحة أو بعدها.
أشار البعض إلى أنه قَصَر نظامه الغذائي على الفواكه والخضروات فقط، وجرب ما يُسمى بالعلاج المائي، واستشار علماء النفس، وعلى الرغم من ذلك كله، لم تنجح تلك الخيارات في إيقاف انتشار الخلايا السرطانية القاتلة. ولم يُثبت العلاج الطبيعي فعاليته في إيقاف انتشار الأورام. في الواقع، يغيّر العلاج الطبيعي بيئة الجسم، ولا يؤثر في الخلايا الورمية. يَقصد البعض من هذه العملية حرمان الخلايا السرطانية من العناصر الغذائية، ولكن في المقابل، تُحرَم أيضاً خلايا الجسم السليمة من هذه العناصر.
أما العلاج الوحيد تقريباً الذي قد يكون له نتائج عكسية على مرضى السرطان هو الإفراط في شرب الصودا والعصير الطبيعي، وذلك لأنه يزوّد الجسم بتركيز عالٍ من السكر، وخلايا السرطان تُحب السكر، فضلاً عن أن جرعة السكر الكبيرة تزيد معدل الإنسولين وعامل النمو الشبيه بالإنسولين، وكلاهما يُعزز الالتهاب ويؤدي إلى انقسام الخلايا السرطانية. ولكن لم يَثبُت أنّ العصير سرّع انتشار الخلايا السرطانية عند جوبز.
بينما أثبت علاج الوخز بالإبر دوره في تخفيف الغثيان والألم والتعب الذي يلي علاج السرطان الكيميائي والإشعاعي والجراحة، دون التأثير على الورم نفسه.
اقرأ أيضاً: بحث جديد يكشف العلاقة بين إهمال صحة الفم والإصابة بسرطان البنكرياس
ماذا عن الجراحة؟
بعد تشخيص الإصابة، أجّل جوبز العلاج الجراحي 9 أشهر فقط، وهي ليست مدة طويلة بالمقارنة مع هذا النوع من السرطان بطيء الانتشار. علاوة على أن الانتظار هذه المدة قبل إجراء الجراحة لا يُعدّ قراراً خاطئاً إذا كان الورم في خلايا جزر لانغرهانس (المُنتجة للإنسولين) وفي مراحله المبكرة، ولم تظهر الأعراض على المريض.
حقيقةً، من المستحيل الجزم إذا ما كانت الجراحة الفورية ستشفي جوبز، لكن يبدو أن تأخيرها لصالح الطب البديل قد قلل فرص نجاته.
هل قتل العلاج الطبيعي ستيف جوبز؟
تعد المعلومات المتوفرة عن جوبز ومرضه وطرق العلاج التي اتبعها قليلة، لكن على الأرجح فإن الطب الطبيعي والطب الصيني لم يسببا ضرراً كبيراً، بل يمكن لبعض هذه التدابير أن تُحسّن الصحة العامة على اعتبارها وسيلة وقاية أو علاجاً إلى جانب الرعاية الطبية، ولكن الأدلة السريرية لم تثبت ذلك بعد.
وبذلك قد لا يكون اتباع جوبز لأساليب الطب البديل مسبباً لوفاته، بل ربما حسّن صحته العامة، وخاصة أنه عاش ثماني سنوات بعد تشخيص مرضه، وربما أعاد تنظيم ممارساته الصحية من خلال تغيير النظام الغذائي وممارسة الرياضة.
في الواقع، جوبز ليس الوحيد الذي لجأ إلى علاجات الطب الطبيعي ضد السرطان. تشير التقديرات إلى أن 43-67% من مرضى السرطان في الولايات المتحدة الأميركية يستخدمون هذه العلاجات، دون آثار واضحة ومفهومة حول فاعليتها، وذلك لاعتقادهم بأن الطب الطبيعي خالٍ من المخاطر، وهذا الافتراض ليس صحيحاً دائماً.
اقرأ أيضاً: ما هي الأنظمة الغذائية التي اتبعها العباقرة مثل ستيف جولز وبيكاسو لزيادة التركيز؟
ولكن الأصح هو اتباع نظام غذائي عضوي يعتمد بصورة أساسية على النباتات، ويشمل أسماك المياه الباردة العميقة (الغنية بأوميغا 3)، والفطر لتعزيز المناعة، وفيتامين د ومكملات غذائية أخرى، وفيتامين سي لشفاء الجروح، إلى جانب النشاط البدني والوخز بالإبر لمعالجة الآثار الجانبية للعلاج. مع تقليل التوتر لأنه يُنتج هرمون الكورتيزول المثبّط للمناعة. ولا يُنصح إطلاقاً باتباع العلاج الطبيعي بديلاً عن العلاج الإشعاعي أو الكيميائي أو الجراحة.