يستوطن الناس بلدانهم منذ آلاف السنين عبر الأجيال، وعلى الرغم من وجود الكثير من الهجرات والسفر عبر التاريخ بين البلدان، فهناك ثوابت واضحة كالقدرة على احتمال الطقس لدى السكان المحليين. فهل يستطيع الناس من البيئات الحارة أن يعتادوا الطقس البارد بسهولة أو العكس؟ وهل تساعد الجينات على التأقلم مع طقس المنطقة الجغرافية التي وُلِد الشخص فيها؟
اقرأ أيضاً: ما الآليات التي يستخدمها الجسم لتخفيض حرارته صيفاً؟
ما المورثات (الجينات) التي تساعد على التأقلم مع المناخ؟
تؤثّر البيئة التي نشأ فيها الإنسان وأجداده في الحمض النووي الخاص بالسكان على مدى آلاف السنين، ولهذا النوع من التأقلم الوراثي البيئي دور مهم في احتمال الطقس وتأدية الوظائف الفيزيولوجية المهمة بأفضل شكلٍ ممكن، وتضم المورثات والصفات التي تؤثّر في التأقلم مع المناخ كما يلي:
مورثات الطول والبنية
وفق قاعدة العالم ألين للتكيُّف مع المناخ، تكون الأجسام في المناخ البارد ذات أطراف أقصر وتكون بنية الجسم الممتلئة مفيدة للاحتفاظ بالحرارة، بينما في المناخات الأكثر دفئاً، يكون جذع الجسم أطول وله أطراف أطول ومؤشر كتلة جسم أقل، حيث تزيد مساحة السطح الكبيرة من فقدان الحرارة ليبقى الجسم بارداً.
مورثات شكل الأنف
يمتلك الأشخاص الذين يقطنون في مناخ ذي حرارة مرتفعة حيث يكون الهواء دافئاً ورطباً أنفاً عريضاً بفتحات أنف واسعة للسماح بدخول المزيد من الهواء، ولكن سيتهيج هذا النوع من الأنف بالهواء البارد والجاف ويؤدي إلى نزيف الأنف، وفي الوقت ذاته يكون أنف الأشخاص الذين يسكنون المناطق الباردة ضيقاً، إذ يعمل الممر الضيق للأنف على تدفئة الهواء البارد.
ويُضاف إلى المورثات السابقة عدة مورثات أخرى مثل التي تتحكم بالتعرق ولون البشرة وكثافة الشعر وغيرها.
مورثات العضلات الهيكلية
يفتقر واحد من كل 5 أشخاص عالمياً إلى البروتين العضلي المُسمّى ألفا أكتينين-3 (alpha-actinin-3) بسبب تغير مورثي واحد في جين أكتن 3 (ACTN3)، ويسهم نقص هذا البروتين في الحفاظ على درجة حرارة أساسية أعلى ورعشة أقل عند التعرض للبرد، مقارنة بأولئك الذين لديهم ألفا أكتينين-3، ويوجد هذا النمط الوراثي عند الأشخاص الذين يسكنون في المناطق الباردة وفي أوروبا، ما يساعدهم على تحمل البرودة.
اقرأ أيضاً: قد تؤدي الرطوبة إلى موتك حقيقةً وليس خيالاً
مورثات الدهون البيضاء والدهون البنية وكتلة العضلات
تعمل الدهون البيضاء كمخزن طاقة للجسم عند عدم توفر الغذاء، ولكن يمكن أن تتراكم الدهون البيضاء وتسبب مشكلات صحية كالبدانة وخطورة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. بالمقابل تعمل الدهون البنية على زيادة عملية التمثيل الغذائي وحرق السعرات الحرارية لإنتاج الحرارة في الجسم، ويؤدي التعرض للبرد إلى تحفيز الخلايا الجذعية في الجسم لإنتاج المزيد من الدهون البنية، لذا يمتلك الأشخاص الذين يسكنون في المناطق الباردة مورثات تحفّز تشكيل الدهون البنية بشكلٍ أكبر من غيرهم الذين يسكنون في المناطق الدافئة.
يمتلك سكان الإنويت (الإسكيمو) الأصليون الذين يقيمون في المناطق القريبة من القطب الشمالي في غرينلاند مورثات تساعدهم على تحفيز إنتاج الدهون البنية وبالتالي توليد الحرارة، ويحملون مورثات تساعدهم على التأقلم مع نقص الأوكسجين في المرتفعات الجبلية.
مورثات التعرق ولون البشرة
عادةً ما يكون سكان المناطق الحارة ذوي بشرة داكنة نتيجة وجود كمية أكبر من الميلانين في الجلد لحمايتهم من أضرار الأشعة فوق البنفسجية والحرارة، وتكون لديهم غدد عرقية نشطة وراثياً لكي تساعد على التعرق وتبريد الجلد عند الحاجة، بينما يكون الوضع مختلفاً من حيث لون البشرة والغدد العرقية لدى قاطني المناطق الباردة.
الاضطراب العاطفي الموسمي
وهو نوع من الاكتئاب يرتبط بقلة أيام النهار وأشعة الشمس في الشتاء، حيث يشعر الناس بالسعادة عندما يكون هناك المزيد من ساعات الشمس والدفء، وقد تزداد الرغبة في ممارسة الرياضة عند التعرض لساعات طويلة من ضوء الشمس.
زيادة فاعلية جين "بي دي إن إف" (BDNF) تؤدي دوراً مهماً في الاستجابة لضوء الشمس والشعور بالسعادة.
اقرأ أيضاً: هذا الطقس الحار جداً هو المناسب تماماً لأخذ لقاح الأنفلونزا
هل الاستعداد الوراثي للمناخ الذي تعيش به سيكون عائقاً إذا هاجرت إلى بلد له ظروف مناخية مختلفة؟
لا، يتأقلم الإنسان مع البيئة التي يوجد فيها من خلال عدة آليات مثل الاستقلاب وحرق السعرات الحرارية والتعرق وتوسع الأوعية الدموية الموجودة بالقرب من سطح الجلد أو تضيقها. لكن بالطبع الشخص الذي لديه استعداد وراثي للتأقلم مع الجو الحار سيستجيب جسمه بشكلٍ أسرع باستخدام الآليات السابقة للتأقلم، وهذا ينطبق أيضاً على الذين لديهم استعداد وراثي للتأقلم مع المناخ البارد، ومن المهم ذكر النمط الغذائي الذي يساعد السكان على التأقلم مع المناخ الذي يعيشون فيه، فدهون الأسماك مثل أوميغا 3 تساعد سكان الإنويت على احتمال الطقس البارد.
اقرأ أيضاً: النوبات القلبية تبدو أكثر شيوعاً بعد التغيرات الشديدة لدرجات الحرارة
لا يمكن القول إن مورثاتك مناسبة لمناخك ولا تسمح لك بالانتقال إلى مناخ آخر، إذ يمكن استخدام الألبسة وتكنولوجيا التكيُّف للتأقلم بشكلٍ أفضل مع المناخ الذي تنتقل إليه، ويُعدّ الشخص الذي يعيش في المناخ المعتدل أكثر قدرة على التأقلم من الناحية الوراثية مع المناطق الحارة أو الباردة، وعادةً ما يكون السكان من المناطق الجنوبية للأرض مستعدين وراثياً للجو الحار، بينما المناطق في شمال الأرض يكونون مؤهبين وراثياً للجو البارد ولكن يمكن أن يتأقلموا بالظروف المناخية المختلفة، لكن ذلك سيستغرق منهم وقتاً أطول كي يستجيب جسمهم لتغيرات الحرارة والطقس، وهذا ما يحدث من خلال تأقلم البشر وراثياً مع التغيّر المناخي.