في صالة الرياضة: الحماس الزائد ربما يؤدي إلى انحلال العضلات

4 دقائق
رياضة, تمارين رياضية

تُتاح لنا الفُرصة نحن البشر مع بداية كلّ عامٍ جديد لمحاولة إعادة ضبط إيقاع حياتنا وأنفسنا من جديد بعد أن سادتها الفوضى في العام المنصرم وعلى أملِ أن نحسّن من واقعنا على عدة مستويات. وكالعادةِ، طالعتنا مع بداية شهر يناير/كانون الثاني عناوين كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها تتحدّث عن نصائح حول كيفية تناول الطعام بشكل أفضل وممارسة الرياضة بانتظام وفقدان الوزن وكيف نحافظ على صحتنا. ونشعر عند قرائتها بحماسةٍ منقطعة النظير في هذا الوقت من العام مُسلّحين بقوةٍ متجددةٍ ومتحفزين لتخليص أنفسنا من حياتنا الخاملة التي اعتدنا عليها والتخلّص من الآثار السلبية للجلوس الطويل على الأريكة وتناول رقائق البطاطا.

فنحن، في بداية السنة الجديدة عموماً، تظهر لدينا الحماسة ويزداد تقديرنا لأنفسنا في إطار الجوّ العام المتفائل بالسنة الجديدة، فنقوم بممارسة التمارين الرياضية بكثافةٍ منذ البداية معتقدين أنّ ذلك سيعوّض صحتنا ما فاتها سابقاً. في الواقع، العمل العضلي المُجهد، وخاصة بعد فترةٍ من الخمول، يمكن أن يتسبب باضطراباتٍ ميكانيكية وكيميائية لأغشية الخلايا العضلية والذي يؤدي بدوره إلى انفجار خلايا العضلات.

باعتباري أخصائيةً فيزيائية وأخصائية بالطبّ الرياضي أدرس المشاكل الصحية المتعلّقة بممارسة التمارين الرياضية، فإنني أصبحت أرى وأسمع المزيد عن حوادث تمزق العضلات التي تسبب الضرر لأجزاءَ أخرى من الجسم. 

لا أقصد بالمعلومات التي سأذكرها لاحقاً تخويف النّاس من العودة إلى ممارسة الرياضة، وإنما هدفي الأساسي من تسليط الضوء على مثل هذه الحالات، وتذكير المدربّين والناس العاديين بأنّ الجسم يحتاج كي يحقق الاستجابة الفيزيولوجية المطلوبة إلى زيادة التمرين شيئاً فشيئاً وإلى فترةٍ من الراحة بين التمارين أيضاً.

مقطعٌ عرضي للكلى البشرية. يمكن أن يتسبب تمزق خلايا العضلات بتحرير مواد كيميائية سامة في مجرى الدم وإيذاءها. الصورة: شانر ستوك

أكثرُ من إصابة العضلات

المصطلح الطبي المتعارف عليه لتمزق خلايا العضلات الهيكلية هو «انحلال الريبدات - Rhabdomyolysis» أو «انحلال العضلات المخططـة الهيكلية». عندما تتمزّق خلايا العضلات أو تنفجر، تتحرر محتويات خلاياها داخل مجرى الدم، حيث تتضمن هذه المحتويات الخلوية إنزيماتٍ مثل الكرياتين كيناز. شواردَ مثل البوتاسيوم وبروتينات مثل الميوجلوبين.

يعدّ الميوجلوبين، على وجه الخصوص، من البروتينات الحمراء الكبيرة الجزيئات والتي يمكنها أن تعيق عمل نظام ترشيح الكلى أو الأنابيب الكلوية التي تعمل بمثابة تصريفٍ للكلى، كما يمكنها أن تتحلل إلى موادٍ ثانويةٍ سامّة تؤذي الكلى أيضاً. وفي حالاتٍ نادرة، يمكن أن تؤدي المستويات العالية من الميوجلوبين في الدم إلى توّقف وظائف الكلى تماماً، كما حدث مع عدّاء ماراثون يبلغ من العمر 27 عاماً عندما توّفي بسبب الفشل الكلوي.

في دراسةٍ أجريناها على السباحين الجامعيين، رأينا عدداً من حالات انحلال العضلات، حيثُ نقل ستة سبّاحين من أصل 34 سبّاحاً إلى المستشفى بعد مشاركتهم في أحد اختبارات سباقات التحمّل في السباحة لمدّة 20 دقيقة تقريباً. يبدو أنّ حالات انحلال العضلات التي تحتاجُ للعلاج الطبّي تزداد داخل الفرق الرياضية الجامعية بمعدلٍ يُنذر بالخطر، خصوصاً عند عودة اللاعبين للتدريب في الفرق الرياضية بعد انتهاء عطلة نهاية الموسم. حيث سُجلّت حتّى الآن 17 حالةً من انحلال العضلات بسبب قيام اللاعبين بتمريناتٍ مجهدةٍ وبسرعةٍ كبيرةٍ جداً ضمن العديد من الرياضات مثل كرة القدم والسباحة واللاكروس وكرة القدم وكرة السلة والكرة الطائرة والغولف وغيرها.

الناس العاديون معرّضون أيضاً لانحلال العضلات

إذاً، ماذا لو حاولنا نحن البشر العاديون البدء ممارسة التمارين الرياضية وخسارة الوزن الزائد؟ في الواقع، إن أيّ جهد بدنيٍّ مفرطٍ أو طارئ قد يتسبب في ظهور أعراض انحلال العضلات، مثل القيام بأعمال البستة المجهدة أو رفع الأثقال أو القيام بأنشطة الكرّوسفيت وحتّى اختبارات اللياقة الروتينية التي يجريها الجيش للقبول يمكن أن تتسبب بظهور أعراض انحلال العضلات والتسبب بالأذى للكلية.

وقد وُثّقت أكثر من 90 حالةٍ من انحلال العضلات بعد تمارين ركوب الدراجة في المنزل، في حين أُسعف 119 طالباً في مدرسةٍ ثانوية في تايوان بعد أن أجبرهم معلمّهم على تأدية تمرين «الضغط» 120 مرّة خلال خمس دقائق. وبالتالي، يمكن أن تحدثَ أذية العضلات بعد خمس دقائق إلى 36 ساعة من ممارسة النشاط البدني المفرط أو غير المُعتاد.

يتيح الجمع بين التدرّج في التمارين مع أخذ فتراتٍ من الراحة المناسبة للعضلات والأوعية الدموية والجسم بشكلٍ عام التكيّف واحداث التغيير المرغوب من الرياضة، مثل بناء العضلات وزيادة اللياقة البدنية وخسارة دهون الجسم. في هذا الصدد، يؤكّد بحثنا الحاجة إلى التدرّج في التمارين لمدّة أسبوعين بعد فترةٍ من الراحة لضمان صحّة وتكيّف أغشية الخلايا العضلية تماماً مع زيادة النشاط والإجهاد البدني.

يُعدّ انحلال العضلات دون السريري «الخفيف» الذي لا يتسبب بأذية الكلية شائعاً، ويمثّل استجابةً نموذجية للتدريب، حيث لا يحتاج إلى علاج طبي. ومع ذلك ، فإن التمرينات الشاقة، خاصة بعد العطلات الطويلة، مع ظهور علاماتٍ أو أعراضٍ تالية خلال يوم إلى يومين، تتطلب إجراء فحصٍ طبي مناسب للتحقق من:

  1. آلام العضلات التي لا تتحسّن مع مرور الوقت.
  2. توّرم العضلات مع تحدّد الحركة.
  3. الغثيان أو القيء، أو كليهما.
  4. البول الغامق اللون أو تعدد البيلات -كثرة إنتاج البول-.

هناك العديد من العوامل التي تزيد احتمال تطوّر الإصابة بانحلال العضلات ل بعد التمرين. مثل القيام بالتمارين في أجواءٍ حارّة أو في حالةِ التجفاف -عدم شرب الماء أثناء التمرين- وتناول المشروبات الكحولية والافراط في شرب القهوة والممارسات الغذائية المتطرّفة -نباتية أو بروتينية- ووجود سمة الخلايا المنجلية

يمكن أن تظهر أعراض انحلال العضلات لدى كلٍّ من الرجال والنساء بالرغم من أننا نرى حالاتٍ أكثر عند الحالات في الرجال. بينما تبدو عضلات الذراع الصغيرة أكثر عرضةً للتمزق بعد 5 إلى 30 دقيقة من التمرين مقارنةً بعضلات الساق الأكبر لأسباب لا تزال مجهولة.

وبالرغم من أنّ انحلال العضلات المخططـة الهيكليـة ليس شائعاً، إلا أنّنا يجب أن نراقب المضاعفات التي قد تنشأ عن ممارسة الرياضة المكثّفة لأن الحالات آخذةٌ في الازدياد. ونحن كمدربين وعلماء نشجّع الجميع على ممارسة الرياضة المنتظمة لما لها من فوائد كبيرةٍ على صحتنا، إلا أننا نحذّر من التمارين المجهدة خلال وقتٍ قصير أو بعد فترات الانقطاع الطويلة. أخيراً، يمكن الوقاية من أذيات العضلات المختلفة تماماً باتباع نهجٍ تدريبي ذكيّ وسليمٍ من الناحية الفيزيولوجية.

تم نشر المقال في موقع ذا كونفيرسيشن

المحتوى محمي