بالنسبة إلى الكثيرين، يعد الإحساس بالاتجاه إحدى أهم مشكلات حيواتهم اليومية؛ حيث يستغرق منهم حفظ الطرق وقتاً أطول بكثير مقارنة مع الآخرين، هذا إن تمكنوا من ذلك أساساً. ليس ذلك فحسب؛ فحتى الطرق المعروفة بالفعل بالنسبة إليهم، قد ينسونها بمجرّد أن يتغير فيها عامل بسيط؛ مثل اضطرارهم إلى السير في الاتجاه المعاكس، أو تغير أحد معالم الطريق المادية.
اقرأ أيضاً: إليك أفضل الطرق لتجنب دوار المرتفعات في أثناء رحلات المشي
كيف نتذكر الطريق والاتجاهات؟
يمتلك الأفراد ما يمكن وصفه بـ "البوصلة الداخلية" ضمن الدماغ لتوليد إحساس بالاتجاه؛ وتتكون هذه من القشرة الشمية الداخلية، والحُصين. تنشط هذه البوصلة باستمرار في أثناء المهام المتعلقة بالتنقل؛ ما يساعد على تذكر الطريق، وأي خلل فيها يسبب ضعف الإدراك المكاني والضياع.
ترتبط كل من منطقتَي الحصين والقشرة المخية الأنفية الداخلية بالذاكرة والإحساس بالاتجاه؛ حيث تحتوي كل من منطقتي الحصين والقشرة الشمية الأنفية الداخلية 4 أنواع من الخلايا المرتبطة بالتنقل؛ وهي خلايا المكان، وخلايا الشبكة، والخلايا الحدودية، وخلايا اتجاه الرأس، وتعمل على النحو التالي:
- تحدد الخلايا المكانية مكانك؛ على سبيل المثال، إذا كنت في غرفة المعيشة، ستضيء خلايا مكانية معينة، وإذا دخلت إلى الردهة، ستنشط مجموعة مختلفة من الخلايا المكانية. ومع كلّ انتقال، تنشط الخلايا المكانية في أماكن مختلفة، ما يؤدي إلى إنشاء خريطة في الدماغ تساعدك على تذكر أماكن الأشياء والعثور على طريقك.
- تقدم الخلايا الشبكية معلومات حول موقعك مقارنة بالأماكن الأخرى التي زرتها؛ أي أنها تعمل مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
- ترسم الخلايا الحدودية الحدود البيئية على مسافات واتجاهات محددة.
- تنشط خلايا اتجاه الرأس عندما تدخل مواقع مألوفة؛ حيث تسمح بالتنقل بناءً على الاتجاه، وتساعد على الحفاظ على الإحساس بالاتجاه حتى عندما لا تتحرك.
عندما يضعف التواصل بين هذه الخلايا في هذه المناطق، يواجه الفرد صعوبة في التنقل.
أسباب عدم قدرة البعض على حفظ الطرق
تتباين درجة الضياع التي يتسبب بها فقدان القدرة على تذكر الطرق باختلاف المسبب، ومن أهم الأسباب:
الارتباك الطبوغرافي التنموي
الارتباك الطبوغرافي التنموي (DTD) هو اضطراب يتسبب بفقدان القدرة على التوجه ضمن محيط مألوف للغاية، على الرغم من عدم تأثّر الوظائف المعرفية العامة.
أُطلقَت عليه تسمية "تنموي" لأنه غير مكتسَب؛ أي لا ينتج عن تلف مكتسَب في الدماغ أو اضطراب عصبي، أو عن أي إصابة دماغية تؤثر في القدرة على التنقل؛ أي أنه مهارة لم يتعلمها المصاب أبداً في المقام الأول.
يمتاز هذا الاضطراب بفقدان القدرة على حفظ الطرق الجديدة، والضياع في الأماكن الجديدة، وعدم القدرة على تتبع الطرق في الحياة الواقعية، وحتى في المنزل الواحد، وصعوبة إنشاء تمثيلات ذهنية للأماكن؛ مثل الشوارع والمعالم والطرق.
نظراً إلى أن الفحص بالرنين المغناطيسي لم يُظهر أي تغيرات في منطقة الحُصين وقشرة الفص الجبهي باعتبارهما أجزاء الدماغ المسؤولة عن التوجّه المكاني؛ توصل الباحثون إلى أن السبب هو انفصال الروابط بين مناطق الدماغ.
اقرأ أيضاً: ما فوائد القراءة بصوت عالٍ للذاكرة وتعلم اللغات؟
التشوّش المكاني
التشوش المكاني أو الاتجاهي (Directional Dyslexia) هو نوع فرعي محدد من عسر القراءة، وهو حالة يواجه فيها الأفراد صعوبة في معالجة المعلومات المكانية وفهمها، وخاصة فيما يتعلق بالاتجاهات. يعاني المصابون به:
- الارتباك المكاني؛ أي التشوّش في محيط مألوف.
- صعوبة تمييز اليمين من اليسار.
- صعوبة فهم الخرائط واتباع توجيهاتها.
- صعوبة أداء المهام التي تتضمن توجيهات خطوة بخطوة.
على الرغم من أن أسباب التشوش الاتجاهي غير واضحة حتى الآن، فإنه يتأثر ببعض العوامل؛ مثل:
- اضطراب المعالجة البصرية؛ أي يواجه الفرد صعوبة في التعرّف إلى الأشكال والألوان.
- اضطراب المعالجة الصوتية؛ أي يواجه الفرد صعوبة في التعرف إلى أصوات الكلمات، أو التمييز بين الكلمات ذات النطق المتشابه.
- الاختلافات في نمو الدماغ قد تؤثر في طريقة معالجة المعلومات.
قلة ممارسة التنقل
أظهر بحث نُشر عام 2020 في دورية تقارير علمية (Scientific Reports)، أنه لدى التوقف عن ممارسة التنقل، تتراجع القدرة على حفظ الطرق وتحديد المكان؛ حيث انخفضت القدرة على التنقل لدى أولئك الذين يعتمدون على نظام تحديد المواقع (GPS) للتنقل.
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، هو اضطراب في النمو يمكن أن يؤثر في كيفية معالجة الدماغ للذاكرة. يرتبط الاضطراب بضعف الذاكرة العاملة؛ التي تتضمن الحفاظ على المعلومات وإعادة ترتيبها، ومراقبة المعلومات الواردة باستمرار، واستبدال تفاصيل أكثر صلة بالموقف بالتفاصيل القديمة. عند التنقل، تساعدنا الذاكرة العاملة على معالجة المعلومات المكانية، وتذكر المعالم، واتباع الاتجاهات؛ لذا قد يؤدي ضعف الذاكرة العاملة إلى صعوبة تذكر المسارات بدقة.
اقرأ ايضاً: 10 استراتيجيات بسيطة تساعد الطفل في التركيز والحفظ
القلق المكاني
تعرّف أستاذة علم النفس والباحثة في جامعة بوردو فورت واين (Purdue University Fort Wayne)، كارول لوتون (Carol Lawton)، القلق المكاني بأنه قلق سببه الاضطرار إلى إيجاد طريق جديدة إلى مكان غير مألوف، أو بين مكانين مألوفين. عادة ما نلاحظ هذا القلق لدى الأفراد الذين يخشون على سلامتهم الشخصية.